أزمة إرهاب أم أزمة مياه وغذاء؟

> علي قاسم/ كاتب سوري:

> ​هناك من يقول إن الحرب الأهلية في سوريا كان السبب فيها موجة جفاف هي الأسوأ، ضربت البلاد في الفترة ما بين 2007 و2010، محدثة أضرارا بالغة بالمناطق الفلاحية، ودفعت مئات الآلاف إلى النزوح من الأراضي الزراعية إلى المدن السورية، حيث عانوا من التهميش والإقصاء. كل هذا جرى ببطء دون أن تسلط عليه الأضواء، إلى أن حدثت الكارثة.

هذا الكلام بقدر ما يبدو صادما أو مبالغا فيه، ليس بعيدا عن الحقيقة. الصراعات والحروب شنت دائما لأسباب اقتصادية، وان اختفت وراء دعاية سياسية أو برّرتها الأيديولوجيا. ولا تختلف في ذلك الصراعات والحروب التي خاضها البشر منذ آلاف السنين، بما في ذلك حروب الفتح الإسلامي والحروب الصليبية التي لا تخفى نوازعها الاقتصادية، وهي لا تختلف أيضا عن الصراعات التي شنت في العصر الحديث. ولكنها ستختلف حتما عن الصراعات التي قد يواجهها العالم مستقبلا. ويكون فيها الجفاف والتصحر والتغير البيئي دوافع أساسيا للنزاع، داخل الدول وفيما بينها.

الحروب القديمة، كانت تشن غالبا في بيئة لا يمكن وصفها سوى بالوفرة، طلبا أو طمعا بالمزيد لبناء الثروات وتراكمها، وليس سدا للحاجة. حروب المستقبل على العكس من ذلك ستشن بسبب نقص المواد الغذائية ونقص المياه.

نجح العالم في مراكمة الثروات التي وصلت خلال العشرين سنة الأولى من القرن الحادي والعشرين إلى مستوى غير مسبوق، وبعد أن كان العالم يتحدث عن مليونير (جميعنا يتذكر رجل الأعمال اليوناني أرسطو أوناسيس الذي كان يعد أغنى رجل في العالم، وكان معروفًا بنجاحه التجاري وثروته الضخمة، وكذلك لحياته الشخصية، بما في ذلك علاقته بمغنية الأوبرا الشهيرة ماريا كالاس وزواجه عام 1968 من جاكلين كينيدي، أرملة الرئيس الأميركي جون كنيدي. لم تتجاوز ثروة أوناسيس حينها مليار دولار) يجري الحديث اليوم عن بليونيرات يتكاثرون تكاثر الفطر. وقريبا سيكون الحديث عن تريليونيرات.

يفترض في ظل هذه الوفرة أن تتراجع أعداد الفقراء في العالم، ولكن ما حدث هو العكس تماما، تزايدت أعداد الفقراء بشكل غير مسبوق، ويكاد يكون هناك اتفاق بالرأي على أن الطبقة الوسطى آخذة بالتآكل في العالم أجمع، وهي في طريقها إلى التلاشي والاختفاء في الكثير من الدول.

النجاح الذي حققه العالم الصناعي قد يتحول إلى سبب ينتهي به إلى الفشل. هناك اليوم خشية من أن يجوع سكانه رغم تريليونات الدولارات التي نجح في مراكمتها؛ خلال عامين فقط 2019 – 2020 ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، من 135 مليونًا إلى 345 مليونًا وبحلول عام 2022 أصبح هناك 828 مليون شخص ينامون كل ليلة وهم جوعى، منهم 50 مليون شخص في 45 دولة على حافة المجاعة.

في البدء، جرت محاولات للربط بين الأزمة الغذائية التي يواجهها العالم وجائحة كورونا، وبعدها ربطت بالحرب الروسية في أوكرانيا. بالتأكيد الحدثان لعبا دورا كبيرا في الأزمة التي يعيشها العالم، ولكنّه دور سرعان ما كشف عن أزمة أكثر عمقا هي شحّ المياه، التي تسببت بها التغيرات المناخية وتزايد عدد السكان. وهما عاملان لم يحدثا فجأة بل خلال فترة زمنية طويلة ظل العالم خلالها يتجاهل تأثيرهما مشغولا عنهما بمراكمة الثروات عملا بالشعار “أنا ومن بعدي الطوفان”.

أتى الطوفان، وبعده أتى الجفاف. الطلب العالمي على المياه سيزداد بنسبة 55 في المئة حتى عام 2050. وبحلول عام 2035 يجب أن يزداد إنتاج الطعام بنسبة 69 في المئة ليلبي احتياجات النمو السكاني. ومن المتوقع خلال نفس الفترة أن يزداد سحب المياه لتبريد محطات الطاقة بنسبة تتجاوز 20 في المئة.

وهذا يعني شيئا واحدا؛ أن موارد المياه العذبة مهددة بالنضوب. والخبراء هنا لا يتحدثون عن مئات السنين، بل عن المستقبل القريب والقريب جدا.

ومع نضوب المياه يتوقع باحثون نشوب حروب أهلية وصراعات لن تقتصر على البلد الواحد، بل ستتوسع لتنتشر بين الدول المتجاورة. الصراعات التي كانت تحدث حتى وقت قريب لأسباب ظاهرها أيديولوجي وباطنها اقتصادي يهدف للاستئثار بالثروات، ستحدث مستقبلا لأسباب تتعلق بالجفاف ونقص الغذاء.

ولكن، كيف يواجه العالم أزمة في المياه والمياه تغطي 70 في المئة من سطح الكرة الأرضية؟

في الواقع، 97.5 في المئة من هذه المياه هي مياه بحار ومحيطات وبحيرات غير صالحة للاستهلاك البشري. وبالطبع أول ما سيتبادر إلى الذهن هو لماذا إذن لا نلجأ لتحلية مياه البحر؟

تحلية مياه البحر حل جزئي لأزمة المياه، وهو حلّ لا يمكن الاعتماد عليه لأسباب عديدة، من بينها التكلفة العالية، والطاقة المستخدمة في هذه العملية، وأيضًا التأثيرات البيئية التي يُمكن أن تسببها عملية التحلية.

الأسوأ من كل ذلك أن الحلول المقترحة حتى اليوم لتلافي نقص الغذاء وشح المياه لن تكون متاحة على نطاق واسع لتلافي المشكلة. وهي إن بدت واقعية بالنسبة إلى دول ثرية، لن تكون متاحة للدول الفقيرة.

أكبر نشاط بشري مستهلك للمياه العذبة هو الفلاحة وتربية المواشي، ولن يكون مستبعدا أن تتمكن الدول الغنية من إيجاد بدائل للبروتينات الحيوانية وحتى للخضار والفاكهة التي سيتم إنتاجها واستنباتها داخل المخابر، لتكون بديلا عن مواد غذائية تزودها بها دول فقيرة. إلا أن من المشكوك فيه أن تتمكن الدول الفقيرة من اللحاق بهذه الثورة.

مواطنو الدول الغنية بدأوا بالتململ والاحتجاج على الغلاء، وعلى الأخص تزايد الهوة بين طبقة محدودة من الأثرياء تمتلك كل شيء، وطبقة كانت تسمّى حتى وقت قريب طبقة وسطى، وجدت نفسها فجأة أقرب إلى شريحة الفقراء نتيجة تزايد أسعار المنتجات الغذائية والطاقة.

هناك أكثر من دليل على أن الأثرياء في الدول الثرية لن يتركوا الأمور تخرج عن السيطرة لتفلت من أيديهم، وأنهم سيجدون حلولا للتخفيف من معاناة مواطني دولهم. فهذه الدول تمتلك فائضا ماليا وتمتلك من التكنولوجيا ما يتيح لها الوصول إلى حلول.

لذلك لا نتوقع أن ينتهي أثرياء تلك الدول نهاية الملك الإغريقي ميداس، الذي منحه الإله ديونيسوس القدرة على تحويل أيّ شيء يلمسه إلى ذهب، ليكتشف أن هذه الهبة هي في حقيقة الأمر لعنة إن لم توظف لتوفير المياه والغذاء.

وسواء جاء الحل عن طريق تحلية مياه البحار، أو إنتاج الغذاء داخل المخابر، أو الزراعة في الفضاء، أو أيّ وسيلة أخرى، لم يتم اكتشافها بعد، لن يكون هذا الحل متاحا لدول تنتظر المساعدات لتأمين خبزها كفاف يومها.

بعد هذا كله، لا يبدو التفسير الذي يعزو السبب الحقيقي لاندلاع الصراع داخل سوريا هو شح المياه، بعيدا عن الواقع. فهل نحن اليوم على أعتاب صراعات محلية وحروب أهلية لا يمكن تلافيها.. ويكفي لاشتعالها أن يضرم بائع خضار متجول النار في جسده؟

العرب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى