عقود من الحزن والألم

> مضت عقود من أعمارنا وحياة الأجيال كانت قاسية وبالغة الألم على نفوسنا، ولا يمكنك اقتناص بارقة أمل أو فرحة في طي تلك الأيام الخالية التي عشنا فيها لحظات توديع الأعزاء ممن قضوا جراء الحروب وآخرين فضلوا لأنفسهم البحث عن أوطان بديلة تستوعب آمالهم وتنوعت دروب سبلهم إلى ذلك عبر منافذ كثيرة وأسلاك شائكة، وقطعوا المسافات بحثا عن سبل حياة تليق بآدميتهم.

تشتت شملنا عقب العام 1994 حين تبخرت الأحلام بإمكانية الحياة الكريمة تحت سماء الوطن، ومنذ ذلك التاريخ تنوعت صيحاتنا وحالة رفضنا القاطعة للبقاء تحت واقع حياة انتزعت منها كل معاني العدل والمساواة.

تأبى النفوس الخضوع مهما كلفتنا حالة الرفض من أثمان ومهما سُفكت دماؤنا وامتلأت السجون بخيرة الرجال ممن حملوا على عاتقهم مسيرة شعبنا في الخلاص من ربقة ظلم عير مسبوقة، ومع ذلك ظلت أشكال القمع هي اللغة الوحيدة في التعاطي مع إرادتنا الرافضة لكل أنواع الإذلال في شوارعنا وكل أزقة مدننا حكايات مروية عن حالات إزهاق الأرواح التي مورست بحقنا.

ماضٍ لا يمكنك أن تقرأ من صفحته إلا تلك الندوب السوداء المستقرة في ذاكرة الأجيال التي ولدت في قلب العاصفة والعدمية وحالة انسداد أفق مستقبل أجيال لم ترَ إلا وجه المأساة المتكشف جراء النهب والاختلالات المؤسفة التي بدت كما لو أنها قدرية لا فكاك منها، وحين ننظر إلى تلك الأيام تأتينا تبعيات الحاضر الذي مازال يحاصرنا عند تلك المساحات التي لم يكتب لنا مغادرتها بعد عقود مازالت في أفقها مليونيات الرفض القطعي للتدجين متصلة بحاضر ساحات لم نغادرها بعد. كل ذلك لا يبدو كافيا وفق معادلة الوضع الراهن الذي يعاني هو الآخر من غياب العدالة والإنصاف، ما جعل مأساتنا تبدو معقدة، ووسط كل هذا الخلط في المعايير ربما يتأهب البعض لفكرة تجاوز إرادتنا من منظور عدم الحق والعدل وهي معادلات أظهرت بطلانها وفشلها وفق معطيات كثيرة، ما يعني أن حق الشعوب أمر لا يمكن تجاوزه.

نتساءل عن الحتمية التي تفرض علينا أن نقبل تكرار المأساة تحت أي مسمى كان، ما الذي يدعونا للتعامل بحسن الظن إذا كنا في الأصل ضحية ذلك وفق معطيات واتفاقيات وتعهدات تم نكثها قبل أن يجف حبرها؟

كيف نبني من جسور العدمية المطلقة في سلوكيات الآخر جسرا صوب المستقبل؟ إنها الاستحالة بعينها وقديما قالوا إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع، فكيف ندعو الضحية أن تكون ضحية للمرة الألف؟

أسالة كثيرة ننسج خيوطها من ملامح حاضر يشي بالرمادية في ساحتنا الجنوبية ودروب الجوع والألم والأفق الذي لا يوحي بالتعافي من ركام ماضي ولا يمكن لأي شعب تحمل سنواته العجاف بكل ما تركت فينا من أسى وما خلقت بداخلنا من رفض لا يمكننا معه تجرع مرارة الكأس مرة ثانية.

هل يطول أمد الحاضر الذي يحتم علينا البقاء في ردهة الماضي بصورته المكررة على نحو مأساوي؟ وهل نحن محقون في تطلعاتنا؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى