سراب الوديعة

> الوديعة وصلت ولكنها ليست الحل للكارثة الاقتصادية في البلد، أنها متنفس مؤقت، هكذا وصفها الأخ محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي وهو محق تماما.

ماذا تعني وديعة المليار دولار لشعب بحجم سكانه الضخم واقتصاده المنهار في ظل دولة فاشلة ومجزأة إربًا؟

إن جلبة الحصول على منحة المليار دولار هي ضجة فارغة من المعنى وتدل على عمق الأزمة الكارثية التي وصلنا إليها، وكأننا كيان أجوف يتسول أكله وشربه وفرحه من آخرين.

بالقياس العملي لما يمكن أن تقدمه لنا المنحة هو مبعث على اليأس والحزن والحسرة.

ماذا يمكن أن ينفع مليار دولار لشعب تعداده أكثر من 30 مليون شخص، حوالي أكثر من 85 ٪ منهم فقراء ويحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة، وأكثر من 500 ألف إنسان في حالة مجاعة حادة، وملايين من الأمهات والحوامل والمرضعات والأطفال يعانون من سوء تغذية حاد وخيم، وفقر دم حاد، ناهيك أنهم يعيشون في ظروف صعبة في ظل تخلف الخدمات الأساسية وصعوبة الحصول على الماء والنور والدواء والتعليم وغيرها من ضروريات الحياة الانسانية الكريمة.

ماذا يعني مليار دولار لاقتصاد منهار، وتراجع المنتوج الإجمالي إلى أقل من 48 ٪ وبلا صادرات وبلا ميزانية عامة للدولة، وبلارواتب منتظمة، ودون استثمار تنموي وبنية أساسية متهالكة ومدمرة وعملة في غرفة الإنعاش واقتصاد وسوق وعملة مجزأة ...إلخ.

ماذا يعني مليار دولار لدولة فاشلة، دولة مجزأة إلى حكومات وإقطاعيات وتعاني من انقسام سياسي ودستوري وهيكلي عام ...إلخ.

لا يمكن التقليل من الدور المتواضع الذي يمكن أن تلعبه الوديعة، فشيء أحسن من لا شيء، ولكن لماذا لا نلفت إلى استخدام إمكانيات البلد الكامنة لتكون هي مليارات الحل المستدام لمشاكلنا المتراكمة، أليس الاعتماد على النفس فضيلة.

يا شعب أننا نملك ثروات تحت وفوق الأرض، ونملك قوة بشرية شبابية هائلة، وموقع جغرافي وسوق واسعة و رأسمال كبير مهاجر وهارب، بسبب الحرب، لو اتفقنا على استثمارها لصالحنا جميعا لما احتجنا لودائع فيها من الجرجرة والإهانة والتكلفة لنا والأجيال الكثير الكثير.

علينا الاعتماد على الذات وتطوير حلول مستدامة نحصل منها على عشرات المليارات من خيرات مهدورة بأيدينا.

لا تجعلوا سراب الودائع يلهكم عن البحث عن المصادر الحقيقية لمليارات الدولارات على طول وعرض البلاد حيث الثروة تكفي حاجات السكان وتزيد لكن سوء الاستخدام وغياب الإدارة الرشيدة وفشل الدولة جعلتنا نبحث عن سراب الودائع والمعونات التي لا تصل إلى الناس بل تنهب في قارعة الطريق قبل وصولها إلى ملايين الفقراء و الجوعى على طول وعرض البلاد.



* رئيس تحرير مجلة الرابطة الاقتصادية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى