​الإدمان المسكوت عنه.. "شمة الحوت" تغزو الشباب في ظلّ غياب الرقابة

> زياد أمين

> انتشرت في الآونة الأخيرة - وعلى نحو يشكّل ظاهرة - العديدُ من المواد المنبهة التي يتعاطاها الشباب اليمنيّون، منها: الشَّمّة (بودرة تنباك مخلوطة بمواد أخرى)، والشبو، والحوت، وهذا الأخير يُقبِل عليه بكثرة الشبّانُ الصغار من طلاب الثانوية، ويُباع في الأسواق، والبقالات وفي محال وكافيهات الشيش والتمباك في وضح النهار، رغم أنّه مصنَّع من مادة ممنوعة من قبل الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، وبالرغم من كونها منتجًا مجهول المصدر.

طريق الموت
الحوت (خيني) أحد أنواع الشمة التي تحتوي على موادّ شبه قلوية وسامّة كفيلة بالقضاء على صحة من يتعاطاها في وقت قصير للغاية، أمر تؤكّده "لبنى الهاشم"  رئيس مختبر الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، في حديث لـ"خيوط"، موضحةً أنّ شمة الحوت تحتوي على مادتَي النيكوتين والمينثول بتركيز عالٍ يعادل عشرة أضعاف ما يوجد في السجائر، وأضافت الهاشم: "إنّ تناول النيكوتين للمرة الأولى يؤدّي إلى الشعور بالدوار وإحساس بألم في المعدة، إضافة إلى زيادة ضربات القلب لدى صغار السن، علاوة على كونه سببًا رئيسًا لأمراض السرطان وتصلب الشرايين".

من جانبه، يؤكّد "مجاهد الجوفي"  أخصائي أورام سرطانية، في حديث لـ"خيوط"، أنّ الأعداد المتزايدة لسرطان الفم في اليمن - تحديدًا - سببه مادة المينثول، التي تتواجد في شمة (الحوت)، والتي يتم تناولها عن طريق الفم ولفترات طويلة؛ ما يؤدّي إلى إدمانها والاعتياد الشَّرِه على تعاطيها.

سعادة وهمية
ضياء أحمد (اسم مستعار)، أحد طلاب الثانوية الذين يتعاطون الحوت منذ وقت مبكر، يقول : "عندما كنت في الصف التاسع، رأيت أصدقائي يتعاطونها ويصفونها بأنّها تعطيهم السعادة، فأحببت أن أعيش هذه التجربة، حيث بدأت بتعاطي حبتين باليوم، وبعد مرور ما يقارب العام، أصبحت أتعاطى ثلاث حبات دفعة واحدة؛ أيّ بمعدل كيسَين (عبوة عشر حبات) في اليوم الواحد، إلى أن وصلت إلى مرحلة عالية من الإدمان"، ويضيف قائلًا: "لا أستطيع عمل أيّ شيء أو حتى الخروج من المنزل، إذا لم أتعاطَ القدر الكافي!"..

ولا يختلف الحال مع أحمد (20 سنة)، حيث بدأ بتناول شمة الحوت أثناء عمله في إحدى المحافظات الجنوبية، يقول أحمد لـ"خيوط": "كنت أعمل في بيع القات مع مجموعة من أصدقائي، كان هؤلاء الأصدقاء يتعاطون شمة "الحوت"، فاقترح عليَّ أحدهم أن أتناول حبة وستمنحني شعورًا بالكيف والمزاج العالي؛ تناولتها في البداية بداعي التسلية وتحسين المزاج، وما هي إلّا أيام حتى أصبحت مدمنًا ولا أستطيع تركها".

مقتنيات شخصية
وبعد البحث والتقصّي عن كيفية دخول شمة الحوت إلى  صنعاء، أكّد مصدر لـ"خيوط"، أنّه يتم إدخال شمة "الحوت خيني" إلى عواصم المدن، وعلى رأسها صنعاء، بطرق متعددة؛ كأن يتم إدخالها عبر باصات النقل الجماعي على شكل مقتنيات شخصية بسبب صغر حجمها، أو عن طريق سيارات المسافرين بين صنعاء والمحافظات الأخرى، إذ لا يوجد وكلاء معتمدون في صنعاء، فيما يتم توزيعها عبر الدراجات النارية لمحال الشيشة والتمباك وفي أوقات محددة ومناسبة بالنسبة للموزعين، كما أكّد ذلك محمد عمر (اسم مستعار)، صاحب أحد محلات بيع الشيش والتمباك، في حديث لـ"خيوط".

وعند محاولات معدّ التقرير التواصل مع أحد الموزعين داخل  صنعاء، لطلب كمية من شمة الحوت، رفض التعاون معه خوفًا من أن يكون تابعًا لإحدى الجهات الأمنية.

غطاء تجاري
في السياق، تحدّث مسؤول المركز الإعلامي للهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، إبراهيم الدرة، لـ"خيوط"، قائلًا: "هناك عددٌ من التجار ورجال الأعمال ممّن يمتلكون سجلًّا تجاريًّا في وزارة الصناعة والتجارة، يقومون بإدخال هذا المنتج إلى الأسواق اليمنية عن طريق المنافذ الجمركية"، ويتابع الدرة: "في المقابل، يتم إتلاف كميات كبيرة منها بشكلٍ روتيني، ومن ضمن حملات الإتلاف ما قمنا به في السابع من نوفمبر من العام المنصرم، حيث تم ضبط وإتلاف ما يقارب تسعة آلاف عبوة بوزن 4 جرام، في جمرك عفار بالبيضاء، تابعة لأحد التجار الذين يمتلكون سجلًّا تجاريًّا في الوزارة. وفي يوم الجمعة الموافق 18 من نفس الشهر، تم إتلاف أكثر من سبعة آلاف عبوة في الجمرك ذاته".

تجاهل وإهمال
هذا، وتؤكّد الإحصائيات التابعة لمؤسسة السرطان في كلٍّ من تعز وعدن، أنّه تم تسجيل أكثر من 300 حالة مصابة بسرطان الفم واللسان واللثة، في حين لم نجد إحصائيات في مؤسسة السرطان والمركز الوطني للأورام في صنعاء؛ لكن مسؤول الإحصاء في المركز الوطني للأورام بصنعاء، علي المساجدي، تحدث لـ"خيوط"، حول قضية يرى أنّها الأهم، متعلقة بغياب الأبحاث والدراسات حول الأسباب والإحصائيات، قائلًا: "لا توجد أيّ دراسة ميدانية حول هذه الجوانب"، ويرجع السبب في ذلك إلى غياب دور الدولة وضعف الإمكانيات المادية التي تساعد الباحثين في إجراء الدراسات وضعف المعلومات والشفافية المقدمة من قِبل مرافقي المرضى.

قصور في تنفيذ القانون
الجدير بالذكر، أنّ القانون اليمني ينص على منع تداول مادتي "النيكوتين، والمنثول"؛ باعتبارها من المواد المخدرة، وهو ما يؤكّده المحامي القانوني عبدالقادر الدرعي، في حديث لـ"خيوط"، قائلًا: "النيكوتين والمنثول من المواد المسرطنة والممنوعة، بحسب القانون، إذ تنص المادة رقم (2) من قانون المخدرات على أنّه: "يتم حظر أيّ شخص يجلب أو يصدر أو ينتج أو يملك أو يحرز أو يشتري أو يبيع موادًّا مخدرة أو يتبادل عليها، أو ينزل عنها بأيّ صفة أو أن يتدخل بصفته وسيطًا أو مستخدمًا بأجر أو بدون أجر، إلا في الأحوال المنصوص عليها في هذا القانون وبالشروط المبينة فيه".

ويتم مصادرة ما تم ضبطه وحيازته، كما نصت المــادة (36) على أنّه: "يحكم في كلّ الأحوال، بمصادرة الأموال المتحصلة من هذه الجرائم أيًّا كان نوعها، كما يحكم بمصادرة وسائل النقل التي تكون قد استخدمت في الجريمة، وكذا بإتلاف المواد المخدرة المضبوطة".
ويُعاقب كلُّ من ثبت عليه ذلك، حسب ما نصت عليه المــادة (38): "يعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات كلّ من حاز أو اشترى أو أنتج أو استخرج أو فصل أو صنع موادًّا مخدرة أو زرع نباتًا من النباتات الواردة في الجدول رقم (5) أو حازها أو اشتراها، وكان ذلك بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي، وذلك كله ما لم يثبت أنّه قد رخص له بذلك، بموجب تذكرة طبية أو طبقًا لأحكام هذا القانون".
"خيوط" .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى