تصعيد حوثي ضد الحريات الدينية ومساومة لتعميم الفكر الطائفي

> «الأيام» الشرق الأوسط:

> بينما كان سفير اليمن لدى «اليونيسكو» يشكو ممارسات الانقلابيين الحوثيين بحق جامع أثري؛ حوَّل الانقلابيون أقدم جامع في البلاد إلى قاعة لمناسباتهم الطائفية، وملتقى لعناصرهم لتعاطي نبتة «القات»، بالتزامن مع تصعيدهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم ضد الجماعات والأقليات الدينية، ومساومتها لاعتناق مشروعهم الطائفي في حلقات الدروس الدينية.

شكوى سفير اليمن لدى اليونيسكو، محمد جميح، كانت بشأن جامع النهرين الذي يعيد الانقلابيون بناءه بشكل مخالف تماماً لهويته وطابعه الأثري، بعد أن أقدموا على هدمه في فبراير (شباط) 2021، بذريعة انحراف قبلته، رغم أن بناءه يعود إلى صدر الإسلام حسب المؤرخين.

غير أن أهالي صنعاء القديمة (المدينة التاريخية) كانوا يؤكدون حينها أن عملية الهدم حدثت بسبب عدم استيعاب الصلوات والأنشطة الدينية لـ«المسيرة القرآنية»، وهي التسمية التي يطلقونها على مشروعهم الانقلابي.

وذكر جميح أن الانقلابيين الحوثيين يعيدون بناء جامع النهرين في صنعاء القديمة بمواد بناء حديثة مخالفة للمعايير، بعد محاولة استحداث بوابة في حي شعوب الأثري شرق العاصمة صنعاء؛ مشيراً إلى أن هذه الإجراءات تهدد مكانة صنعاء الموضوعة على قائمة التراث العالمي وتعرضها للخطر، وداعياً «اليونيسكو» إلى تحمل مسؤولية التدخل لحمايتها.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو من داخل جامع معاذ بن جبل، في بلدة الجند التابعة لمحافظة تعز (263 كيلومتراً جنوب العاصمة صنعاء)؛ حيث يظهر عشرات من عناصر ميليشيات الحوثي وهم يستخدمون الجامع كقاعة للاجتماعات والفعاليات، وللمقيل وتعاطي نبتة «القات»، وقد ملأوا جدرانه بشعاراتهم الطائفية.

ويفيد أهالي المنطقة بأن الجامع الذي يعدّ أول جامع في اليمن، وبني في صدر الإسلام بعد زيارة الصحابي معاذ بن جبل إلى المنطقة، تحول تحت سيطرة ميليشيات الحوثي إلى منصة طائفية للتحريض ضد مناهضي الانقلاب الحوثي، وتقدم فيه حلقات ودروس تحريضية لغسل أدمغة الشباب والأطفال ودفعهم إلى القتال، إلى جانب استخدامه ثكنة عسكرية لتجمع عناصر الميليشيات.

وحسب روايات الأهالي؛ فإن الجامع يستخدم من طرف قادة الميليشيات كمقر عملياتي للمهام الأمنية والعسكرية للجماعة، ويتم فيه عقد اجتماعات لتوزيع المهام وإصدار الأوامر، كما يتم استدعاء الشخصيات الاجتماعية في المنطقة لحضور الفعاليات الحوثية، واختبار ولائها من خلال الانتظام في تلك الفعاليات، وترديد شعارات الحوثي الطائفية فيها.

هجرة الجوامع

كان أهالي إحدى حارات حي حزيز جنوبي العاصمة صنعاء يؤدون صلاة المغرب في منزل أحدهم؛ قبل أن يقتحم مشرف حوثي رفقة مسلحيه المنزل، مانعاً إياهم من إكمال الصلاة، وطالباً منهم التوجه للصلاة في مسجد الحارة.

هجر الأهالي الصلاة في المسجد بسبب تعيين إمام وخطيب جديدين من الميليشيات الحوثية، واللذين منذ اليوم الأول لتعيينهما بادرا بإدارة حلقات ترويج لمشروع الانقلاب قبل وبعد الصلاة، والجهر بأدعية تحمل مضموناً طائفياً خلال الصلوات، وتخصيص خطبة الجمعة للتحريض على مختلف المذاهب والديانات.

وحسب أحد السكان، فقد اتفقوا منذ ما يقارب الشهرين على أن يجتمعوا كل يوم في أحد المنازل للمقيل معاً، وتأدية الصلاة للحفاظ على جماعيتها، وبسبب الازدحام بعد ازدياد أعداد المنضمين لهم؛ قام أحد الأهالي بتخصيص مساحة من فناء منزله لأداء الصلاة فيها من حين لآخر.

ورغم أن صلاة سكان الحارة لم تكن منتظمة، ولم يتحول فناء المنزل إلى جامع؛ فإن عناصر الميليشيات لاحظوا عزوف مزيد من الناس عن الصلاة في الجامع، ومن خلال مخبريهم علموا باتفاق السكان على هجرة الصلاة في المسجد، فشرع خطيب المسجد في التحريض ضدهم، واتهامهم بموالاة الأعداء، والتخطيط للتمرد.

اضطر الأهالي بعدها لتجنب التجمع لصلاة الجماعة، واكتفوا بعدم الذهاب إلى المسجد، تعبيراً عن رفضهم لممارسات الميليشيات وتحريضها ضد المذاهب والديانات وأفراد المجتمع؛ لكنهم أصبحوا يخشون التعرض للتنكيل بعد أن صارت مواقفهم مكشوفة.

تصعيد ضد البهائيين

في غضون ذلك، انتقل التحريض على أتباع الطائفة البهائية من منابر الجوامع التي تسيطر عليها الميليشيات الحوثية إلى وسائل إعلامها، رغم كل المواقف الدولية التي أدانت واستنكرت ممارسات الميليشيات وإجراءاتها التعسفية ضد عدد من أتباع الطائفة، واختطاف 16 شخصاً منهم، مع استمرار محاكمة 24 آخرين منذ سنوات.

ووصفت النسخة الحوثية من وكالة «سبأ» الطائفة البهائية بصنيعة الاستعمار الصليبي بمختلف مسمياته ومراحله التاريخية، متهمة إياها بمحاربة الإسلام وتشويه صورة المسلمين، وطمس معالم المسلمين وإضعافهم، وزراعة الانقسام في أوساطهم، وسلخهم وإبعادهم عن عقيدتهم، وهدم الأسرة وإلغاء الأديان والأوطان واللغات، وتهيئة العالم الإسلامي ليقع تحت سيطرة الاستعمار، حسبما ورد في تقرير للوكالة.

ويأتي هذا التصعيد الحوثي ضد الطائفة البهائية رداً على المواقف الدولية المساندة للبهائيين في مواجهة التعسفات الحوثية، وآخر تلك المواقف البيان الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي رفض مختلف الممارسات ضد الأقليات والجماعات الدينية، وأعرب عن قلق المنظمة الأممية من استخدام الميليشيات الحوثية منابرها للتمييز والتحريض على العنف.

وانتقدت المفوضية اختطاف الميليشيات الحوثية أتباع الأقلية البهائية، معربة عن مخاوفها من تبعات الخطبة التي حرض فيها شمس الدين شرف الدين، القيادي الحوثي المنتحل صفة المفتي، على قتل البهائيين والمجموعات الدينية الأخرى، وحذرت من خطورة هذا الخطاب الذي يتحدى القانون الدولي بشكل صارخ.

تراخيص مقابل الملازم

في سياق متصل، عاودت الميليشيات الحوثية اقتحام مسجد ومركز التوحيد للعلوم الشرعية في بلدة المعاين شمال مدينة إب (198 كيلومتراً جنوب العاصمة صنعاء) أواخر مايو (أيار) الماضي، وطردت أكثر من 400 من طلابه، وأحلت أتباعها الذين استقدمتهم من مناطق أخرى مكانهم، وذلك بعد أن اقتحمته صبيحة عيد الفطر، ومنعت إلقاء خطبة العيد فيه.

وسبق ذلك بأسابيع إغلاق ثلاثة -على الأقل- من مراكز تحفيظ القرآن في العاصمة صنعاء، وطرد طلابها، واختطاف القائمين عليها، بذريعة مخالفة ما تسمى «المسيرة القرآنية»، كما جاء في بيانات منظمات حقوقية، في حين شهد شهر رمضان الفائت منع إقامة صلاة التراويح في عدد كبير من الجوامع والمساجد في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة، وفقاً للمنظمات.

ويؤكد رجال دين يمنيون أن ميليشيات الحوثي تساوم المراكز الدينية، بتوجيهها لتقديم دروس من ملازم مؤسس الميليشيات حسين الحوثي، مقابل السماح لها بالاستمرار في أنشطتها، ولأجل ذلك ابتدعت إجراءً جديداً يتمثل بحصول هذه المراكز على تراخيص ممارسة الأنشطة من مكتب الإرشاد التابع للجماعة.

وتتضمن شروط الحصول على هذه التراخيص تقديم دروس من ملازم حسين الحوثي، وتعاليم تتوافق مع مشروع الميليشيات. ومن دون الالتزام بهذه الشروط؛ فإن تلك المراكز مهددة بالإغلاق، وتعرض القائمين عليها لإجراءات تعسفية.

وتعدّ محافظة إب أكثر المحافظات التي تعاني فيها المراكز الدينية من تعسفات واضطهاد الميليشيات الحوثية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى