​فارق تحويل العملة يجبر معلمين على ترك مدارسهم

> معاذ العبيدي

> تراجعت مؤشرات التعليم في اليمن خلال الأعوام الأخيرة، عقب اندلاع الصراع المسلح بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية، مطلع العام 2015، خاصة مع انقطاع رواتب المعلمين في المناطق التابعة للحوثيين وغلاء المعيشة.
وتوقفت رواتب نحو ثلثي العاملين في التعليم في اليمن عقب نقل الحكومة إدارة البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن، في سبتمبر 2016، بعد منع الحوثيين حيازة وتداول أوراق نقدية جديدة طبعتها الحكومة في عدن.

ويختلف التعليم في اليمن باختلاف المديريات والمحافظات، وبحسب الإمكانيات المتاحة والمتوفرة للمعلمين من قبل الأطراف المسيطرة، فالتعليم في مناطق جماعة الحوثي يختلف كثيرًا عن المناطق التابعة للحكومة الشرعية، فمديريات محافظة تعز التي تخضع لسيطرة الجماعة تحظى باستمرار دفع رواتب المعلمين من قبل الحكومة.

وتستمر الحكومة بدفع رواتب المعلمين في مديريات مدينة تعز بشكل عام، حتى التابعة للحوثيين، تكريمًا "لصمود المدينة والتضحيات التي قدمتها"، حسب قرار من رئيس الجمهورية السابق عبد ربه منصور هادي، عام 2017، باعتماد رواتب المحافظة بكل مديرياتها أسوة ببقية المحافظات المحررة.
مديرية شرعب السلام، شمال محافظة تعز، إحدى المديريات التي تمكن الحوثيون من السيطرة عليها مبكرًا، ومع ذلك يتلقى معلموها رواتبهم من الحكومة الشرعية، كان يتوقع أن يثمر هذا في صمود التعليم، لكن ما يجري خالف هذا تمامًا.

مدارس بلا معلمين

مدارس المديرية بلا استثناء إلا القليل منها، أصبحت لا تعرف معنى الحصة السادسة، بل لا تعرف الرابعة أغلبها، بسبب اكتفاء المعلمين المتوفرين بثلاث حصص فقط، بالإضافة إلى حرمان الطلاب مواد بأكملها من التعليم، ولو حصة في الأسبوع، بسبب غياب المعلمين، إما لعمل أو للتعليم في مدرسة أخرى يتقاضى منها أجرًا كبيرًا.

معد التقرير زار عدة مدارس حكومية في المديرية، ووجد أن أكثر المدارس لا تعرف الطابور المدرسي، إلا ما ندر، ولاحظ غيابًا كبيرًا للمعلمين، فأغلب المدرسين تركوا المدارس بحثًا عن فرص عمل.
فمدرسة الجيل للأولاد، كما تقول إدارة المدرسة "رحل منها ما يقارب 11 معلمًا، أغلبهم للعمل في مدارس خاصة في قرى المديرية نفسها، أو إلى مدينة تعز.

ولجأت إدارات المدارس لاستقطاب المتطوعين من خريجي الثانوية والجامعات، وفرض مبالغ مالية على الطلاب في بعض المدارس تصل إلى 1000 ريال يمني من العملة القديمة، على كل طالب شهريًا، كبدل معيشة للمتطوعين، حيث يقوم المتطوعون بتعليم المواد العلمية واللغة الإنجليزية والرياضيات التي يصعب تعلمها ذاتيًا، بينما في غياب معلمي بعض المواد السهلة كالعربي والإسلامية أو انقطاعهم، يكتفي الطلاب بالتعلم الذاتي.

حمير البحيري، مدير مكتب التربية في شرعب، والمعين من قبل الحوثيين، في حديث "قال إن المعلمين المتغيبين يذهبون لتغطية نفقات أسرهم، والعمل في أماكن مختلفة، مضيفًا: "يذهب البعض بعد الاتفاق على مبالغ مع المدير، وتتم التغطية عليه".

تداعيات منع حيازة العملة الجديدة

كثير من المتطوعين والبدلاء للمعلمين في المدارس الحكومية، إما أنهم من أقارب وأصدقاء المعلمين الذين تركوا عملهم، ومكلفون منهم لسد الثغرة، أو من المحبين للتطوع، والذين عادة هم من خريجي الثانوية أو تخصصات مختلفة عن التي يقومون بتعليمها للطلاب.
عاصم، طالب في إحدى الجامعات الخاصة بمدينة تعز، يعمل في فترة إجازته كمعلم رياضيات بديل لوالده في القرية، يحكي سبب رحيل والده بمبرر أن الراتب لا يكفيه مطلقًا، خصوصًا أن راتبه يصل من الحكومة في عدن 100 ألف من الطبعة الجديدة التي تمنع جماعة الحوثي حيازتها وتداولها، وعند استلامها يتم تحويلها للطبعة القديمة من العملة اليمنية بما يعادل 40 ألفًا، أي أن 60 % من مبلغ الحوالة يذهب فارق صرف بين فئات العملة ذاتها.

يقول عاصم: "هذا لا يكفي العائلة في البلاد، ولا تكاليف تعليمه في الكلية، الأمر الذي اضطره للذهاب والعمل في إحدى المحافظات، مضيفًا: "أتناوب وقت فراغي أنا وعمي على الطلاب، وندرسهم قدر الفهم".
مدرسة بني بحير الأساسية والثانوية، والتي تعتبر مجمعًا كبيرًا لعدة قرى وكثافة كبيرة، خصوصًا أنها للبنات والبنين يحكمها نفس المصير، فحسب الإدارة ترك 10 معلمين المدرسة مؤخرًا.

ظاهرة ترك المعلمين لعملهم في المدارس الحكومية بسبب فارق صرف العملة المحلية، لا تقتصر على مديرية شرعب السلام فقط، فالظاهرة منتشرة في جميع مديريات تعز، حتى داخل المدينة.
يبلغ عدد المعلمين والعاملين التربويين المسجلين في مكتب التربية بمديرية شرعب السلام، حوالي 2985، حسب مكتب التربية بالمديرية.

وتختلف قيمة رواتب المعلمين حسب الأقدمية في المدارس، فأعلى نسبة راتب لا تزيد عن 110 آلاف ريال من الطبعة الجديدة، أي ما يقارب 100 دولار، بينما تتحول في العملة القديمة لأقل من النصف، في ظل غلاء معيشي خيالي، بينما تبلغ رواتب المعلمين الجدد 40 ألف ريال جديد، والتي تتحول أمام القديم لمبلغ لا يذكر.
يقول صادق علي، وهو معلم في المديرية، إن الراتب في ظل الأزمة لم يعد كذلك، فالـ100 ألف التي كان يستلمها وتكفي معيشته، كانت تساوي تقريبًا 300 دولار، أما الآن فأصبحت تساوي أقل من 100 دولار، وهذا يعني أن الموظف أصبح يستلم ثلث راتبه الذي لم يكن يكتفي به أساسًا.

مخاطر المعلم "البديل"

عميد كلية التربية الأسبق في جامعة ذمار، الدكتور محمود مغلس، يتحدث عن سلبيات بديل المعلم، يقول "إن البدائل ينقصهم الكفاءة والخبرة المهنية، خصوصًا أن معضهم حديثو التخرج أو حاصلون على شهائد ثانوية فقط".
ويضيف مغلس: "عادة ما يتم اختياره وفقًا لمزاج وأهواء مدير المدرسة بدون إشراف وزارة التربية"، معتبرًا مناصفة الراتب بين المدرس المنقطع والبديل مخالفة للقانون، باعتبار أن الجانب المادي له دور كبير في رفد التعليم، فتدني مستوى الراتب يخلق حالة من اللامبالاة وعدم الاهتمام بالعمليتين التربوية والتعليمية، بينما لا يقوم البديل ببعض المهام الإدارية والتربوية، وأحيانًا لا يقوم بتسليم الدرجات كونه لا يتعرض للعقاب، وليس موظفًا رسميًا.

"المشاهد نت"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى