الوحدة اليمنية.. من هداية الحبر إلى غواية الدم

> السجال الذي نسمعه ونشاهده كل عام بشكل مُمل من معظم القوى في الجنوب والشمال المُنقسمة على نفسها بين- مؤيدٍ وساخط - بذكرى وحدة 22مايو 90م المفقودة يتكرر ويحتدم بذات الشدة ويتبادل أصحابه ذات العبارات ونفس الاتهامات والشتائم.

لا جديد هذا العام سوى محاولة المختصمين توظيف المستجدات الحالية وإسقاطها واستحضارها بكثافة كأدلة لإثبات أونفي على استمرار أوانتهاء هذه الوحدة.. يضاف لذلك عامل الرهان على الخارج كمساعد على بقاء أو عدم بقاء هذه الوحدة بشكلها الحالي.

الحقيقة أن جوهر الخلاف والنقاش -في رأي كاتب هذه السطور- ليس حول الوحدة اليمنية من حيث المبدأ باعتبارها هدفا ساميا وحُلما كبيرا ظل يتطلع لتحقيقه معظم الأجيال في الجنوب والشمال، بل هو خلاف ونقاش يتمحور أو يجب أن يتمحور حول أي وحدة يقصد كل طرف.. بمعنى أوضح هو خلاف حول نُسختَـيّ الوحدة: وحدة ما بعد 1990م و وحدة 1994م وما تلاها.

فوحدة ما بعد عهد يوليو 94م وما تلاها من نكبات وعواصف لا علاقة لها مطلقا بوحدة 90م لا في المبنى ولا في المعنى.. وبالتالي يستعصي إقناع الناس بأن وحدة اليوم هي ذاتها وحدة عام 90م وهي أي وحدة اليوم على شاكلتها المهترئة هذه، ستنجز الحلم وتنقل الجميع إلى جنة الله على أرضه، فكل الوقائع تؤكد أن قارب وحدة 90م قد تحطم بالشمال والجنوب وصار كل منهما يمسك مجدافا.

وبالتالي فهذا الجدل يشي بأننا إزاء مشروعين مغلفين بغلاف وحدوي متباين: مشروع جنوبي تحرري يهدف للإفلات من سيطرة قوى ماكرة فاسدة لا تمتلك من مشروع سوى مشروع الحزب والقبيلة، طالما اعترفت أكثر من مرة بأن وجودها في الجنوب بعد 94م هو احتلال. ولمزيد من التوضيح يحكيه لكم عراب النظام طيلة عقود ثلاث الفريق/ علي محسن الأحمر.. وبين مشروع استعماري يحاول عبثا أن ينتج ويمكيج وجهه المتجعد من جديد. وأمام وحدتين:

- وحدة معمدة بالحبر تم الإطاحة بها غيلة وعنوة وبات أصحابها( وهم كُثر في الجنوب والشمال أيضا) يندبون حظهم العاثر وما تلا بعدها من بلاء وبلايا.

- وحدة معمدة بالدم باتت مُعاقة في حاضرها ومعيقة لغيرها في المستقبل، هذا على افتراض أنها ما تزال فعلا على عقيد الحياة، فحتى غلاة أصحابها أو معظمهم يقرون أصلا ألا وجود للدولة ولا للمؤسسات من أساسه في الوقت الحالي. السؤال المضحك المبكي: كيف توجد وحدة دون دولة؟ وهي ذات القوى التي أتت على المشروع الوحدوي وداست بياداتها وسنابك خيولها على كل معاني وقيم وروابط وحدة الحبر والتراضي. كما إنها أيضا ذات القوى التي وقفت باستماتة لإفشال وسحق المشروع الطموح، لبناء الدولة المدنية المتحررة من هيمنة المركز ومن سطوة القوى العميقة التقليدية المتخلفة، ونعني هنا مشروع (وثيقة العهد والاتفاق )الموقًع عليه من كل القوى بالعاصمة الأردنية قُبيل حرب 94م بأشهر وغطرسة وتعالي تلك القوى أمام كل محاولة لإصلاح الحال بعد نكبة 94م حيث كانت ترى بكل مبادرة للمصالحة لإصلاح مسار الوحدة، بأنها محاولات خبيثة لعودة الانفصاليين الماركسيين للسلطة مرة أخرى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى