​خاطِر الحرب

> إن الحروب لا تبدأ مع دوي المدافع أو طلقات الرصاص، فحين يحدث ذلك يكون الوقت قد تأخر بالفعل، تبدأ الحروب أولا في العقول والنفوس ثم مع الوقت وتوفر الظروف المناسبة تتجسد على أرض الواقع على شكل نزاع وقتال.
إن الحيلولة دون نشوب الحرب ينبغي أن تبدأ بإزالة بذرة العنف والدمار من العقول والنفوس ونزع خاطر الخصومة والشحناء من الأفكار، بدلاً من اللجوء إلى الوساطات بعد انتشارها.

الشجرة حين تزرع بذرتها في الأرض وتترك فإنها تنمو وتكبر، وتصبح إزالتها كل يوم أصعب مما قبله، وعلى إثرها يتحول الوطن من ملاذ آمن إلى وكر أو ثكنة عسكرية عفنة، تنتصر فيها نشوة الموت على فرحة الحياة.
إن الحرب فكرة يجب نزعها من العقول فوراً كي لا تنمو وتتجذر في القلوب، فكل أم لم تربَّ ابنها على قبول زميله المختلف عنه في الدين والفكر والعرق والرأي، وكل أب نبس بكلمة تحقير بحق الأقليات المسالمة وأبناء الديانات الأخرى، وكل مدرس علم تلاميذه التزمت والتطرف، وكل تربوي وضع مناهج تعليمية إقصائية تنبذ الآخر، وكل مسؤول قبل وسكت عن التعصب الديني، وكل رجل دين دعا بالموت لأهل الأديان، وكل إعلامي حرض على التفرقة عبر منبره الإعلامي، إنما هو زارع نواة الحرب في خاطر الناس، وباذر بذرة الشر في العقول والأفكار.

الحرب الصامتة تبدأ فيما يخطر بالقلب ويتحرك فيه من رأي أو نحوه، أما صوت الرصاص فهو تعبير عنيف عن مراحل متقدمة من هذا الضعف الإنساني في مقاومة وساوس الشيطان، كما أن دوي القذائف يعني تكميم صوت العقل والحوار، وصولاً للواقع المأساوي لهذه الحروب التي لا تقتل البشر بقدر ما تميت فيهم كل المشاعر الإنسانية وروح الانتماء للآخر وتدفن فيهم الرغبة في السلام، وأنها تجرد البشر من أخلاقهم وتنسيهم أنهم أرواح وقادة من شأنها الحب والإخاء والرحمة والوفاء، ومن المعلوم أن الحروب دائماً ما تحرق الأخضر واليابس.

فمن أجل إحلال السلام علينا ممارسة قانون الاستبدال الذي يعتبر الطريقة المثلى لتحرير النفس من الانفعالات غير المرغوبة من خلال الاستعاضة عن الأفكار السلبية بأخرى إيجابية، استبدال خاطر الحرب بخاطر السلام، تغيير فكرة الحقد والكراهية بفكرة التعايش والتسامح، خاصة لأطفالنا الأعزاء لأن ذكاءهم الفطري يتم تدميره بسبب الإرهاب العقلي في البيوت والمدارس والمجتمع، فيجب تعليمهم على احترام الجميع وقبول مبدأ (وحدة الجنس البشري)، وأن الله لا يحرق الناس بل إنه الرحمن الرحيم، الباذل العادل، الرؤوف الودود، هكذا ستتحول طاقة الغضب والكراهية إلى طاقة محبة وسلام.

سأختم مقالي مع هذه النصيحة القيمة من حضرة عباس أفندي حيث تفضل قائلاً:

"لهذا أرى لزاماً أن يوجّه كل واحدٍ منكم أفكاره ومشاعره نحو المحبة والاتحاد، وكلما خطر بقلبه خاطر من الحرب قاومه بخاطر أكبر من الصلح والوئام، ويجب محو فكرة العداوة بفكرة أكثر مهابة وجلالاً منها ألا وهي فكرة المحبة.
ولا تظنوا أن الصلح العالمي أمر مستحيل، إذ لا مستحيل على الألطاف الإلهية، ولو انبعثت من أعماق قلوبكم أمنية محبة كل جنس من الأجناس البشرية، لسرت أفكاركم وانتشرت مادياً وروحانياً فخلقت نفس الأماني في الآخرين، وازدادت قوتها حتى أصبحت فكرة عامة شاملة للعالمين".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى