​مصالح شركات السلاح تقود السياسة الأمريكية في أوكرانيا

> إبراهيم نوار:

>
​أصبحت حرب أوكرانيا فرصة ذهبية لشركات صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة لتحقيق أرباح استثنائية، وزيادة مبيعاتها من الأسلحة الجديدة والتقليدية. كما تتطلع هذه الشركات إلى تحقيق أرباح غير مسبوقة في العام المقبل، بعد أن اتفقت قيادات الكونجرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على ميزانية عسكرية قياسية تصل إلى 858 مليار دولار للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، بزيادة 115.5 مليار دولار عن ميزانية الدفاع الأصلية لعام 2022 بنسبة زيادة تبلغ 15.6 في المئة تقريبا. وفي هذا السياق قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن في 21 من الشهر الحالي تزويد أوكرانيا بأسلحة من مخزون وزارة الدفاع الأمريكية للمرة الثامنة والعشرين منذ أغسطس من العام الماضي، بقيمة مليار دولار. وتتضمن الأسلحة والمعدات للمرة الأولى بطاريات صواريخ باتريوت المتطورة للدفاع الجوي، وهي منظومة قادرة على إسقاط صواريخ كروز والصواريخ الباليستية قصيرة المدى والطائرات بنسبة أعلى بكثير من أنظمة الدفاع الجوي المقدمة سابقا، إضافة إلى ذخائر ومعدات عسكرية لتعزيز قدرة أوكرانيا على مواصلة الحرب. كما أعلنت وزارة الدفاع في اليوم نفسه تقديم مساعدات أمنية إضافية بقيمة 850 مليون دولار. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أن إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية إلى أوكرانيا قد وصلت الآن إلى 21.9 مليار دولار منذ بدء ولاية الإدارة الأمريكية الحالية. تسليم بطاريات باتريوت لأوكرانيا يمثل تغييرا لقواعد اللعبة العسكرية، ويفتح الباب لمزيد من التصعيد العسكري في عام 2023. هذه المرة من المرجح أن يحدث الرد من جانب روسيا في استخدام الصواريخ الفرط صوتية، التي تتجاوز سرعتها قدرة نظام باتريوت على الرصد أو الردع.

وبالنسبة لتقدير قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، فإن معهد «كيل» الألماني للدراسات الاقتصادية يقدر أن الولايات المتحدة قدمت التزامات بمساعدات عسكرية لأوكرانيا خلال الفترة من 24 يناير إلى 20 نوفمبر 2022 بقيمة بلغت 22.9 مليار يورو، منها أسلحة بقيمة 18.5 مليار يورو، إضافة إلى 4.4 مليار يورو كمساعدات مالية لأغراض عسكرية. وقد أنشأ المعهد مركزا بحثيا يتتبع كل تطورات المساعدات المقدمة إلى أوكرانيا من كل الأطراف بما فيها الولايات المتحدة، وفي كل المجالات بما فيها الأسلحة والذخائر والأموال والمساعدات الإنسانية. هذه الأرقام تتجاوز بكثير ما تعلنه الولايات المتحدة.
  • تحويل التوتر إلى حرب
وكان التوتر بين أوكرانيا وروسيا قد نشأ منذ عدة سنوات، مع البدء في إنشاء خط أنابيب نوردستريم -2 لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر بحر البلطيق، وإنهاء استخدام خط أوكرانيا بسبب انتهاء عمره الافتراضي. هذا التحول كان يعني أن أوكرانيا معرضة لخسارة تتراوح بين مليار إلى ملياري دولار أمريكي سنويا، كانت تحصل عليها كرسوم مقابل عبور الغاز من خلال أراضيها. وقد وجد التحالف الصناعي - العسكري في الولايات المتحدة فرصة عظيمة في توسيع مصالحه في أوروبا بسبب ذلك التوتر، وعملت شركات السلاح من خلال ممثليها في الكونجرس على تغذيته، حتى استطاعت تحويله إلى حرب تحت غطاء أيديولوجي.

ومن المعروف أن شركات السلاح في أي مكان في العالم ترتبط بعلاقات قوية مع الدولة، سواء كانت مملوكة لها أو للقطاع الخاص، فهذه الشركات تنتج آلة الحرب ومعدات الدفاع والهجوم العسكري، وتكون أسلحة الدفاع في النظم السياسية الديمقراطية متاحة حصريا للدولة فقط وليس لغيرها. وبسبب هذه العلاقة العضوية القوية، فإن العلاقات بين تلك الشركات والحكومات تنظمها قواعد مكتوبة وغير مكتوبة، وجماعات ضغط رسمية وعلاقات وارتباطات غير رسمية، تكتسب أهمية بالغة للطرفين، فالشركات بالنسبة للحكومة تمثل القناة الرئيسية للحصول على معدات الدفاع والذخائر اللازمة للدفاع وتحقيق النفوذ وتوسيع المصالح الخارجية. كما أن الحكومة بالنسبة للشركات هي قناة الحياة والاستمرار في الإنتاج وتعظيم الأرباح، ومن ثم فإن الترابط العضوي بين مصالح الحكومات وشركات السلاح يمثل من الناحية العملية أحد أهم محددات عملية صنع القرار في الدول الديمقراطية.
  • خطورة التحالف الصناعي - العسكري
وبسبب هذا الترابط العضوي في المصالح وخطورته فقد حذر جون كينيث جالبريث أحد أهم المفكرين الاقتصاديين في الولايات المتحدة (1908- 2006) من سيطرة التحالف الصناعي- العسكري على السياسة الأمريكية خلال فترة ما بين الحربين والحرب الباردة. وتركت كتاباته الفلسفية والاقتصادية والسياسية أثرا كبيرا على وعي المواطن الأمريكي خلال فترة حرب فيتنام، وكذلك على السياسيين الأمريكيين، كذلك فإن الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، وهو جنرال سابق في الجيش، تولى قيادة قوات الحلفاء في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، كان قد حذر أيضا من سيطرة التجمع الصناعي-العسكري على السياسة، وذلك في خطاب الوداع الذي ألقاه عام 1961 بعد أن أمضى فترتين في الرئاسة. وكانت واقعة اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، الذي خلف أيزنهاور، وما أحاط بعملية الاغتيال من غموض حتى الآن، دليلا على تشعب وتعقيد علاقات شركات السلاح الأمريكية بالسياسة، وقدرتها على التغلغل في كل مراكز صنع القرار، خصوصا وأن كينيدي كان يسعى إلى إنهاء الحرب الباردة بطرق سلمية.
  • التربح من الحرب
تتربع شركات السلاح الأمريكية على قمة الشركات المصدرة للسلاح في العالم، وتحتل خمس شركات أمريكية المراكز الأولى بين أكبر عشر شركات لصناعة الأسلحة في العالم، وهي شركات لوكهيد مارتن، ورايثيون للتكنولوجيا، وبوينج، ونورثورب جرومان، وجنرال دايناميكس. وتسيطر هذه الشركات فيما بينها على النسبة الأعظم من إمدادات السلاح إلى القوات الأمريكية، وكذلك على النسبة الأكبر من الصادرات العسكرية الأمريكية للعالم. ويقدر بيت الاستشارات المالية «بي أيه آي إن – Bain&Co» أن الحرب الأوكرانية أدت إلى تعزيز ميزانيات التسلح في دول الناتو، خصوصا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وذلك بزيادتها بما يقرب من 75 مليار دولار، خلال عام 2022. كما أن استمرار الحرب أسفر فعليا عن زيارة قيمة ميزانيات التسلح المقدرة للعام المقبل إلى مستويات غير مسبوقة، خصوصا في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا واليابان. وقد انعكست الزيادة في ميزانيات الدفاع إيجابيا على ربحية شركات إنتاج الأسلحة. خصوصا الشركات الأمريكية الخمس التي تتربع على عرش صناعة السلاح في العالم.

وقد أبدت جهات بحثية وأكاديمية في الولايات المتحدة قلقها من الدور الذي تقوم به جماعات الضغط والشخصيات التي تمولها شركات السلاح. وأبدت دراسة أصدرها «معهد كوينسي» دهشتها من سرعة تمرير قرارات المساعدات العسكرية لأوكرانيا، التي تصب مباشرة في مصلحة شركات السلاح، وقالت إن السرعة التي يتم بها اتخاذ هذه القرارات لا سابق لها منذ ذروة حرب فيتنام. كما أظهرت دراسة أجرتها «جامعة براون» في الولايات المتحدة عن جماعات الضغط التي تمولها شركات السلاح، أن هذه الشركات تنفق مبالغ سخية على ما يقرب من 700 من شخصيات وجماعات الضغط السياسي، منهم أعضاء في الكونجرس، من أجل ترويج مصالحها. وتم تقدير نفقات هذه الشركات لهذا الغرض بحوالي 2.5 مليار دولار خلال العقدين الأخيرين.

ويشير تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية أن عدد الموردين الرئيسيين يتقلص عاما بعد آخر منذ تسعينات القرن الماضي، وهي الفترة التي توسع فيها النشاط العسكري خارج حدود الولايات المتحدة، وخارج حدود حلف الناتو. وتهيمن شركات الصناعات العسكرية الخمس الكبرى التي تعمل في مجالات صناعات الطيران والفضاء والسفن والمعدات الدفاعية على المشتريات العسكرية للبنتاجون. على سبيل المثال فإن شركة «بوينج» تستحوذ وحدها على أكثر من 20 في المئة من مخصصات المشتريات العسكرية لوزارة الدفاع. وقد سجلت أسهم هذه الشركات قفزات كبيرة بعد نشوب حرب أوكرانيا تراوحت بين 8 إلى أكثر من 22 في المئة في الوقت الذي كان فيه مؤشر ستاندرد آند بورز قد هبط بنسبة 4 في المئة بعد نشوب حرب أوكرانيا.

وقد ارتفعت المبيعات العسكرية لشركة رايثيون بنسبة 9 في المئة في العام الماضي، لتصل إلى 42 مليار دولار، وبذلك جاءت في المرتبة الثانية بعد لوكهيد مارتن التي بلغت مبيعاتها في العام نفسه 60 مليار دولار، حسب تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لدراسات السلام «سيبري» بلغت قيمة المبيعات العسكرية للشركات المئة الرئيسية في سوق السلاح العالمي في العام الماضي 592 مليار دولار وذلك على الرغم من التحديات التي تواجهها شبكات الإمدادات العالمية.

ومع زيادة ميزانيات التسلح فإن وزارة الدفاع الأمريكية تتوسع في طلبات تطوير أسلحة جديدة، وزيادة الطلب على معدات خطوط الإنتاج التي تعمل بالفعل. وللمرة الأولى منذ نحو 30 عاما، كشفت الولايات المتحدة عن خطة لإنتاج قاذفة استراتيجية جديدة قادرة على حمل قنابل وصواريخ مزودة برؤوس نووية، هي الطائرة القاذفة بي- 21 المتوقع أن تدخل إلى الخدمة الميدانية في عام 2027. وتتكلف الواحدة من هذه الطائرات حوالي 700 مليون دولار حسب تقدير شركة «نورثروب جرومان» التي ستقوم بتصنيع الطائرة. وتعتبر الإدارة الأمريكية أن بي-21 هي الرد الأمريكي على التقدم الصيني في الميدان العسكري.
  • صادرات الأسلحة الأمريكية
وتشير البيانات التفصيلية عن أداء شركات السلاح المئة الأكبر في العالم إلى أن الولايات المتحدة تهيمن على تلك القائمة تقريبا، فمن بين هذه الشركات توجد 40 شركة أمريكية، أي بنسبة 40 في المئة، بلغت قيمة مبيعاتها في العام الماضي 299 مليار دولار، أي بنسبة 50.5 في المئة من إجمالي المبيعات العسكرية للشركات الـ100 الأكبر في العالم. وقد حققت هذه الشركات ربحية عالية على مؤشر داو جونز للصناعات الجوية والدفاعية خلال السنوات العشر الأخيرة بلغت 13.5 في المئة. وتسعى هذه الشركات حاليا إلى زيادة قدراتها التكنولوجية، من أجل اللحاق بالتطورات السريعة التي تشهدها الصناعات العسكرية على مستوى العالم. وتسجل تقارير معهد «سيبري» أن 80 في المئة من صادرات السلاح في العالم تستحوذ عليها الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن إضافة ألمانيا. وفي ظل التوجهات الحالية لإطالة أمد الحرب في أوكرانيا وزيادة الإنفاق العسكري في ألمانيا واليابان وتايوان، فمن المتوقع أن يشهد العام المقبل انتعاشا كبيرا في المبيعات العسكرية.
"القدس العربي".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى