​تسونامي إنفاق أميركي في الحرب التكنولوجية الباردة مع الصين

> واشنطن«الأيام» نيويورك تايمز:

> تضخ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مليارات الدولارات لتطوير صناعة الرقائق، لكن "تسونامي الإنفاق" الذي حفز الشركات على التعهد باستثمار عشرات المليارات "ليس حلاً سحرياً" لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الولايات المتحدة، وسط "حرب تكنولوجية باردة" مع الصين.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن هذه التعهدات تُشكل جزءاً من تكثيف هائل في خطط صناعة الرقائق الأميركية على مدار الـ 18 شهراً الماضية، على نطاق يشبه استثمارات حقبة الحرب الباردة في سباق الفضاء.

وأوضحت أن هذه الطفرة سيكون لها تداعيات على الريادة التكنولوجية العالمية، والجغرافيا السياسية، إذ تهدف الولايات المتحدة إلى منع الصين من أن تصبح قوة متقدمة في قطاع الرقائق، وهي شرائح سيليكون ساهمت في تطوير أجهزة حوسبة مبتكرة مثل الهواتف الذكية، وكافة معدات التكنولوجيا.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في سبتمبر الماضي، جمعت شركة "إنتل" الأميركية العملاقة للرقائق مسؤولين في قطعة أرض بالقرب من كولومبوس بولاية أوهايو، حيث تعهدت باستثمار ما لا يقل عن 20 مليار دولار في مصنعين جديدين لصنع أشباه الموصلات.

وبعد شهر، احتفلت شركة "ميكرون تكنولوجي" بإنشاء موقع تصنيع جديد بالقرب من مدينة سيراكيوز بولاية نيويورك، حيث توقعت شركة الرقائق أن تنفق 20 مليار دولار بحلول نهاية العقد، وربما 5 أضعاف ذلك المبلغ في نهاية المطاف.

وفي ديسمبر الماضي، استضافت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC) حفلاً للإعلان عن مصنعها الجديد في مدينة فينيكس بولاية أريزونا، حيث تُخطط لزيادة استثماراتها 3 أضعاف إلى 40 مليار دولار، وبناء مصنع جديد ثانٍ لإنتاج رقائق متقدمة.

وتعد الرقائق جزءاً أساسياً من مقومات الحياة العصرية، وتتجاوز ابتكارات صناعة التكنولوجيا، إلى صناعة المعدات العسكرية، والسيارات، وأدوات المطبخ والألعاب.

تسونامي إنفاق

وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة، تعهدت أكثر من 35 شركة باستثمار ما يقرب من 200 مليار دولار في مشاريع التصنيع المتعلقة بالرقائق منذ ربيع عام 2020، وفقاً لجمعية صناعة أشباه الموصلات.

ومن المقرر إنفاق الأموال في 16 ولاية، تشمل تكساس وأريزونا ونيويورك على 23 مصنعاً جديداً للرقائق، وتوسيع 9 مصانع، واستثمارات من الشركات التي تزود الصناعة بالمعدات والمواد.

وهذا الضغط يمثل أحد جوانب مبادرة السياسة الصناعية التي أطلقتها إدارة بايدن، وخصصت ما لا يقل عن 76 مليار دولار في شكل منح، وائتمانات ضريبية، وإعانات أخرى لتشجيع الإنتاج المحلي للرقائق.

وإلى جانب تنفيذ خطة تمويل شاملة للبنية التحتية والطاقة النظيفة، تشكل الجهود أكبر استثمار أميركي في التصنيع ربما منذ الحرب العالمية الثانية، عندما أطلقت الحكومة الفيدرالية العنان للإنفاق على السفن الجديدة وخطوط الأنابيب والمصانع لتصنيع الألومنيوم والمطاط، بحسب الصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن دانييل أرمبروست، الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة "سيماتك" (Sematech)، وهو اتحاد للرقائق منحل حالياً تأسس عام 1987 بالتعاون مع وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، وتمويل شركات أعضاء: "لم أشهد تسونامي (الإنفاق) مثل هذا مطلقاً".

ووفقاً الصحيفة، راهن الرئيس بايدن بجزء كبير من أجندته الاقتصادية على تحفيز إنتاج الرقائق في الولايات المتحدة، لكن أسبابه تتجاوز مجرد الفوائد الاقتصادية.

ويجري تصنيع معظم رقائق العالم المتطورة في تايوان، الجزيرة التي تطالب الصين بالسيادة الإقليمية عليها، ما أثار مخاوف من احتمال تعطل سلاسل توريد أشباه الموصلات في حال نشوب صراع، وأن الولايات المتحدة ستكون في موقف غير مؤات من الناحية التكنولوجية.

وذكرت الصحيفة أن الشركات الأميركية قادت إنتاج الرقائق طيلة عقود بدءاً من أواخر الخمسينيات، لكن حصة البلاد من القدرة الإنتاجية العالمية تراجعت تدريجياً إلى نحو 12% من نحو 37% عام 1990، لأن بلدان في آسيا قدمت حوافز لنقل التصنيع إلى أراضيها.

والوقت الراهن، تستأثر تايوان بنحو 22% من إجمالي إنتاج الرقائق، وأكثر من 90% من الرقائق الأكثر تقدماً، وفقاً لمحللي الصناعة، ورابطة صناعة أشباه الموصلات.

ليس حلاً سحرياً

مع ذلك، قال مسؤولون تنفيذيون في الصناعة إن جهود الإنتاج الأميركية الجديدة، ربما تصحح بعض أوجه الاختلال في هذا التوازن، ولكن إلى حد معين فقط.

ولفتت الصحيفة إلى أن بناء مصانع الرقائق الجديدة سيستغرق سنوات، وربما لا يمكنها توفير تكنولوجيا التصنيع الأكثر تقدماً في الصناعة عند بدء عملياتها. والشركات يمكنها أيضاً تأجيل أو إلغاء المشاريع إذا لم تحصل على إعانات كافية من البيت الأبيض.

وربما يؤدي النقص الشديد في المهارات إلى إضعاف تلك الطفرة، إذ تحتاج المصانع المعقدة أعداداً كبيرة من المهندسين، تفوق أعداد الطلاب الذين يتخرّجون من الكليات والجامعات الأميركية.

في هذا السياق، قال كريس ميللر، الأستاذ المشارك للتاريخ الدولي في كلية "فليتشر للقانون والدبلوماسية" بجامعة تافتس، ومؤلف كتاب حديث عن معارك صناعة الرقائق، إن طفرة الأموال لإنتاج الرقائق في الولايات المتحدة "لن تحاول أو تنجح في تحقيق الاكتفاء الذاتي".

في المقابل، قال مسؤولو البيت الأبيض إن الاستثمارات في صناعة الرقائق ستقلل بشكل حاد نسبة الرقائق المطلوبة للشراء من الخارج، ما يحسن الأمن الاقتصادي للولايات المتحدة.

ومن المرجح أن يؤدي استثمار حكومي بقيمة 50 مليار دولار إلى تحفيز إنفاق الشركات الذي سيرفع بدوره حصة الولايات المتحدة من الإنتاج العالمي إلى ما يصل إلى 14% بحلول عام 2030، وفقاً لدراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية عام 2020، بتكليف من رابطة صناعة أشباه الموصلات.

من جهته، قال رئيس الرابطة جون نيوفر: "هذا (الإنفاق) يساعد في الواقع على إعادتنا إلى الواجهة لأول مرة منذ عقود"، مضيفاً أن التقدير ربما يكون متحفظاً لأن الكونجرس وافق على دعم بقيمة 76 مليار دولار في إطار التشريع المعروف باسم "قانون الرقائق".

مع ذلك، استبعدت الصحيفة أن يؤدي هذا التكثيف إلى إنهاء اعتماد الولايات المتحدة على تايوان للحصول على الرقائق الأكثر تقدماً، لأنها تحتوي على أكبر عدد من الترانزستورات في كل شريحة سيليكون، التي غالباً تعد مؤشراً على التقدم التكنولوجي للبلاد.

ريادة أميركية سابقة

ومنذ فترة طويلة، قادت شركة "إنتل" السباق لتقليص عدد الترانزستورات على شريحة سيليكون، وهو ما يوصف عادةً بالنانومتر، أو جزء من المليار من المتر، مع وجود أعداد أقل تشير إلى أحدث تقنيات الإنتاج، ثم تفوّقت (TSMC) خلال السنوات الأخيرة.

ووفقاً للصحيفة، في مصنعها الجديد في فينكس، ربما لا تنقل الشركة تقنيات التصنيع الأكثر تقدماً الخاصة بها، إذ أعلنت في البداية أنها ستنتج رقائق خمسة نانومتر في مصنع فينيكس، قبل أن تقول الشهر الماضي إنها ستصنع أيضاً رقائق 4 نانومتر بحلول عام 2024، وتبني مصنعاً ثانياً لإنتاج رقائق ثلاثة نانومتر، سيفتتح في عام 2026، لكنها توقفت عن مناقشة المزيد من التقدم.

في المقابل، بدأت مصانع (TSMC) في تايوان في نهاية عام 2022 في إنتاج تقنية ثلاثة نانومتر. وبحلول عام 2025، من المحتمل أن تبدأ المصانع في تايوان في إمداد شركة أبل بشرائح 2 نانومتر.

وليس من الواضح ما إذا كانت شركات الرقائق الأخرى ستجلب تقنيات أكثر تقدماً للرقائق المتطورة إلى مواقعها الجديدة. وتخطط شركة "سامسونج للإلكترونيات" لاستثمار 17 مليار دولار في مصنع جديد في تكساس، لكنها لم تكشف عن تكنولوجيا الإنتاج الخاصة بها.

وتعمل "إنتل" على تصنيع رقائق نحو 7 نانومترات، على الرغم من أنها قالت إن مصانعها في الولايات المتحدة ستنتج رقاقات 3 نانومترات بحلول عام 2024، ومنتجات أكثر تقدماً بعد ذلك بوقت قصير.

ولا يزال من المحتمل أن تكون هناك فجوات في مجموعة متنوعة من الشرائح القديمة والأبسط، التي كانت تعاني من نقص المعروض على مدار العامين الماضيين، لدرجة أن شركات صناعة السيارات الأميركية اضطرت إلى إغلاق مصانع وإنتاج سيارات منتهية جزئياً.

وتعتبر TSMC كنزاً وطنياً في تايوان، إذ تزود عمالقة التكنولوجيا بما في ذلك شركتي أبل و"كوالكوم" الأميركيتين بالرقائق، لأنها تنتج أشباه الموصلات الأكثر تقدماً في العالم، وهي مكونات حيوية لازمة لتشغيل كل شيء من الهواتف الذكية إلى الغسالات.

ويُنظر إلى الشركة على أنها ذات قيمة كبيرة للاقتصاد العالمي، وكذلك للصين، التي تعتبر تايوان إقليماً تابعاً لها، على الرغم من أنها لم تسيطر عليها مطلقاً، حتى أنه يُشار إليها أحياناً على أنها تشكل جزءاً من "درع السيليكون" ضد الغزو العسكري المحتمل من بكين، كما أن وجود TSMC يوفر حافزاً قوياً للغرب للدفاع عن الجزيرة ضد أي محاولة صينية للاستيلاء عليها بالقوة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى