أزمة اليمن في مزاد السياسة الدولية والإقليمية

> قاسم عبدالرب العفيف

> توحدت دولتان ذات سيادة في اليمن وكما هو متعارف عليه عضوتان في الأمم المتحدة وفي كل المنظمات الدولية والإقليمية ذلك الاتحاد لا يعني إلغاء وإذابة أي منهما، لكن بحكم وجود مركز الدولة في صنعاء العاصمة ومع تسلمهم الرئاسة ومع النية المبيتة للاستحواذ على السلطة ومحو كل ما يتعلق بدولة الجنوب حتى تم ذلك بالقوة المسلحة في حرب مفتوحة كانت نتائجها هدم بنية مؤسسات الدولة الجنوبية.

وتسريح موظفيها المدنيين والعسكريين وتدمير قاعدة الاقتصاد الصناعي والزراعي والسمكي في الجنوب، أدى كل ذلك إلى تعميم نظام وهياكل دولة الشمال وتثبيت نموذجها الذي وصل بعدها إلى طريق مسدود لا يستطيع ذلك النموذج تجاوزه فانهارت الدولة الرخوة التي يديرها الفساد والقبلية والطائفية انتهى بها المطاف إلى تسليمها إلى وكلاء إيران الذي جهزوا بتحالفهما مع عفاش الجيوش اليمنية لغزو الجنوب والسيطرة عليه، ولم يكن أمام الجنوب إلا النهوض لاستعادة دولته عبر مقاومة غزو دولة صنعاء الهجينة توِّج بالنصر الجنوبي الحاسم.

لا اعتقد بأن هناك غموض للأزمة في اليمن لدى الدول والاتحادات والمنظمات الدولية وقد كانوا مشاركين فيها منذ بدايتها ومع كل منهم ممثل ومع ذلك نراهم يصدرون تصريحات وبيانات تتناقض مع الواقع ومسبباته إما أنهم غير مستوعبين للأزمة بالمرة - وهذا غير معقول ومقبول- أو أنهم يريدوا مزيد من إشعال النيران لأنهم بذلك يساندون فريقا ضد فريق آخر، وفي كلا الحالتين فأنهم يضيفون إلى مشاكلنا مشاكل جديدة، واثبتوا بأنهم غير جادين بل غير مؤهلين لتقديم المشورة أو التوسط فقد شهدنا خلال السنوات الثمان الماضية تناقض مواقف هذه الدول في تطبيق قراراتها التي تصدرها بنفسها!، ونجدها تغير موقفها إلى النقيض فهي ضد الانقلابيين ومع الشرعية بينما هي ضد هزيمة الانقلابين وضد انتصار الشرعية وبهذه المواقف أطالت أمد الحرب على حساب معاناة الشعب وعلى حساب سيادته وأمنه واستقراره وفي نفس الوقت نراها تصدر بيانات متناقضة فيما يخص التوليفة القيادية لمجلس الرئاسة إرضاء لفريق ضد فريق آخر بدل مساعدتهم على الحفاظ على التوافق الهش الذي يجمعهم.

أزمتنا في اليمن ليست استثناء وسبقتها أزمات كثيره في العالم أكثر تعقيدا، وأصعب منها ولكنها حُلت بطرق مختلفة وانتهت، فأزمتنا إن وجدت الحرص على أمن واستقرار المنطقة، سيكون الحل في متناول الجميع، أما القفز على المعضلات الكبيرة وربط حلها بأجندات إقليمية ودولية ويعتقدون أنه الوقت المناسب لتحقيقها على حساب شعب الجنوب فهذا لن يحصل وإن حصل فستبقى الحلول وقتية ستنتهي بفشل ذريع.

من عجائب القرن الحادي والعشرين أن النفس الاستعماري لدى الدول التي لها ماضٍ استعماري مازال حيا، ويتحكم بمصائر الشعوب المغلوبة على أمرها، فهم مازالوا يحددون ما يحب عمله وكأننا قُصَّر لا نستطيع أن نحدد ما نريد ولا نستطيع أن نحكم أنفسنا بأنفسنا وعلى هذا المنوال يعتقدون أنهم مازالوا أوصياء علينا.

والآن سنة تجر سنة والحرب تستمر دون أي أفق، ولكن مصالح هذه الدول تسير دون أي عوائق وكأن الحرب في كوكب آخر ولا يهمهم تعطل مصالح الشعب وتزداد خدماتهم تدهورا ومجتمعاتهم تتفسخ بسبب تعمد افقار الشعب.

من يستطيع محو التاريخ وشطب الجغرافيا بمجرد تصريح من هنا أو هناك وأثبتت التجربة أن من يخالف قوانين الحياة لا يجد أمامه إلا طريق الحروب والفتن والصراعات وقد سار على هذا النهج حكام صنعاء الذي غدروا بالوحدة السلمية بين دولتي الجنوب والشمال، وبالتحايل اعتقدوا أنهم يستطيعوا أن يلتهموا الجنوب ويدفنوا تاريخه ويذوبوا جغرافية ويمحو ثقافته لمجرد أنهم وصلوا إلى مبتغاهم في تذويب الشخصية الدولية لدولة الجنوب وأصبح قادتها ومرجعياتها مجرد مواطنين بعدها يتم تصفيتهم حسب تصريحاتهم.

من المستحيل بناء الأمم بالغدر والتحايل أو بشراء ذمم دول أو شركات عالمية توزع ثروات البلاد كهبات لهذا وذاك ليضمنوا دعم تلك الدول لاستمرار حكمهم على رقاب شعب الجنوب واليوم باسم الحفاظ على الوحدة يريدون استخدامها ورقة لإعادة صياغة نظام عفاش البائد باسم الشرعية التي لا تملك أرض تحط عليها رحالها ووجودها في الجنوب هو وجود مؤقت بموافقة ممثل شعب الجنوب إلى أن يستعيدوا عاصمة دولتهم في صنعاء.

الدول القريبة والبعيدة والاتحادات والمنظمات الدولية الأخرى يعرفون جذر الازمة في اليمن وأسباب الحروب والصراعات ولكنهم يتجاهلون الحل العادل من خلال تصريحاتهم وبياناتهم المستفزة للجنوب ودعم وتقوية الدولة العميقة للسيطرة على الجنوب باسم الوحدة ودعم انقلابي صنعاء تحت وهم الهدنة والتسوية السياسية التي لا توجد لها أي اساس أو مضمون سياسي غير أن الشرعية لا تستند على أرض، و الانقلابيين بصنعاء لا شرعية لهم، ويبقى الجنوب كشعب وأرض ميدان الصراعات والحروب.

وما يلفت الانتباه أن منظمات دولية تعمل بكل طاقتها لتوطين النازحين في الجنوب في أرض غير أرضهم وتثبيتهم بمختلف الحِيَل بما في ذلك إرغام السلطات المحلية صرف وثائق رسمية لهم، وبمثل هذه الأعمال تخالف القوانين الدولية وتصب الزيت في النار المشتعلة وتصعب الحلول العادلة في المستقبل.

نصيحة لمن يفهم النصيحة بان تغيير الجغرافيا وتزوير التاريخ مستغلاً الازمة الحالية سيرتد على الجميع وسيكون نتائجه كارثية تشعل الحرائق في كل مكان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى