بسبب الصيد الجائر.. "السلاحف البحرية" في "خور عميرة" مهددة بالانقراض

> تحقيق: بسام القاضي:

>
عضو جمعية الصيادين: تم ذبح ما يقارب ألف سلحفاة خلال أشهر فقط
> تحت جنح الظلام وبعيدًا عن أي رقابة حكومية أو مجتمعية، ينصب صيادون لصوص كمائن جائرة لاصطياد سلاحف بحرية نادرة في محمية "خور عميرة" التابعة لمحافظة لحج، جنوبي اليمن، على مقربة من ميناء المخا المطل على مضيق باب المندب.

شواهد عديدة لبقايا هذه السلاحف تدل على اصطياد بشع يكتفي منه اللصوص بأخذ بعض الأجزاء وترك معظمها حتى دون الاستفادة من لحومها، فيما توضح معلومات متداولة، رغم غرابتها، أن هؤلاء العابثون يستهدفون أعضاء بعينها قد تدخل في تركيبة منشطات جنسية.

ما يحدث في المحمية البحرية الجنوبية للبلاد هو سيناريو يكاد يتكرر يوميًا، ويعرف الأهالي هوية العاملين الخطرين في هذا الاصطياد، دون أي سبل لحماية الكائنات المهددة بالانقراض ودون أي تدخل رسمي حتى الآن.


تشير دراسات وأبحاث علمية عديدة وتقارير زيارات ميدانية للمختصين في الهيئة العامة لحماية البيئة بأن أربعة أنواع من السلاحف البحرية (Dec2020-EPA) في هذه المحمية الطبيعية الساحلية بمحافظة لحج معرضة لخطر الانقراض( Extinction) بسبب الاصطياد الجائر والمتوحش من قبل الصيادين وسكان المنطقة الساحلية الواقعة إلى الغرب بنحو 100 كيلو متر عن العاصمة المؤقتة عدن.

على مدى أشهر عديدة، وثق ونشر الناشط البيئي وعضو جمعية الصيادين "فتحي سويد" العديد من الصور والفيديوهات لعمليات الصيد الجائر المتوحش للسلاحف البحرية في محمية "خور عُميرة"، ولوحظ أن المعتدين يمارسون جرائمهم بوحشية منذ عام، إذ يقارب عدد السلاحف المذبوحة الألف سلحفاة، أكد على ضرورة التصدي لمثل هذه الجرائم من خلال تشكيل جمعية خاصة بحماية السلاحف والأحياء البحرية والتنسيق مع الجهات الأمنية لتقوم بدورها من التعديات المستمرة.

خلص مؤتمر عالمي للحياة البرية عقد بمدينة "بنما" في نوفمبر المنصرم إلى أن الصيد الجائر للسلاحف في عدد من دول العالم يهدد مئات الأنواع من هذه الحيوانات الأليفة بالانقراض، وحسب ما ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن الصيد الجائر للسلاحف لتلبية الطلب المتزايد عليها، جعل أكثر من 150 نوعًا من السلاحف مهددًا بالانقراض.

يقول المهندس فتحي الصعو - رئيس فرع الهيئة العامة لحماية البيئة بمحافظة لحج، إن عمليات صيد السلاحف قديمة، ازدادت بكثرة في الوقت الراهن مع شحة الأسماك في المنطقة وانتهاء موسم اصطيادها تزامنًا مع هجرة هذه السلاحف إلى خور عميرة مما يجعلها هدفًا سهلًا.

"اتضح أن الأفارقة احترفوا اصطياد السلاحف قبل نقلهم هذه الحرفة للأهالي، وفيما توقفوا عنها على إثر رفع مذكرة للمفوضية السامية من الهيئة العامة لحماية البيئة، أصبحت العملية مقتصرة على أهالي المنطقة؛ لقلة الوعي وغياب الرقابة الأمنية" يضيف الصعو.

يؤكد رئيس فرع الهيئة العامة لحماية البيئة بـ "لحج" رصدهم استهداف ذكور السلاحف بضراوة لانتزاع أعضائها الجنسية، والترويج لفكرة أنهم علاج للضعف الجنسي لدى الرجال رغم عدم إثبات هذا الادعاء علمياً، كاشفًا احتراف صيادي المنطقة في التفريق بين ذكور هذه الكائنات وإناثها، فيما يبيعون لحومها أحيانًا على المطاعم القريبة، وقد يأكلونها أيضًا.

بخصوص عدم وجود تفاعل حقيقي من قبل الهيئة والسلطات المحلية بمحافظة "لحج" لتغيير الوضع الحالي و إيقاف الصيد الجائر للسلاحف في "خور عميرة"، يقول الصعو: بذلت الهيئة العامة لحماية البيئة فرع لحج كل الجهود الممكنة من أجل إيقاف الاعتداءات على السلاحف البحرية وتقدمت بالكثير من الرسائل والمذكرات وأعدت التقارير إلى كافة الجهات المسؤولة والمختصة.

وقد أصدر المحافظ توجيهات بعدم الصيد أو المتاجرة بالسلاحف البحرية، و ركزت الهيئة على الحملات التوعوية حيث يقتصر عملها على كونها كجهة إشرافية و استشارية ورقابية وليست جهة أمنية تنفيذية، ولكن تظل المشكلة كما هي نظرًا لانتشار الفقر وتدني الوضع المعيشي والخدمات بالمجتمع.

وعن الحلول والمعالجات العاجلة لإيقاف الصيد الجائر للسلاحف البحرية في "خور عُميرة" وكيف يمكن حماية المنطقة كمحمية بشكل نهائي لا يعرضها للتدمير مستقبليًا، يشير "الصعو" إلى أهمية رفع الوعي لدى كافة شرائح المجتمع المحلي وإشعارهم بالمسؤولية تجاه المحمية وتطبيق القوانين ومبدأ الثواب والعقاب، توفير فرص عمل لشباب المنطقة، وإقامة مشاريع تنموية، بالإضافة إلى متابعة الجهات الأمنية والجهات الرسمية لسير تطبيق القوانين .

وتسعى الهيئة العامة لحماية البيئة إلى أن تكون محمية "خور عُميرة" مدرجة ضمن القوائم العالمية للمحميات الطبيعية، وقد أُدرجت محلياً كمحمية طبيعية ساحلية بقرار رئيس الوزراء بتاريخ 10 أكتوبر 2021م كما يفيد الصعو، لما لها من حساسية بيئية وتكوينات مورفولوجية وتطويرات جيولوجية جذبت العديد من التنوعات الحيوية ومن أهمها السلاحف البحرية.

وكان إعلان المنطقة كمحمية طبيعية خطوة هامة لتلافي الخطر المحدق بالسلاحف خاصة أن المنطقة كانت زاخرة بأنواع مختلفة من السلاحف البحرية وأصبحت الآن نادرة أو منعدمة ومن أهم هذه الأنواع هو خيار البحر (Holothuriidae) وفقاً للباحثين والمسؤولين في حماية البيئة.

تقع منطقة "خور عُميرة" على الشاطئ الشمالي الغربي لخليج عدن بين ملتقى التيارين المائيين تيار مياه لكلًا من المحيط الهندي وخليج عدن و تيار مياه الدافئ للبحر الأحمر حيث تمتزج التيارات المائية على مقربة من شواطئ المنطقة، مما ساهم في تكيف بعض الأنواع الحيوية على المنطقة، وتتبع منطقة "لحج" إدارياً لمديرية "المضاربة ورأس العارة"، وتبدأ حدودها من وادي "مزخة" شرقاً وحتى "رأس العارة" غرباً وتبلغ مساحتها الكلية 574.45كم2.

تميزت المحمية باختلافات فريدة لاحتوائها على كل أنواع الشواطئ منها الرملية و الطينية والصخرية وذلك بسبب كونها مصبات للكثير من الأودية آتية من التلال والجبال شمالًا وانفرادها بوجود لسان بحري عمل على كسر الأمواج وساتر للمنطقة من عملية التعرية والرذاذ الذي يؤدي إلى تآكل الشواطئ. تمتاز كل منطقة في المحمية بعدة عوامل وقد قُسمت المحمية إلى ثلاث مناطق بناءً على حساسيتها لتشمل على المنطقة المركزية core zone ومساحتها 72.73 كم2، المنطقة العازلة Buffer zone ومساحتها 115.95 كم2، منطقة الاستخدام العام Utility zone ومساحتها 332.77 كم2 وفق دراسات حماية البيئة.

تختلف السلاحف البحرية في المحمية "اللحجية" من حيث تغذيتها وتكوينها الجسماني فالبعض منها يتغذى على الحشائش البحرية والطحالب والبعض الآخر على المرجان وقناديل البحر والبعض الآخر على الهائمات الحيوانية Zooplankton الكبيرة مثل الروبيان وصغار الحبار ومع توفر كل هذه المغذيات اتخذتها السلاحف البحرية منطقة استقرار للتغذية والتعشيش بل وجذبت المنطقة سلاحف من نفس الأنواع تأتي من سواحل بعيدة.

ووفقاً لدراسات وأبحاث الهيئة العامة لحماية البيئة، تضم محمية "خور عُميرة" أربعة أنواع من السلاحف البحرية: السلاحف الخضراء Chelonia magdes، السلاحف صقرية المنقار Eretmochelys imbricata، السلاحف كبيرة الرأس Caretta ، والسلاحف الزيتونية Lepidochelys Olivacea.


"تعمل السلاحف جلدية الظهر على كبح جماح قناديل البحر، بينما تعمل السلاحف صقرية المنقار على كبح جماح حيوانات الإسفنج. أما السلاحف البحرية الخضراء فهي تأكل عشب البحر الذي يجب أن يبقى قصيرًا ليتيح للعديد من أنواع الأسماك التكاثر فيه، وفقاً لـ موقع (SHAREAMERICA) .

وفي وقت سابق تم إدراج السلاحف البحرية الخضراء، سلاحف منقار الصقر، في "القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض" التي يصدرها "الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة" غير الربحي. باعتبارها كائنات مهددة بالانقراض أو مهددة بالانقراض بدرجة شديدة. كما تم إدراج السلاحف البحرية الضخمة الرأس على أنها "معرّضة" للانقراض.

تعتبر السلاحف الخضراء: أكثر أنواع السلاحف البحرية المتواجدة في المحمية حيث تبقى طوال العام سابحة في المنطقة وتقل أعدادها في فصل الربيع بسبب عودة البعض منها إلى مناطقها الأصلية لعملية التكاثر وتعود بعد انتهاء موسم التكاثر ويتغذى هذا النوع على الحشائش البحرية التي تتوفر في المنطقة.

تتميز المحمية بوجود النوع الثاني "السلاحف صقرية المنقار" ولكن بأعداد أقل من السلاحف الخضراء والتي يبلغ ذروة تواجدها في فصل الصيف وهذا يعود إلى تواجد العديد من أنواع قناديل البحر |(Jellyfish) وكذلك أنواع من اللاسعات (cnidaria) التي تتغذى عليها.

بينما تعتبر السلاحف كبيرة الرأس، هي الأضخم وهي تتواجد في المياه العميقة (deep water) ولكنها تأتي إلى المناطق الضحلة (coastal) للبحث عن الغذاء وهو الحشائش البحرية وبعض الهائمات الحيوانية، ويتواجد هذا النوع من السلاحف بقلة في المحمية لوجودها بالقرب من المياه الضحلة بحثًا عن العشب والأكل البحري في أوقات معينة من العام حيث اتخذت المنطقة مسارها الغذائي و هجرتها عبر البحار وتعود إلى المياه المفتوحة (open sea)

النوع الرابع وهو "السلاحف الزيتونية" وتختلف عن سابقتها بأنها أصغر أنواع السلاحف البحرية والتي تفضل المياه الدافئة والضحلة. ويعتبر هذا النوع من السلاحف نوعًا انتقائيًا للغذاء لذا تجدها تبحث عن أنواع معينة من الحشائش البحرية وهو السبب الذي يؤدي إلى ندرة تواجدها في المحمية.

وفقاً لتقارير الباحثين، تفضل السلاحف البحرية الشواطئ الرملية الدافئة لوضع بيضها وخاصة السلاحف الخضراء و صقرية المنقار، وحسب شهادة السكان المحليين للمحمية فإن منطقة الصدف من المناطق ذات الطابع المميز لوضع بيوضها وعدم وعورة المنطقة وعدم الوصول إليها من قبل البشر من جهة البحر فإن المنطقة ماتزال بكراً لم تطأها الأقدام، حيث تعتبر شواطئ خور عميرة من المواقع المتميزة على المستوى الوطني والإقليمي وحتى العالمي لما تمثله من أهمية بيئية وموقع مهم بغناه وتنوعه كمراعي للسلاحف والموارد البحرية.

تشكل السلاحف البحرية بأنواعها المختلفة، إلى جانب أنواع عديدة من النباتات والشعاب المرجانية والحيوانات، كنزاً حقيقياً للاقتصاد الوطني الذي يزخر بعدد كبير من المحميات الطبيعية، تتنوع فيها الحياة النباتية والحيوانية، ولكن هذا التنوع أصبح مهدداً بخطر الانقراض، يواجه تحديات كثيرة أخطرها العامل البشري الذي لا يتوانى عن الممارسات التي تهدد هذه الحيوانات والنباتات في بيئتها كما يفيد الباحثين البيئيين.

تعد "خور عميرة" - وفقاً للدكتورة جاكلين منصور البطاني رئيس مركز رؤى للدراسات الإستراتيجية والاستشارات والتدريب - منطقة تغذية السلاحف الخضراء، تأتي إليها للتزاوج والتغذية، والتي تشهد بشكل مستمر اصطياد متوحش وجائر، كونها تقترب من مخيم اللاجئين الأفارقة الذين يتغذون على لحم السلاحف"، وسيظل الاستنزاف قائم إذا لم تتخذ السلطات المعنية إجراءات حازمة تجاه تلك الانتهاكات ومرتكبيها.

وتطرقت البطاني إلى المعالجات العاجلة للتدمير الممنهج والاصطياد الوحشي للسلاحف وذلك من خلال النزول للمواقع التي تُرتكب فيها الانتهاكات وعمل دوريات أمنية لإلقاء القبض على الصيادين وإحالتهم إلى النيابة لتطبيق القانون، وذكرت أنها على دراية بوجود غرامات وعقوبات حسب تصل للسجن ولكن لم نسمع أن تم تطبيقها وإذا لم تطبق سيستمر الصيادين في العبث بالبيئة البحرية والحياة الفطرية ويتسبب ذلك في اختلال التوازن البيئي في السواحل الجنوبية.


يتفق الباحثون والمسؤولون في حماية البيئة على أن محمية "خور عميرة" تفتقر لآلية الإدارة المتكاملة للموارد الطبيعية البحرية خاصة فيما يتعلق بعمليات الرقابة أو التقييم حيث يتم استغلال الموارد بشكل شبه عشوائي و خاصةً أن دور الجمعيات التعاونية السمكية محدود مما يتطلب العمل نحو تطوير آلية واضحة للإدارة المتكاملة للموارد البحرية تحقق الصون والحماية والاستمرار لتلك الموارد، إلى جانب الاستغلال المفرط لبعض الأنواع البحرية مثل السلاحف وخيار البحر وتدمير البيئة البحرية وبشكل خاص الشعاب المرجانية والمراعي الطبيعية للأصناف البحرية بالإضافة الى غياب أو محدودية الوعي العام بسلامة وحماية البيئة البحرية وحماية الأنواع المهددة بخطر الانقراض ومنها السلاحف البحرية .

ويشير نشطاء حماية البيئة في "لحج" إلى ضرورة الالتزام بتطبيق القوانين والتشريعات المحلية وأهمها قانون حماية البيئة رقم (26) لعام 1995 ، و الوفاء بالتزام الدولة تجاه الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها ووقعت عليها مع المنظمات الدولية ومنها الاتفاقية الدولية للتنوع الحيوي واتفاقية (سايتس) الخاصة بالإتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض وخطة العمل الإقليمية لصون الشعاب المرجانية في البحر الأحمر وخليج عدن ومنها السلاحف البحرية.

لإيقاف التدهور في محمية "خور عُميرة"، أوصى فريق علمي من الباحثين في حماية البيئة زار المحمية في وقت سابق إلى تنفيذ الدراسات البيئية التقييمية المطلوبة للمنطقة من خلال دراسة التنوع الحيوي البحري، والبري، والدراسات الاقتصادية والاجتماعية، العمل على استكمال تكوين الجمعية البيئية ل "خور عُميرة"، إلى جانب المتابعة المستمرة للوضع البيئي بتقارير دورية ترفع من المنطقة عبر جمعية البيئة وهيئة حماية البيئة بلحج ورفعها للقيادة المحلية في محافظة لحج، وكذا خلق قنوات تنسيق بين هيئة البيئة ووزارة الثروة السمكية والمجالس المحلية وأمن خور عميرة وجمعيات الصيادين وغيرها من الجمعيات والمنظمات والفاعلين في خور عميرة.

تمثل منطقة "خور عُميرة" موقع هام لتغذية عدة أنواع من السلاحف البحرية وجميعها مدرجة عالمياً ضمن الكائنات المهددة بالانقراض في جداول الاتحاد العالمي لصون الطبيعة، كما أنها مدرجة على لوائح الاتفاقية وهذه الكائنات تتعرض لاعتداءات متكررة وخاصة في مواسم التكاثر، كما تعد أحد المواقع الهامة المسجلة إقليمياً كموقع رئيسي لتغذية السلاحف البحرية وأنواع مختلفة وهذا يتطلب حصر أنواع السلاحف البحرية التي تتغذى في المنطقة وتوثيقها بشكل علمي، كون المنطقة تزدهر بالشعاب المرجانية التي يجب المحافظة عليها والمدرجة ضمن الكائنات التي يشملها الدليل الوطني بأنواع الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض، كما تتميز بتوفير موائل لتغذية الطيور البحرية والمهاجرة .


*بسام القاضي باحث /صحفي علمي
متخصص في تغطية قضايا المناخ والبيئة.

** نقلاً عن 

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى