انزعاج إثيوبيا من حركة الشباب يقودها إلى توثيق التعاون مع الصومال
> محمد أبو الفضل
> تعاون مقديشو مع أديس أبابا يساهم في الحد من تمدد الحركة
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود زار أديس أبابا بهدف بناء تحالف مع رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد لمواجهة حركة الشباب التي زادت من هجماتها، في وقت تتخوف فيه أديس أبابا في أن تستغل الحركة الحرب مع جبهة تيجراي لتتسلل إلى أراضيها مستفيدة من الاصطفافات العرقية والدينية.
أنهى شيخ محمود إشكالية انحيازه إلى كينيا على حساب إثيوبيا عندما وصل إلى مطار أديس أبابا واستقبل بحفاوة من رئيس الوزراء آبي أحمد وتم توقيع اتفاق يعزز التعاون بين البلدين، وكان التركيز على ملف مكافحة الإرهاب والتطرف واضحا فيه.
يقطع التعاون بين شيخ محمود وآبي أحمد الأمل الذي يراود حركة الشباب بشأن التسلل داخل إثيوبيا التي تخوض حكومتها حربا ضروس مع إقليم تيجراي، والتنسيق توافقا لمواجهة الحركة والاستفادة من الخبرات الأمنية الإثيوبية في حرب العصابات وتجربة قواتها التي مكثت في الصومال فترات طويلة متصلة أو متقطعة.
ووفّر انزعاج إثيوبيا من تطلعات حركة الشباب فرصة مواتية لإذابة سحب كثيفة تراكمت فوق سماء مقديشو وأديس أبابا، ونجح كلاهما في أن يكون لهما عدو مشترك يوفر أرضا للتعاون والتنسيق الفترة المقبلة، ويكفي وجوده للحد من أيّ مناوشات بينهما.
"العرب"
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود زار أديس أبابا بهدف بناء تحالف مع رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد لمواجهة حركة الشباب التي زادت من هجماتها، في وقت تتخوف فيه أديس أبابا في أن تستغل الحركة الحرب مع جبهة تيجراي لتتسلل إلى أراضيها مستفيدة من الاصطفافات العرقية والدينية.
خطت إثيوبيا خطوة كبيرة باتجاه توثيق العلاقات مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عندما قبل بعد تردد دعوة لزيارة أديس أبابا، يومي الأربعاء والخميس، حيث قام الرجل بزيارات عدة لدول مهمة منذ توليه منصبه في مايو الماضي، وكان وصوله إلى إثيوبيا محفوفا بتحديات تتعلق بالصورة التي يمكن أن تكون عليها العلاقة بين بلدين بينهما مرارات وحروب وتدخلات وحساسيات تاريخية.
بدأت حركة الشباب الصومالية تمثل تهديدا وجوديا لإثيوبيا مع كل خطوة تكسبها داخليا، وإذا عجز الرئيس شيخ محمود عن مواجهتها بدرجة عالية من الحسم سوف تمتد أذرعها إلى الأراضي الإثيوبية التي يعاني بعضها من توترات استقطعت جانبا من جهد القوات العسكرية مع تصاعد حدة المواجهة مرة أخرى بين قوات الحكومة المركزية المسنودة من قوات إريتريا وبين قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.
التعاون بين شيخ محمود وآبي أحمد يقطع الأمل الذي يراود حركة الشباب بشأن التسلل داخل إثيوبيا
وجه الهجوم الذي شنته حركة الشباب في العشرين من يوليو الماضي على قرى حدودية مع إثيوبيا والتوغل في إقليم الأوجادين الذي ضمته إثيوبيا إليها إنذارا شديد اللهجة بأن الحركة يمكنها أن تمد مسرح عملياتها في إثيوبيا عندما تستقر لها الأمور داخل الصومال، ما يعني أنها عازمة على خوض حرب مع إثيوبيا لاحقا مستفيدة من اتساع نطاق صراعات تعاني منها ويمكن أن تفضي إلى إنهاك جسدها العسكري.
طوت زيارة رئيس الصومال إلى إثيوبيا فصلا قاتما كان يمكن أن تنعكس أضراره على البلدين إذا تمكنت حركة الشباب من توظيف الخلاف السابق بين حسن شيخ محمود الذي يملك أجندة وطنية مدعومة من قوى دولية لمكافحة الإرهاب في بلاده، وبين آبي أحمد الذي يخوض حربا مصيرية مع إقليم تيجراي ويخشى من توغّل حركة الشباب في الصومال، والتي تتطلع منذ فترة إلى التوغّل في بلاده.
نجحت إثيوبيا في تحصين نفسها لنحو عشر سنوات من امتداد ضربات حركة الشباب إليها من خلال وجود قوات لها في الأراضي الصومالية وعبر تمزق الدولة المجاورة التي تعيش على وقع حرب أهلية تجاوزت الثلاثين عاما، غير أن القوة التي اكتسبتها حركة الشباب وأسهمت في عودتها مرة أخرى كرقم مهم في معادلة الأمن في الصومال أزعجت أديس أبابا وفرضت عليها التعاون مع الرئيس الجديد حسن شيخ محمود والتغاضي عن المطبات السابقة معه خلال فترة توليه الرئاسة في المرة الأولى، والتي ظهرت في أثنائها ميوله نحو كينيا على حساب إثيوبيا.
عكس ترحيب منظمة الإيجاد بالتعاون بين الصومال وإثيوبيا أخيرا كخطة لتعزيز التعاون الإقليمي مدى الأهمية التي تعول عليها قوى إقليمية لمكافحة الإرهاب الذي تمثله حركة الشباب التي تكبدت خسائر كبيرة مؤخرا في وسط الصومال وجنوبه بعد أن أعلن الرئيس حسن شيخ محمود حربا شاملة عليها، وهو ما وجده آبي أحمد فرصة للتعاون معه وتبديد شكوك راودته وشريحة كبيرة من الصوماليين أن إثيوبيا لا تريد استقرارا داخل هذا البلد وعازمة على تمتين تمركزها في إقليم أرض الصومال شبه المنفصل عن مقديشو منذ سنوات.
وتتجه المعادلة الحرجة التي تبنتها إثيوبيا للتعامل مع الصومال نحو التغيّر حاليا لتنتقل من الصراع الخفي والتنافر إلى التعاون والتنسيق، لأن هناك خطرا مشتركا على نظام الحكم في البلدين اسمه حركة الشباب وعنوانه مشروع له أهداف عابرة للحدود، ويؤدي تفوق الحركة إلى نتائج تفوق قدرة البلدين على تحملها، فالحركة التي تتبنى فكرة جهادية ومتطرفة لا تتوقف طموحاتها عند الصومال أو إثيوبيا، بل تضع نصب عينيها الزحف نحو منطقة شرق أفريقيا برمتها.
تعلم الحركة التي تتعرض لضربات قوية من الولايات المتحدة أن البيئة الإقليمية مواتية لتمدد مشروعها في إثيوبيا، في ظل وجود قوى عرقية مفككة ومتناحرة مع الحكومة المركزية، وجماعات مسلمة لها انحيازات مسبقة للحركة بسبب الرابطة الدينية وما ينطوي عليها من مشروع يرفع شعار مجابهة ما يسمى بـ ”القوى الظالمة”.
ورغم التشعب الظاهر في العلاقة بين إثيوبيا والصومال والحافل بخلافات عميقة، غير أن التوافق على محاربة حركة الشباب بين البلدين سيكون محفزا للتجاوز عن الكثير من تفاصيلها، لأن الخطر الداهم على نظام الحكم في كل من مقديشو وأديس أبابا يفرض عليهما تعاونا سريعا لا يمنح كلاهما مساحة لمناورة أو خلاف جديد يفجر احتقانات ماضوية لم تندمل في الذاكرة الصومالية حتى الآن.
الخطر الداهم على نظام الحكم في كل من مقديشو وأديس أبابا يفرض عليهما تعاونا سريعا
كانت هذه الزاوية واحدة من الدوافع الرئيسية التي حضت شيخ محمود على فتح صفحة جديدة مع أديس أبابا، لأنه لا يريد أن يخوض حربا مع حركة الشباب وظهره مكشوف ويمكن أن يتعرض إلى طعنات، كما أن آبي أحمد تيقن أن رئيس الصومال الجديد يحارب الشباب بجدية ويحظى بدعم قوى إقليمية ودولية تمكنه من أن يحقق انتصارات عليها تشجعه على وضع حد لتصرفات إثيوبية مرفوضة للعبث داخل بلاده.
تجمعت حلقات عديدة أدت إلى لقاء الطرفين عند محطة حركة الشباب التي يصبح صعودها هذه المرة محفوفا بمخاطر قد تطال دولا مختلفة في المنطقة، لأن الصومال يمكن أن يتحول إلى ركيزة لتنظيم القاعدة الذي يحتضن حركة الشباب ومنه تنتشر عناصرها في إثيوبيا وكينيا وأوغندا، وكلها دول شهدت عمليات إرهابية أوقعت الكثير من الضحايا وأعلنت الشباب مسؤوليتها عنها.
يسعى الرئيس الصومالي شيخ محمود إلى توظيف براغماتيته في التعاون مع قوى عديدة، وفتح صفحة جديدة لبلاده تمكنه من العبور إلى بر الأمان، لأن تصفير المشكلات مع القوى الخارجية يساعده على التفرغ لمواجهة حركة الشباب ببسالة في الداخل، ويحد من المساعدات التي تتلقاها من جهات متباينة، ويخفّض مخاطر خلفتها حقبة غامضة من حسابات معقدة جعلت الصومال أرضا مستباحة لقوى إقليمية ودولية.