​كلمات في رمضان

> تخيروا أصدقائكم
خذ قلما وورقا وحاول أن تكتب أسماء أصدقائك جميعا، ثم صنفهم أصنافا، تجد أوَّلا أن منهم من ليس أصدقاء على التحقيق، ولكنهم أصحاب ورفقاء، فمنهم رفيق، تلقاه كل يوم أمامك، يحيِّيك فتحيِّيه، ويسألك فتجيبه، والكلمة تجرُّ الابتسام، والابتسام يجرُّ الكلام، وتمرُّ الأيام فإذا أنتما تتبادلان تحية الصديقين، وتتحدثان حديث الصفيِّين، وأنت لا تعرف اسمه ولا تدري ما هو.

ومنهم رفيق العمل، تكون موظفا، فترى مكتبه حيال مكتبك، ووجهه تلقاء وجهك، أو تكون عاملا، فترى آلته إلى جانب آلتك، أو يكون زميلك في المتجر أو جارك في السوق، تكون معه أكثر مما تكون مع أهلك وولدك، وتلقاه أكثر مما تلقى أصدقاءك وأهل ودِّك، وقد تشاركه الجدَّ والهزل، والرضا والغضب، وما شكلك من شكله، ولا عقلك من عقله، ولا أنت من واديه.

ورفيق السفر، ممن تجمع جسديكما عربة القطار، وروحيكما الرغبة في دفع الملل، فيكون منك سلام ومنه كلام، وملاحظة لما ترى، وجواب لما تسمع، وما هي إلا ساعات، حتى تتشاركا في الطعام، وتتجاورا في المنام، وتسَّاقط بينكما الأستار، فيرى منك، وترى منه، ما لا يراه المرء إلا من ساكن بيته، وذي قرابته، وما أنت منه ولا هو منك في ودٍّ ولا إخاء.

ورب رجل سايرته في طريق، أو رافقته في سفر، أو عرفته في ديوان، فبذلت له من ظواهر الود، ما يبذله الرجل المهذب لمن يلقاه، وأنت لا تدري وجهته في الحياة، فنسب إليك، وعرف بك، واتصل بك شره، أو أصابك ضره، أو لحق بك عاره، وإذا هو قد ترك فيه أثرا منه من حيث لا تشعر، وكل كلمة تنصبُّ في أذنك إنما هي بذرة كالبذرة التي تلقى في الأرض المخصبة قد تكون بذرة خير فتنبت في نفسك خيرا، وقد تكون بذرة شر فتنبت في نفسك شرَّا، ورب ناس كانوا صالحين فأفسدتهم صحبة شرير بدل حالهم، وأشقى حياتهم، وناس كانوا أشرارا فصلحوا بصحبة الصالحين، ومن كان مستريحا من وخز الغريزة يشتغل عنها بعلم أو فنٍّ أو رياضة قلب أو جسد، فأوقد عليه نارها، وأذاقه أوارها، صاحب لا يدري من أين يسقط عليه، وآخر يمشي في طريق النار، فمشى به صديق في طريق الجنة، وليس الصديق الذي يذكِّرك الله كمن ينسِّيك ذكره، ولا الذي يسوقك إلى المسجد للعبادة كمن يقودك إلى الماخور للفجور، ولا من يحدثك عن كتاب طالعه؛ لتطالعه أنت، كمن يصف حسن راقصة رآها، لتسعى أنت لمرآها.
 

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى