هل تستجيب الدول العربية وتسقط ديون الصومال تقديرا لظروفه؟

> صفاء عزب

> يعيش الصوماليون ما يشبه حالة الحرب بل أصعب من الحرب لأنهم منهكون من الجفاف وتوابعه وفي نفس الوقت مهمومون بمحاربة عدو خفي لا يعرفون من أين تأتي ضرباته الموجعة، ويسقط العديد من الأبرياء الضحايا يوميا جراء هذه الضربات الإرهابية. وفي الوقت ذاته يعاني الاقتصاد الصومالي من مشاكل كبيرة مزمنة نتيجة مخاطر الجفاف والتي عمق من تأثيرها ما أحدثته جائحة كورونا من كوارث اقتصادية مدمرة. ولا شك أنه في ظل هذه الظروف الراهنة الصعبة تزداد الحاجة إلى مزيد من الموارد المالية ليتسع حجم ميزانية الدولة بما يمكنها من مجابهة هذه المخاطر التي تحدق بها من كل جانب، والتعاطي مع هذا الواقع الصعب والتمكن من تحقيق نتائج إيجابية ملموسة على أرض الواقع.

بطبيعة الحال تعتبر الديون من أهم الأعباء التي تثقل كاهل الدول وتنعكس سلبا على اقتصادياتها ومن ثم على أوضاع الشعوب، كما تتسبب في إضعاف قدرة الدولة على مواجهة ظروفها الراهنة وأوضاعها الصعبة، كما تمنع الديون من الحصول على مزيد من المساعدات الداعمة للاقتصاد. وتأتي دولة الصومال على رأس الدول المثقلة بالديون وأعبائها التي بلغت 5.2 مليار دولار على مدار سنوات طويلة، بسبب ما شهدته من صراعات وانقسامات وحروب أهلية استنزفت مقدراتها ومواردها. وقد تراكمت هذه الديون منذ عقود طويلة تصل لنصف قرن حيث تعود بدايتها إلى فترات الصراع في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وما ارتبط بها من عمليات حشد لموارد الدولة من أجل الصراعات والحروب مما أضعف الاقتصاد واضطرت البلاد للاستدانة والاقتراض بدون عقلانية مما أثقل كاهلها، وألقى بأعباء ثقيلة على شعبها الفقير. ولا شك أن هذه الديون تسبب مزيدا من الضغوط على الصومال وشعبه وتعرقل أي تطور يسعى إليه حكامه. ومن أجل ذلك تبدو الحاجة الملحة لتخليص الصوماليين من أغلال الديون التي كبلتهم وأعجزتهم عن التحرك نحو التقدم، وهو الأمر الذي دفع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لتوجيه نداءات عاجلة للعالم في عدة مناسبات كان آخرها القمة العربية الحادية والثلاثين التي عقدت بالجزائر حيث وجه فيها كلمة للعالم العربي بل والعالم أجمع أكد فيها على أهمية الدعم العربي والإعفاء من الديون حتى يمكن لبلاده التصدي للإرهاب الذي يعرقل التنمية والتمكن من إيجاد حلول لأزمات الصومال الراهنة والطاحنة وتحقيق تطور إيجابي في الأوضاع المعيشية للشعب الصومالي المطحون يسهم في استباب الأمن وتحقيق الاستقرار. وهو نفس ما طالب به وزير المالية الصومالي، علمي محمود نور، على هامش اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي انعقد في الجزائر أثناء التحضير للقمة العربية القادمة، طالب الدول العربية بإعفاء الصومال من الديون المتراكمة عليه في ظل ما تعانيه بلاده من وضع كارثي بسبب الجفاف ونقص الغذاء وتكاليف الحرب الباهظة التي تخوضها الدولة لمحاربة قوى الإرهاب والتي تستنزف البلاد بما يفوق قدراتها ومواردها الحالية.

هذا وكان نادي باريس للدول الغنية الدائنة قد وافق في فترة سابقة على إعادة هيكلة دين الصومال، وهو ما يشمل إلغاء 1.4 مليار دولار بشكل فوري، بما استهدف  مساعدة الصومال على خفض دينه الخارجي إلى 557 مليون دولار من حيث صافي القيمة من 5.2 مليار دولار. كما قال صندوق النقد والبنك الدوليان إن الصومال أخذ الخطوات الضرورية للبدء فى تلقى إعفاء من الدين، فى قرار سيسمح له بخفض ديونه الخارجية إلى حوالى 557 مليون دولار.

جدير بالذكر أن الدول الغنية الدائنة للصومال في نادي باريس تتضمن الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وفرنسا وروسيا، وقد تضخم حجم الدين الصومالي لهم بعد أن فرضوا معدلات فائدة كعقاب على عدم الدفع لأكثر من 30 عاما، يضاف إلى ذلك دائنون آخرون على رأسهم: صندوق النقد العربي، والمملكة العربية السعودية، ودولة الكويت.

على مدار سنوات استمرت المفاوضات بين الصومال والمؤسسات المالية الدولية وغيرها من الدول المانحة من أجل التوصل لنتيجة نهائية مفادها تقليص الديون الصومالية والحصول على منح وقروض ومساعدات مالية جديدة لتمكين الحكومة الصومالية من تسيير الأمور في البلاد بشكل جيد. وكانت الظروف السياسية حائلا دون تحقيق تطورات إيجابية حقيقية على أرض الواقع في هذا الصدد. وقد أكد صندوق النقد الدولي أن الصومال لا يزال بحاجة إلى دعم مستمر وفوري من الشركاء الدوليين نظرا لأزمة الغذاء الحادة الحالية، ومساعدته على تحمل الصدمات المناخية ومواجهتها.

تزداد صعوبة الموقف الصومالي مع استمرار التوقعات السلبية من قبل المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وذلك في ظل وجود مؤشرات واقعية منها معدلات التضخم التي سجلت ارتفاعا كبيرا هذا العام وصولا إلى 9% بعد أن كان 4.6% عام 2021. وفي المقابل انخفضت معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي من 2.9% عام 2021 إلى 1.9 % هذا العام، وبطبيعة الحال فإن الأمور ازدادت سوءا بسبب ما يمر به الصومال من أزمات تعصف بشعبه من نقص في الغذاء وجفاف شديد لنقص الأمطار إلى جانب تأثر عجلة الإنتاج بالأحداث السياسية وعدم الاستقرار الأمني الذي تسببه العمليات الإرهابية المتكررة.

ومع ذلك بدت تلوح في الأفق ملامح الانفراجة القريبة في أزمة الديون بعد ما أعلنت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي بالصومال إن الصندوق توصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مقديشو من شأنه أن يسمح بالإفراج عن نحو 10ملايين دولار للدولة بمجرد موافقة مجلس الصندوق، وهو الأمر الذي جاء بعد مراجعة للتسهيل الائتماني الممدد للصومال في نيروبي، والإشادة بتمسك السلطات الصومالية بالإصلاحات الاقتصادية على الرغم من ظروف الجفاف وتأثير الحرب الروسية في أوكرانيا والمخاوف الأمنية المستمرة.

ومن الممكن أن يستفيد الصومال من المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون بحلول أواخر عام 2023 وذلك في حالة الوصول إلى ما يعرف بنقطة الإنجاز في عملية تخفيف أعباء الديون العالمية، وتنفيذ الشروط المتعلقة ببرنامج صندوق النقد الدولي.

وفي هذا الإطار دعا علمي نور وزير المالية بالحكومة الصومالية، الدول العربية، إلى «إسقاط الديون المتراكمة المستحقة على بلاده»، أسوة بثلاث منظمات دولية اقتصادية للمساهمة في عملية التنمية ومواجهة مشاكل البلاد. وكشف عن قيام كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الأفريقي للتنمية بإلغاء ما يقرب من805 مليون دولار من أصل 979 مليون دولار. كما أعلن الوزير الصومالي أن اجتماعات نادي باريس أثمرت بعد جهود مضنية عن اتفاق بشطب نسبة كبيرة من متأخرات ديونها على الصومال التي تبلغ 1.4 مليار دولار من أصل 3.07 مليار دولار، وجدولة ما تبقى من الديون وتأجيل مستحقات الفوائد من مطلع نوفمبر 2019 حتى نهاية 31 مارس 2024.

سيكون الصوماليون على موعد مهم في شهر ديسمبر المقبل حيث من المقرر أن يراجع خلاله صندوق النقد الدولي الاتفاق الذي تم التوصل إليه على مستوى الخبراء، وتقييم وضع الصومال ومدى إحرازه للتقدم المطلوب في الإصلاحات الإقتصادية، والوصول لنقطة الإنجاز المنشودة، الأمر الذي يترتب عليه تخفيض الديون وتخليصه من 95% منها. وقد أكدت لورا غاراميو رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي بالصومال، أن تحقيق هذا الأمر سيكون بمثابة إنجاز كبير حيث سيتقلص حجم الدين ليشكل 7% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، بدلا مما هو عليه الآن وما يشكله من نسبة 90% في الوقت الراهن.

إن الصومال بلد غني بالثروات والموارد النفيسة المدفونة في أرضه، وليس مستحيلا أن يحقق أهدافه الاقتصادية التنموية بما يؤهله للتخلص من كافة ديونه، بل ويمكنه ليكون بلدا غنيا، ولكن الأمر يتطلب توفير البيئة المناسبة من استقرار سياسي واستباب للأمن حتى يمكن للأجهزة المعنية والقوى الاقتصادية المختلفة ان تتفرغ لعملية الإنتاج دون أية مخاوف أو هواجس تتعلق بسلامة الأرواح وصيانة الأموال. ولا يمكن للصومال أن يستطيع تحقيق ذلك دون دعم دولي وإقليمي وعربي سواء بالخبرات الأمنية والتدريبات الخاصة بكيفية مواجهة الإرهاب إلى جانب توفر الأجهزة الدقيقة والخبرات الماهرة المعنية باكتشاف الجرائم قبل وقوعها، وهو أمر يستلزم وجود موارد وإمكانيات مادية كبيرة يعجز الصومال عن تدبيرها في ظل تكبيله بالديون. ولذلك لابد أن تسعى الدول العربية لمد يد العون بإعادة النظر في الديون الصومالية وجدولتها أو إسقاطها مقابل اتفاق اقتصادي معين على المدى المتوسط والبعيد، أسوة بالمنظمات والجهات التي سبقت إلى ذلك.

لاشك إن هذه الخطوة العربية لو تمت فسوف تسهم بشكل كبير في دعم الإقتصاد الصومالي وتحفيزه على التطور والمضي قدما نحو جذب مزيد من الاستثمارات التي تنعكس إيجابا على الأوضاع المعيشية للشعب الصومالي المكافح.

«الصومال الجديد»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى