> آية خالد
"في إحدى المرات كانت تناديني فتاة، "ببنت صاحب الشبس"، بطريقة تهكمية وبسخرية، وقالت لي أخرى لماذا خليتم أبوكم يشتغل بالشبس؟ كان يفتح بقالة أو أي مشروع أحسن، على شأن ما تخجلي لما يعرفوا أبوك أيش يشتغل؟".
واتبعت: "كان عملنا كله بالدين، ومع الثورة تأخر استلام الرواتب للموظفين، مما أخر التسديد، لكن التجار لم يقدروا هذه النقطة، وطالبوا بحقهم، ما لم سيتم سحب البضاعة من المحل، وبالفعل البعض منهم سحب بضاعته، مما زاد الوضع سوءًا" يقول الخمسيني عبدالواسع المخلافي الذي يعول أسرة مكونة من خمسة أبناء : "بعد اندلاع الحرب في مارس 2015، زادت الأمور سوءًا، إذ باع كل ما تبقى في بقالته بثمن بخس، كما يقول المخلافي، مضيفًا في "فيسبوك" مع نشر صور لمحله التجاري قبل الحرب وهو ممتلئ بالبضاعة: "قبل الحرب كنا نملك شيئًا، واليوم أصبحنا لا نملك شيئًا".
وتوضح أنغام المخلافي قائلة: "في الحرب ظلت المنطقة هناك محاصرة لأشهر، ولم يستطع أبي إخراج بضاعته، ومنها الذي انتهى ومنها الذي بعناه بنصف قيمته لكي نعيش، ونحن نازحون من مكان لمكان، ولا نلاقي الريال الواحد، حتى الديكور الذي بالسقف سقط بسبب ضرب الطيران فوق ما تبقى من السوبر ماركت، ودمر كل شيء بقي فيه".
ويكمل :"المال مال الله يعطيه متى شاء ويأخذه متى شاء"، بهذه العبارات كان يُصبر المخلافي أولاده كلما رآهم مهمومين ومتعبين من الوضع الكارثي والنكبة التي حلت بهم، كما روت لنا ابنته أنغام، قائلة: "عمره ما حسسنا بفارق بين حياتنا قبل وبعد الظروف التي حصلت، ويحاول أن يعيشنا بنفس المستوى لليوم".
يستيقظ المخلافي كل صباح الساعة السادسة، بهمة عالية ورضا وتفاؤل، ليُباشر عمله، ويبدأ بتنظيف المحل وتجهيز الأكل، وبابتسامة عريضة يستقبل بها المارة من أمام محله، ولا يُقفل سوى العاشرة والنصف مساءً، ويتحمل تعب العمل، ويتغلب على ظروفه الصحية، ولا يتغيب يومًا عن المحل مهما كانت ظروفه.
يوضح المخلافي أن مشروع البطاطس متعب جدًا لرجل كبير بعمره، بخاصة في التعامل مع الأطفال وفئات مختلفة ويقول :"هذا يُعد إرهاقًا كبيرًا، بالإضافة للجهد الجسدي من تنظيف المحل وتجهيز الأكل، وليس مربحًا لدرجة كبيرة، ولكن إن وجد الشخص المكافح المحب لعمله، يعيش من هذا المشروع بالقليل البرك"
إصرار المخلافي على العمل وحبه للسعي، ليوفر لأسرته عيشة كريمة، جعل منه نموذجًا مشرفًا وفخرًا في عيون أبنائه، وجعلوا منه جبلًا ثابتًا يستندون عليه، وتعبر عن ذلك أنغام قائلة: "أبي بالنسبة لي ليس أبًا فقط، أبي مُلهم وقدوة وإنسان قوي جدًا، وبطل عظيم، علمنا كيف نبدأ من الصفر، وكيف ننحت في الصخر وما نستسلم مهما كانت الظروف والمعوقات أقوى وأكبر منا، وعمري ما استحيت أو خجلت أن أقول إني بنت عبدالواسع صاحب الشبس".
يوجه عبدالواسع المخلافي رسالة لكل من سرقت الحرب منه حلمه وطموحه، وأفقدته مصدر رزقه، ويحثهم على العمل بأية مهنة، قائلًا: "العمل شرف، ولا تفكر بالماضي كيف كنت؟ وماذا كان لديك؟ ابحث فقط عن البدائل، وقد تجد مهنة جديدة لك تنجح فيها أكثر من السابق".
"المشاهد"