نهب وتدمير المتاحف إبادة ثقافية

> الصراع الدموي في اليمن كشف حقيقة مخزية، وهي تحول نهب معالم الإرث الإنساني إلى وسيلة حرب وإلى إحدى أدوات طمس هوية الخصم، فقد أدت الحروب واسعة النطاق التي بدأت في 1994 ضد المحافظات الجنوبية إلى سرقة جريئة وغير مسبوقة للقيم الثقافية والتاريخية، حيث تم نهب المتاحف والمواقع الأثرية والمكتبة الوطنية وأرشيف الإذاعة والتلفزيون والثروات وأضرار جسيمة في البنى التحتية والتعليم وتدمير العديد من المعالم المعمارية ومباني الفن الحديث، وتم اقتلاع وتغير لافتات أسماء الشوارع والمدارس، وبيوت الله لم تسلم من تغيير أسمائها التاريخية، بينما بعض المساجد تم محو أثرها وأولها مسجد الهاشمي في الشيخ عثمان.

إن نهب المتاحف من قبل بعض لصوص الآثار النافذين والتجار والشيوخ والساسة وتهريبهم لها إلى خارج البلاد هو بلا شك جريمة حرب، وأن قصف المتاحف ونهب المقتنيات الفنية القديمة من قبل الخصم هو بمثابة "إبادة ثقافية"، لأن معظم حالات سرقة الأشياء التاريخية الثمينة أثناء الحروب من متاحف المحافظات الجنوبية تمت بالتواطؤ الواعي والموافقة عليها من قبل بعض شيوخ القبائل وقيادة القوات المسلحة، وفي الاجتياح الأول والثاني كان هناك نهب جماعي منظم لكل شيء تاريخي وعصري لم يستثنِ حتى مراحيض مؤسسات الدولة وأسلاكها الكهربائية.

كان متحف كريتر (الحربي) واجهة تاريخية وأثرية وإنسانية رائعة للسكان المحليين والزوار الأجانب، وكان يضم مجموعات أثرية ثمينة ومثيرة جدًا للاهتمام من الفنون والحرف اليدوية والمخطوطات ووثائق ونماذج من الأسلحة القديمة، كذلك مجموعة فريدة من العملات تم جمعها من المدن والقرى في المحافظات الجنوبية قبل وبعد الاستقلال عن بريطانيا، غالبيتها تم نهبها عن قصد وبطريقة مدروسة من أجل إصابة الشريك في عمق نسيجة الاجتماعي ومحو تاريخه وهويته.

اليوم تطالب الحكومة اليمنية دول أوروبا بمنع الجهات التجارية فيها من بيع الآثار اليمنية المهربة، وأن وزارة الخارجية اليمنية قالت إنها وجهت السفارات اليمنية بالتواصل مع وزارات الخارجية في الدول المعنية لمنع ذلك، بينما السؤال الأهم للجهات الرسمية اليمنية في إطار مواكبة الجهود الدولية، هو أين نحن من الاتفاقية الدولية لمكافحة تهريب القطع الثقافية واسترددها؟ مع العلم بأن هذه الاتفاقية أقرت حتى حق الدول المطالبة بالاسترداد في تقديم طلبات أمام المحاكم الوطنية مباشرة في الدول الأطراف التي تتواجد بترابها القطع المسروقة، وتعتبر بذلك خطوة كبيرة في اتجاه إلزامية الحق في استرجاع التراث المادي المسروق.

لحماية التراث الوطني الأجدر بنا أن نسعى إلى خلق رأى عام داخلي يستطيع وضع مسألة استرداد التحف والآثار على الأجندة السياسية للحكومة ودعمها في هذا الجانب، لأن العمل على حماية التراث الثقافي مسؤولية جماعية من قبل المجتمع والدولة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى