محطة الخسارة

> جميعنا لا نحب الخسارة والإخفاق، ولكنها مَعلم مهم من معالم الحياة ومحطة لابد المرور بها للوصول إلى الوجهة الأصلية، وجزء مهم وأصيل تُشعرنا لذة طعم النجاح وتدربنا على بذل مجهود أكبر مع تغيير وجهات نظرنا وسلوكياتنا أكثر مما نفعله عند تعظيم المكاسب.

لنتخيل لوحة المفاتيح في آلة البيانو.

والتي تتكون من اللونين الأبيض والأسود، حيث إنّ المفاتيح البيضاء تُصدر نوتات خفيفة، أما المفاتيح السوداء تُصدر نوتات حادة، وباندماجهما معاً نستشعر جمال المعزوفة وتمتلئ قلوبنا بالإثارة والشغف.

لكن هذه الخسارة وقعها صعب، وتقبلها أصعب والأمر يتعلق هنا بكيفية التعامل معها، فأصحاب عقلية الثبات، يشعرون بالإحباط ويتراجعون عن استكمال مسيرتهم، بينما أصحاب عقلية النماء يتقبلونها كدرس مهم لابد التعلم منه واكتساب التجربة وإدراك مغزاها لتفاديها في المرات القادمة.

نعم الخسارة ليست تهديدًا لنتجنبه، وليست قضية حياة أو موت بل هي فرصة يجب اغتنامها لتحقيق النجاح، فقط.

علينا تعلم "فن تقبل الخسارة" و"تبني طريقة التفكير الصحيحة" و"استبدال عقلية الثبات بعقلية النماء".

لهذا السبب، أحببت إتقان هذا الفن وممارسته مع أطفالي الصغار، وبما أن فترة اللعب هي أفضل فترة يمكن استغلالها للتعلم و التدريب ، لذا لعبنا معاً هذه اللعبة لكسب المرونة في تقبّل الخسارة بدون غضب كما نحن نتقبل الربح بارتياح تام.

وهي لعبة رمي النردين وجمع الأرقام التي حصلنا عليها ثم القفز في مربعات متتابعة على الأرض وتوخي الحذر من دخول المربعات الملونة، إذ أن دخولها تعني الخسارة والرجوع مرة أخرى للمربع الأول والبدء من جديد.

صغيرتي "ندى" وقفت ٣ مرات في المربع الملون ، وفي كل مرة كانت تبتسم في وجهي وتسأل: آنسة أنا خسرت؟

كنت أهنئها وأمدحها لأنها لعبت بطريقة جميلة وممتعة وأشكرها على شجاعتها وروحها الرياضية واستخدم جملاً مثل: "أعجبتني طريقة عدك للأرقام ولعبك وتقيدك للقوانين" أو "لديك أداء مميز" أو ” أشكرك على تقبلك النتيجة بالرضا"، ولكن المربع الملون يجعلك ترجعين وتحاولي مرة ثانية..

كانت تبتسم وترد: "إذاً سأرجع وأبدأ من جديد.. صح آنسة؟"

كما أن والدها العزيز كان حاضراً في صالة اللعب وشاركها بهجة البدء من جديد بشغف وسعادة.

هكذا تعلمنا أن الخطأ أو الخسارة هو بداية تعلّم ونجاح جديد إن استطعنا التعامل معه.

مع أننا لا ننكر وجود رغبة داخلية لدينا كأهل بأن يكونوا أطفالنا من الرابحين دومًا، لكن أكبر خطأ نرتكبه هو التركيز على تربية الطفل البطل والأول في كل شيء، لأن هذه الطريقة ستسبب له ولنا آثارًا نفسية سلبية في حال خسارته أو فشله في أمر ما، ولن يعلّمه كيف يصنع مستقبله وكيف يتعامل مع الخسارة، وسيجعله شخصاً غيوراً من نجاح الآخرين.

لذا علينا تدريب أطفالنا كيفية تحويل تلك المواقف التي تكون في بدايتها فاشلة إلى محطة النجاح والانطلاق نحو مستقبل مزدهر مليء بالإنجازات والشعور بالبهجة لنجاحنا ونجاح الآخرين ولا نخشى البدء من أول وجديد كما كانت كتكوتتي "ندى" تكررها بكل مرونة وهي تركض نحو المربع الأول: "خلاص، راح أعيدها من أول وجديد" .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى