​مبادرات وقمم.. القوى الكبرى تخطب ود القارة السمراء

> واشنطن«الأيام»فرانس برس:

> باتت القارة الإفريقية محل تنافس بين الكبار الذين يخطبون ودَّها، في تنافس أميركي صيني روسي لاستمالة القارة السمراء، لتعزيز مكاسب هذه الدول السياسية والاقتصادية.

وأصبحت إفريقيا التي تأتي عادة في أدنى مؤشرات التنمية، ويتم التعامل معها باعتبارها مجرد مصدر للمواد الخام، عنصراً أساسياً في سعي القوى الكبرى إلى بناء تحالفاتها الاستراتيجية.

وتأتي أهمية القارة ليس فقط من ناحية الصراعات السياسية التي غالباً ما يستعان فيها بالثقل التصويتي للقارة في الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، وإنما أيضاً بالنظر إلى التحولات الاقتصادية التي تمر بها إفريقيا.

ووفقاً لـ"وزارة الخارجية الأميركية"، ستزداد أهمية أفريقيا في التجارة والاستثمار العالميين بشكل كبير، إذ من المتوقع أن يتضاعف عدد سكانها الشباب بحلول عام 2050 إلى 2.5 مليار شخص، يمثلون أكثر من ربع سكان العالم، مع سوق عمل واستهلاك بنحو 16 تريليون دولار.

وأشارت الوزارة إلى أنَّ إفريقيا في طريقها لأن تصبح أكبر سوق منفردة في العالم، من خلال تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وإجراء عدد من بلدانها إصلاحات لتحسين بيئات الأعمال وجذب الاستثمار الخاص.

وفي إطار هذا التحول، أصبح الحديث عن القارة يدور بمصطلحات جديدة غير مألوفة من قبل، وذلك من قبيل "الشراكة" و"التعاون".

واشنطن وتنشيط العلاقات

مع انطلاق القمة الأميركية الإفريقية الثلاثاء في واشنطن، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنَّ الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه القارة تتلخَّص في كلمة واحدة هي "شراكة"، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة "فرانس برس".

وأضاف بلينكن خلال منتدى نُظّم على هامش القمة، للجالية الإفريقية في الولايات المتحدة إنَّ "كل هذا، "إدراك منا أننا لا نستطيع حلّ أولوياتنا المشتركة بمفردنا".

وتأتي القمة في إطار مساعي واشنطن لتنشيط علاقاتها بالقارة، ضمن الاستراتيجية الأميركية الجديدة لإفريقيا التي تم الكشف عنها الصيف الماضي، مع الإعلان عن إصلاح شامل للسياسة الأميركية في دول إفريقيا جنوب الصحراء.

وتسعى واشنطن من خلال هذه القمة إلى إنهاء حالة التجاهل التي سادت علاقاتها بالقارة خلال العقدين الأخيرين.

الباحث في "جامعة ويسترن أنتاريو"، توماس كواسي تيكو، قال إنه في ظل "غياب أهداف سياسية واضحة، تأرجحت العلاقات الأميركية الإفريقية بين الإهمال التام، والجهود الفاترة لتعزيز الديمقراطية والإصلاحات الاقتصادية عبر "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى".

تصحيح المسار

وتصحيحاً للمسار، تسعى واشنطن من خلال القمة إلى استمالة دول القارة من خلال عدد من المبادرات الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك تقديم 55 مليار دولار لإفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ودعم مساعي الاتحاد الإفريقي ليصبح عضواً دائماً في مجموعة العشرين، إضافة إلى تلميحات عن دعم مقعد للقارة في مجلس الأمن الدولي.

وتشمل هذه المبادرات أيضاً استثماراتٍ وبرامج أميركية لدعم القارة في مجالات الصحة والأمن الغذائي، إضافة إلى مناقشاتٍ حول تنفيذ قانون النمو والفرص في إفريقيا "أجوا" الأميركي الذي يعود لسنة 2000، ويربط إزالة الرسوم الجمركية بالتقدم الديمقراطي.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنَّ القمة ستظهر "التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه إفريقيا، وستؤكد أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا وزيادة التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة"، معتبرة أنَّ "إفريقيا ستحدث الفارق في معالجة التحديات الأكثر إلحاحاً، واغتنام الفرص".

الهاجس الصيني الروسي

وتأمل واشنطن من هذه المبادرات مزاحمة وجود كلّ من روسيا والصين في القارة، حيث تربط الكثير من دولها علاقاتٍ وثيقة ببكين وموسكو.

وفي هذا الصدد، حذَّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن القادة الأفارقة خلال قمة الثلاثاء، من أنَّ الصين وروسيا تلعبان دوراً "مزعزعاً للاستقرار" في القارة مع تنامي نفوذهما، وذلك بحسب ما نقلته وكالة "فرانس برس".

وقال أوستن: "أعتقد أنَّ الجمع بين هذه الأنشطة من جانب هذين البلدين، يستحق المراقبة. وبالتأكيد، أعتقد أن تأثيرهما يمكن أن يكون مزعزعاً للاستقرار"، معتبراً أنَّ الصين تعزز تواجدها في إفريقيا "بشكل يومي" من خلال تنامي نفوذها الاقتصادي.

وأضاف أنَّ "ما يثير القلق هو عدم تصرفهم دائماً بشفافية في ما يتعلق بما يقومون به، وهذا يخلق مشاكل ستؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة الاستقرار إن لم يكونوا قد قاموا بذلك بالفعل"، على حد تعبيره، لافتاً أيضاً إلى أنَّ روسيا "تواصل بيع أسلحة رخيصة" ونشر "مرتزقة في أنحاء القارة" معتبراً أنَّ "ذلك مزعزع للاستقرار أيضاً".

الصين وبناء نظام بديل

وإذا كانت الولايات المتحدة متأخرة في التوجه نحو القارة، فإنَّ الصين كانت سبَّاقة في منح علاقاتها بالقارة بعداً استراتيجياً.

ومنذ الأزمة المالية في عام 2008، وبداية صعود الصين كثاني اقتصاد عالمي، بدأ القادة الصينيون في التركيز على إفريقيا بوصفها "عنصراً لا غنى عنه، في ما توقعوا أنه سيكون صراعاً على الهيمنة الاقتصادية بين الصين من جانب، والولايات المتحدة والغرب من جانب آخر"، وذلك بحسب ما ذكره "المركز الوطني للأبحاث الآسيوية".

ووفقاً لـ"المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية"، اعتمدت الصين أيضاً على القارة في توفير الدعم الدولي لآلياتها الموازية مثل "بنك آسيا لتطوير البنية التحتية" و"مبادرة الحزام والطريق"، والتي تمَّ إنشائها ضمن مساعي بكين لبناء مؤسسات دولية بديلة، مع العمل في الوقت نفسه على إعادة تشكيل المؤسسات القائمة.

وإلى جانب الاقتصاد، مثَّلت الهواجس السياسية دافعاً آخر في التوجه الاستراتيجي للصين نحو القارة، إذ تضطلع الدول الإفريقية بدور رئيس في جهود بكين الدبلوماسية لتقييد الفضاء الدولي لتايوان، والاستفادة من الأصوات في الأمم المتحدة لتجنب أي إدانة لانتهاكات صينية مزعومة لحقوق الإنسان، على حد تعبير المركز التابع لوزارة الدفاع الأميركية.

ولضمان ثبات هذه العلاقات الاستراتيجية ونموها، نفَّذت الصين عدداً كبيراً من مشاريع البنية التحتية في القارة خلال العقد الماضي، وذلك من خلال تقديم القروض والاستثمارات الهائلة، وتعد حالياً الدائن الأول للدول الفقيرة والنامية.

وفي عام 2020 كانت الشركات الصينية مسؤولة عن 31% من جميع مشاريع البنية التحتية في إفريقيا التي يتم تنفيذها بقيمة 50 مليون دولار أو أكثر، فيما بلغت حصَّة الشركات الغربية 12% فقط، وذلك بحسب ما ذكرته مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية.

وتعد الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا، إذ بلغت قيمة تلك الشراكة العام الماضي 254 مليار دولار، متجاوزة بذلك أربعة أضعاف التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا.

وخلافاً للولايات المتحدة، تتميز علاقات الصين مع القارة بالإطار المؤسسي، في ظل وجود 36 وكالة تنفيذية تابعة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، ويتم إدارتها بواسطة أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني.

كما تتميز أيضاً بمسار مستقبلي واضح في ظل "رؤية عام 2035 للتعاون الصيني الإفريقي" التي تعد أول خطة تعاون متوسطة إلى طويلة الأجل يتم تطويرها بشكل مشترك بين الصين وإفريقيا لتحديد الإطار العام للتعاون بين الجانبين خلال العقد المقبل.

روسيا والتعاون الأمني

وإلى جانب الصين، تبرز أيضاً روسيا في علاقاتها مع القارة، حيث حرصت موسكو على بناء علاقات متينة مع إفريقيا.

وزادت موسكو من وتيرة علاقاتها مع القارة في أعقاب العقوبات الغربية الكبيرة التي استهدفتها، إثر ضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

وعلى الرغم من أنَّ روسيا لا تستثمر بشكل كبير في القارة، إلا أنها تمكنت من تعزيز علاقاتها مع عدد كبير من الدول الإفريقية، وذلك من خلال التعاون الأمني، ومبيعات الأسلحة، إضافة إلى تأمين غطاء سياسي عبر مقعدها الدائم في مجلس الأمن، وفقاً لما ذكره معهد "بروكينجز" الأميركي.

ومع غزوها لأوكرانيا، استفادت روسيا من هذه العلاقات، بحسب ما تقول شبكة "دويتشه فيله" الألمانية،  إذ تحفظت كثير من الدول الإفريقية على إدانة روسيا، كما رفضت معظمها الانحياز إلى جانب الغرب في عقوباته ضد موسكو، وعارضت بأغلبية كبيرة محاولات تعليق عضوية روسيا في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

وتعد القارة أيضاً محورية في إطار مساعي موسكو لمواجهة العقوبات والمحاولات الغربية لعزلها اقتصادياً.

وفي هذا الصدد، اتهمت تقارير غربية روسيا أيضاً باستغلال نفوذها في القارة السمراء لتفادي العقوبات الغربية، مستفيدة مما وصفته بـ"صفقات مشبوهة" تتيح لها الوصول للموارد الثرية لعدد من دول القارة، كالذهب والألماس، والتحكم فيها.

وتعمل في إفريقيا شركات روسية عدة، من بينها شركة "ألروسا" التي تعتبر الأولى عالمياً من حيث احتياطيات الماس وحجم إنتاجه.

كما أبدى زعماء من القارة تحفظهم على العقوبات الغربية غير المسبوقة ضد روسيا عقب غزوها لأوكرانيا.

وكمثال على ما سبق، اعتبر الرئيس السنغالي ماكي سال خلال اجتماع مع قادة الاتحاد الأوروبي في مايو الماضي، أنَّ العقوبات الغربية على البنوك الروسية جعلت من الصعب أو من المستحيل على الدول الإفريقية شراء الحبوب من روسيا، للمساعدة في حل أزمة الغذاء العالمية الناجمة عن غزو أوكرانيا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى