القفل

> بقيت عدن مدينة مفتوحة لزمن مضى، لكن ربما صارت الحاجة لضرورة أن تكون قفلاً في بعض الأوقات.

لقد ازدحمت المدينة وكثرت أسواقها، حتى أن حركة السيارات والمركبات في شوارعها لا تهدأ ولا تتوقف، وصار التنقل وحركة الناس بين مناطق عدن سوقاً يحتاج إلى رواج الدلّالين والسائقين لجذب الرُّكّاب.

يقول القادمون إلى عدن من بلاد الحجرية وتهامة إنهم يجدون في المدينة فُرَصا للعمل في التجارة والبناء، فقد شهدت المدينة في السنوات الأخيرة طفرة في العمران، وفُتِحَت أسواق جديدة، ولو سمحت البلدية لأسواق شعبية لازدحم الناس وسط الطرقات وتعطّلت حركة المرور.

أمام هذا الزحام الكبير اثنان يتعبان ولا يستريحان "جندي المرور" و "عامل النظافة".

دعوة للمحافظ أحمد لملس لتكريمهما، فإنهما يقدّمان من الجهد والتفاني ما لا يستطيعه غيرهما.

ولمّا صارت عدن ممراحة ولطيفة صارت متعة البيع على قارعة الطريق في وطأة الصيف نزهة وتسلية.

ترى باعة قناني الماء البارد والمثلّج وباعة المناديل الورقية، يعرضون سلعتهم وسط الطرقات، يجتهدون لتوفير مصاريف لأُسرهم.

من لطافة أهل المدينة وسمو أخلاقهم أنهم لا ينهرون هؤلاء الباعة المتجولين رغم أنهم يكونون أحياناً سبباً في إعاقة الحركة، لكن السائقين يلاطفونهم ويمازحونهم، وربما بعضهم لا يطلب منهم بقية النقود عند شراء الماء أو المناديل.

المتأمل لهؤلاء الباعة، صغاراً كانوا أو كبارا، سُعداء بالعمل رغم مشقته وسط النهار وتحت حرارة الشمس، فقد قيل "ليس قَلّة الشي دليلاً على الشقاء، وليست السعادة تأتي بالترفُّه".

وقد علم الجميع أن هؤلاء البائعين ينفقون سلعتهم بشرف ويقبضون الحلال، وليس الشرف في الشكل والأُبّهة كما يزعم البعض.

قد يُدركُ الشرف الفتى ورداؤه

خَلَقٌ وجيبُ قميصِه مرقوعُ

هل تحتاج المدينة إلى أن تكون قفلاً أحيانا تجاه هذا القدوم والنزوح؟

يبدو أن الساسة الذين يرون في الجنوب أنه خصمهم وغريمهم، قد ضيّقوا على الناس معايشهم، هؤلاء القوم ما زالوا نقيصة الزمن لأنهم يدخلون دهاليز السياسة من شقوق الباب وفتحات الجدار، فكانوا شؤماً على الجميع.

وقد رأينا كيف أن الأهل في عدن لما اشتغلوا للحفاظ على كيانهم من عبث مجانين السياسة، كيف انتفخت أوداج أولئك من الغضب، رغم أن المدينة فرشت قلبها للقريب والبعيد.

ولمّا صار للنخبة في الجنوب مشاركة في الرئاسة والحكومة، تحت لواء اتفاق ومشاورات الرياض، نفر القوم وانفّضوا عن مجلس القيادة وتركوا معاشيق، رغم أن الشعب اطمأن للتشكيلة الجديدة وفرح بالوفاق، أملاً في تحسين معيشته ووقف تدهور العملة الوطنية حتى صار من قيل إنهم ضد التمرُّد في الشمال، ويناضلون لاستعادة الجمهورية هم من يمارسون التمرُّد اليوم على الشرعية والقرار الرئاسي.

فضلاً عودوا إلى عدن قبل أن تصير المدينة قفلاً كبيراً يستحيل فتحه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى