توصيف أزمة الاقتصاد في اليمن

> يمر الاقتصاد في البلاد بأسوأ مرحلة في تاريخه، وهنا سنحاول توصيف طبيعة الأزمة الاقتصادية، وذلك اعتماد على التوصيفات المعتمدة عالميا.
هناك جدل صامت يدور حول الأزمة الاقتصادية وطبيعة المرحلة التي تمر بها، هل الاقتصاد يعاني من ركود أو كساد أو انهيار؟ وسنحاول عرضا مبسطا وسريعا للأزمات الاقتصادية الدورية التي يمر بها اقتصاد الدول، ومن ثم توصيف حالة اقتصاد اليمن اليوم.

أولا: الركود الاقتصادي

إن الركود الاقتصادي هو الفترة التي يتقلص فيها الإنتاج الاقتصادي لرُبعين متتاليين من عام معين لاقتصاد ما، ويعتمد صندوق النقد الدولي في تحديد حالات الركود الاقتصادي على نطاق عالمي على عدة مؤشرات بما في ذلك انخفاض متوسّط نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الذي يراعي معدلات  التضخم الذي يدعمه ضعف الإنتاج الصناعي والتجارة وتدفقات رأس المال، واستهلاك النفط والبطالة، وبالتالي فإن أهم مؤشرات الركود:

- انخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلكين.
- ضعف القدرة الشرائية لدى الحكومات.
- ضعف الانتاج العام لدى الدول.
- رفع معدلات الفائدة في البنوك المركزية للدول.
وبالتالي فإن العالم قد يشهد ركودا في العام القادم، حيث إن دول العالم تستعد لذلك من خلال عدد من الإجراءات التي تنفذها حاليا حيث يمكن أن يضرب الركود كثيرا من دول العالم المتقدمة والنامية والأقل نموا على حد سواء، والجدير قوله هنا أن العالم قد شهد فترة ركود بسبب انتشار فيروس كورونا.
هذا، وتستمر فترة الركود لعدة أشهر ومن ثم يعود الاقتصاد إلى وضعة الطبيعي قبل الركود.

ثانيا: الكساد الاقتصادي

الكساد الاقتصادي هو تراجع حاد في النشاط الاقتصادي يستمر لعدة سنوات، ويختلف خبراء الاقتصاد في تحديد الفترة الزمنية التي يستغرقها الكساد الاقتصادي فبعضهم يعتقد أن الكساد لا يمتد إلا خلال الفترة التي يتراجع فيها النشاط الاقتصادي، بينما يرى معظم الخبراء أن الكساد يمتد حتى الفترة التي يعود فيها النشاط الاقتصادي إلى مستويات قريبة من المستويات الطبيعية.

أسباب الكساد العظيم

انهيار سوق الأسهم الذي أدى إلى الذعر وبيع الأصول.
انكماش أسعار الأصول والسلع.
انخفاض حاد في الطلب والائتمان.
تعطل التجارة والدفع الدوليين.
انتشار البطالة على نطاق واسع في مختلف البلدان المتقدمة.
انتشار  الفقر على أوسع نطاق وفي أغلب البلدان الصناعية.
شهد العالم الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي واستمر من عام 1929م حتى 1939م، حيث بدأ في أمريكا كركود قبل أن يزداد ويتوسع ويصبح كساداً في جميع أنحاء العالم وبشكل خاص في أوروبا.

الفرق بين الركود والكساد

كل من فترات الركود والكساد لها مؤشرات وأسباب متشابهة، لكن الفرق بينهما يكمن في الشدة، والمدة، والتأثير الكلي على الاقتصاد.
يمتد الكساد لعدة سنوات وليس أشهرا كما هو في حالة الركود.
يشهد الكساد عادة ارتفاعاً في معدلات البطالة، وانخفاضا كبيرا في الناتج المحلي الإجمالي ويكون له تأثير كبير على الاقتصاد العالمي.
الركود يكون تأثيره مقتصراً على دولة واحدة في أحيان كثيرة.
ويبقى السؤال الذي يطرحه كثيرون حول ما إذا كان العالم مقبلاً على مرحلة كساد أخرى، كما حصل في القرن الماضي خاصة بعد جائحة كورونا، والغزو الروسي لأوكرانيا، وما نتج عنه من زيادة كبيرة في الأسعار، وتعطيل سلاسل الإمداد في العالم كله، ونعتقد أن ذلك الأمر يعتمد على استمرار الحرب في أوكرانيا وتوتر علاقات الغرب مع روسيا ولا أتوقع حدوث كساد كما حصل في ثلاثينيات القرن الماضي.

ثالثا: حالة الاقتصاد في اليمن أزمة أم فشل؟

من الصعب إعطاء توصيف دقيق لطبيعة الأزمة التي يمر بها اقتصاد اليمن الآن، وذلك بسبب ريعية الاقتصاد وضعف هيكلة الإنتاجي وهشاشة مؤسساته المالية والمصرفية وغياب المعلومات الموحدة والموثوقة والموثقة، ونعتقد أن الاقتصاد في اليمن بالوقت الحاضر قد تجاوز مراحل الدورات الاقتصادية المعروفة مثل الانتعاش والركود والكساد، وذلك بعد حوالي ثمان سنوات من الحرب والدمار والتدمير الاقتصادي.
أعتقد شخصيا أن اقتصاد البلاد قد دخل عتبة مرحلة الفشل الاقتصادي وسوف نستند إلى عدد من ملامح الفشل الاقتصادي التي يمكن من خلالها إدراك حالة الاقتصاد اليوم وأهم ملامح الدول الفاشلة اقتصاديا ومنها اليمن، يمكن عرضها هنا.

معايير الدولة الفاشلة اقتصاديا

المعايير التي تصنف الدول على أساسها أنها فاشلة اقتصاديا هي:

- التدهور الاقتصادي الكبير في عناصر الاقتصاد الداخلي للدولة وتشمل المنتوج الوطني الإجمالي، وسعر الصرف، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، وتقييم العملة الوطنية، ومعدل النمو، والتوزيع، والشفافية والفساد، والتزامات الدولة المالية داخليا وخارجيا.
- عدم القدرة على تقديم قدر معقول من الخدمات العامة للمواطنين موازاة مع تدهور الخدمات المتوفرة وعدم القدرة على التجديد في تقديم الخدمات.
- غياب الرقابة والمحاسبة الحقيقية التي تقوم على مبدأ الجميع تحت القانون.
- غياب التنمية الاقتصادية العادلة في التعليم والوظائف والدخل ومستويات الفقر العالية وتزايد النزاعات والصراعات والحروب كما هو جار في اليمن.
- تهميش فئة الشاب التي تعتبر جوهر العملية الاقتصادية بإمكانياتها وقدراتها التي لا تنضب من خلال تخلف التعليم وانتشار الأمية وانتشار البطالة بين الشباب من كلا الجنسين.
- تفاوت كبير بين الفئات الاجتماعية لتنحصر في طبقتين إحداها غنية وأخرى فقيرة، بالإضافة إلى غياب الطبقة الوسطى التي تعتبر علامة التوزيع الجيد للثروة.
- غياب الفرص الاقتصادية، لتحتكرها أقلية مع احتكار الوظائف والمناصب وفرص التعليم لفئات نافذة محدودة.
- ارتفاع أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر كنسبة إلى عدد السكان مع انعدام حاد للأمن الغذائي وسوء التغذية بين الفئات الضعيفة في البلاد.
- تصبح الدولة فاشلة عندما يدب الضعف والتصدع والانقسام في مؤسساتها الاقتصادية والسياسية وضعف قدرتها الإنتاجية.
- غياب القدرة على استغلال الموارد الاقتصادية لصالح البلد بشكل فعال من أجل تخفيف معاناة الناس.
- الريعية ومحدودية الموارد الاقتصادية والاعتماد في دخل الدولة على مورد النفط فقط.
- ازدهار الفساد على نطاق علني وواسع، كذلك الاستثمار في مشروعات دون جدوى اقتصادية أو اجتماعية وغياب العدالة في توزيع الثروة والخدمات في إطار البلد.
- عدم القدرة على التحكم في الموارد المالية بالدولة وتوريدها إلى البنك المركزي وانتشار ظاهرة نهب الموارد المالية السيادية.
- تصبح الدولة عامل طرد للمشاريع التنموية للقطاع الخاص القادرة على تحريك عجلة النمو الاقتصادي واستبدالها بمشاريع وهمية لينتفع بها قلة من النافذين.
- الثراء على حساب الدولة حيث تفشل عندما تفقد وظيفتها الأساسية وتتقلص شرعيتها وقد تنتقل من الفشل إلى الانهيار في أي وقت.
- اللجوء إلى المساعدات الخارجية والقروض دون أن يكون هناك أي تطوير حقيقي ملموس في النشاط الاقتصادي للدولة، وهو الأمر الذي تترتب عليه مديونية متصاعدة ترهق كاهل الموازنة العامة للدولة.
- عندما يصبح الاقتصاد عامل ضغط على الدولة ولي ذراعها من الدول الأخرى من أجل الحصول على المنح والمساعدات والودائع المالية المؤقتة.
هذه العلامات كما أتصور موجودة في اقتصاد البلاد بدرجات ملموسة تؤكد إلى حد مقبول أن اقتصاد البلاد قد تجاوز مراحل الأزمات الاقتصادية الدورية مثل الركود والكساد ليدخل في مرحلة أشد تعقيدا وهي مرحلة الفشل الاقتصادي.
إن المرحلة التي تلي مرحلة الفشل الاقتصادي هي مرحلة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الحاد.
لأول مرة يمر بلد بمرحلة اقتصادية خطيرة ومعقدة كما يمر بها اقتصاد اليمن، حيث توقفت كل صادرات اليمن، وبالتالي ستتوقف كل موارده المالية وقد يتوقف الاستيراد ويزداد الفقر والمجاعة، وعسى ألا تصل البلاد إلى هاوية الانهيار الشامل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى