«ليه يا هذا الجميل ؟!» .. وسحر الحب والجمال والمعشوقة

> بين الأمير اللحجي العبدلي والشاعر الحضرمي المحضار

رياض باشراحيل
رياض باشراحيل
من روائع شعر الغزل الرقيق في الغناء اللحجي الأصيل، الأغنية الشهيرة "ليه يا هذا الجميل !!" للشاعر الأمير صالح مهدي العبدلي، ولحن الأمير محسن أحمد مهدي وغناء الفنان محـمد صالح حمدون، ثم تألق في غنائها حين نضجت ملكاته الإبداعية والغنائية، واستوى مبكرا إحساسه وعوده الفني الفنان المبدع والمتألق عبود زين الخواجة.

والأغنية وصفية، وقصتها التي ينبئ عنها النص، أن الشاعر إنما يصف محبوبته وصفا حسيا جماليا، يرتفع بها إلى مصاف النجوم الزاهرة، ويكشف عن نبض محبته الصادقة وهيامه بها.

مشعل الحب في قلوب الشعراء

ويبقى مشعل الحب متألقا ما ظل سحر الجميلات يلقى على قلوب العشاق وهجا لاينفد.

وقد برع الشاعر باستهلال قصيدته في جذب انتباه المتلقي بالاستفهام الإنكاري، بصيغة المذكر بتوجيهه السؤال لمحبوبته، بارعة الجمال والتي خاطبها بقوله:

"ليه يا هذا الجميل" فسألها عن جريان الدموع الغزيرة على خدها الباهي الأسيل، أي الخد المشرق الطويل، بسحره الخلاب الجذاب، وهذه الصفات هي من ملامح الجمال العليا، عند العرب ومن الصفات التي لا تخطئها الذائقة الجمالية العربية.

وفي عيون المرأة عظمة الحياة وجمالها، وفي دموعها شجون وبريق يخترق حُجب الخيال بأشعته، ويتلقى إيحاءات الخلود الفني عند الشعراء الكبار.

بين الأمير اللحجي العبدلي والشاعر الحضرمي المحضار
بين الأمير اللحجي العبدلي والشاعر الحضرمي المحضار

الدموع والعيون في وحي الشاعر

والشاعر في قصيدته أسبل أبياتا متعددة، في توصيف البكاء وآثاره وسيلان الدموع من مقلتيها على الخدود .. وشاعرنا لا يرى صفاء السماء، ويتذوق الكرامة والحب إلا في عينيها، ويرى فيها بحيرة ماء قادرة على إسقاط أعظم السباحين في بحر العشق.

وكلما سالت هذه الدموع وتدفقت من عيون المحبوبة على خدها الرقيق الأسيل، رفرف قلب الشاعر، وطارت روح هذا العاشق، وامتدت "كيد" تمسح الطرف الكحيل، وتجفف دموعه، قال الشاعر:

كلما سالت وجالت

رفرفـتْ روحي ومالت

تمسح الطرف الكحيـل

فلنقف قليلا ونتأمل روعة الخيال الوثاب في هذه الصورة الشعرية، التي فيها الروح - وليست اليد - تمسح الطرف الكحيل. اليد التي خلقها المولى جل شأنه لهذه الوظيفة، ونحن نرى أن مسح الشاعر لدموع معشوقته بيده، عز ومحبة وتكريم مابعده تكريم، لعل الشاعر يرى فيها من القسوة أو الخشونة، ماقد يخدش أو يجرح الخد الأسيل الناعم عند مسح الدموع، فأوكل للروح هذه المهمة، والروح معناها الحياة .. ماهذا التفرد والتميز؟! ما عبقرية هذا الخيال لدى الشاعر؟! ماهذا الرخص للروح أمام الغلاء للخد؟! .. ما أسماها منزلة، وما أعلاها مكانة، ترخص أمامها الروح لتؤدي مهمة مسح دموع المحبوبة، مهمة كما يرى الشاعر تسوى الروح والعمر والحياة، حفاظا على الوجن وصونا للخد الرقيق الأسيل. وهنا يعجز الكلام عندي ويخبو التعبير، فلا توصيف -كما أرى- بعد وصف هذا الشاعر الكبير.

سيدة الجمال في قلبه

ولايزال شاعرنا يتساءل عن بكاء محبوبته، التي أثارت شجونه وشجونها معا، كما عبر في القصيدة وجعلته مثلها يسهرالليل الطويل، وهنا تمتزج المشاركة الوجدانية الثلاثية، بين المحب والمحبوبة، والمطرب الفنان عبود الخواجة حين أرسل الآهات من أعماق قلبه، وسحر أنغامه وأوتار حنجرته الذهبية، بإحساس فاق به عمره الفني =آنذاك- فزادتنا تذوقا ومتعة وطربا.

آه من العيون وفعل الدموع، التي سكبت الآهات من إحساس وقلب الشاعر، وقيدت فؤاده، إن لها في الفؤاد أثرا لايبرأ، ومحبة لا تفنى، فغنى فناننا بعد أن أطربنا بآهاته الساحرة المؤثرة، التي حملها على أنغام حنجرته مترنما:

ليه تبكي ذي العيون

ليه تمسي في شجـونْ

تسهر الليــل الطـــويل

إلى قوله :

ليه تبكي وأنت سيد

والذي حـولـك عبيـد

عن يمينـك والشويل

فلا عجب أن تكون المعشوقة هنا سيدة النساء الجميلات، والجميلة -عادة- تفخر وتتباهى وتبرز مفاتنها وتضحك لا تبكي، خاصة وأن كل من حولها يمينا وشمالا من النساء عبيد لها .

المحضار .. وسلطان الحب

لاشك أن الصورة جميلة ورائعة تليق بمحبوبته، إلا أن هذه الصورة ذاتها وردت أيضا، عند الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار، وربما عند غيرهما، ولكنها عند المحضار وردت في أغنيته "ليم في الحيط زاحي ورمان" التي شدا بها الفنان الكبير أبوبكر سالم بلفقيه، حيث وردت في غاية الرقة و الجمال، مكتملة التعبير و التصوير، عندما أبدع في توصيف محبوبته، التي أسرته واستعبدته، وصارت أميرة على قلبه وسلطانة على حياته، بسحر جمالها الفاتن قال المحضار:

سلم ولو حتى بكف الإشارة

يا من على قلبي وليت الأمارة

أنا عبد أنا مملوك لك وأنت سلطان

مريت في الموكب نهار الزيارة

خليت خلق الله تمشي حياره

من شاف حسنك وحد الله سبحان

إلى قوله في الصورة التعبيرية المعنوية لمحبوبته:

خليت في الموكب جميع العذاره

تحتك خدم وأنت رئيس الإدارة

يمشين خلفك عايسارك وليمان

فقد منح المحضار لمحبوبته القيادة و الرئاسة، لأسراب الحمائم وأفواج الغواني الجميلات، اللاتي كن بمثابة خادمات لها، يحطن بها ليس من اليمين واليسار فقط، كما ورد في قصيدة الأمير العبدلي ولكن عند المحضار يحطن بها من كل اتجاه في قوله: "يمشين خلفك عايسارك وليمان" أي من جهات الخلف واليسار واليمين، لا يتقدمها أحد من الأمام لأنها رئيسة والرئيس هو الأول.

فالمحضار هنا أكمل توصيف التفرد القيادي والرئاسي لمعشوقته الجميلة، على أسراب الغواني المحيطة بها من جميع الاتجاهات، وهذا هو فن "التتميم" أي إكمال المعنى دون نقصان في الشعر العربي. هذا هو نبض الوجدان والحياة والشعر الخالد، الذي يسير مع الزمن وتتغنى به القلوب.

أكاليل الجمال وعطر المحبة

وتفوح أكاليل سحر الجمال وعطر المحبة بقلب الشاعر الأمير العبدلي، من خلال نصه الغنائي، فلا تزال دموع محبوبته تهطل مطرا، وبكاؤها يثير أحزانه، ويبعث أشجانه ويزيده شغفا بها، فوق مابه من ولع العشق والمحبة، التي تغزو قلبه.

ويتساءل الشاعر عن عناد محبوبته، وظلمها له، وبعدها عن جود اللقاء، وكرم زيارته، ويطالبها في الختام بالعودة إليه، وإحياء مشاعر المحبة التي تجمعهما من جديد، لينعم العاشق بانتظار معشوقته، واحتضانها في محفل يشدو بالفن والشرح والسمر، على عادة أهل الفرح والسلا والطرب في لحج الخضيرة، محفل تحسب الساعة الواحدة فيه بقرن من الزمان.

المطرب عبود الخوجة .. عطر التألق ووسام النجاح

هذه الأغنية تحفة فنية نقشها الفنان عبود الخواجة بصوته العذب على صفحات القلوب.

فعندما تتعانق أعذب الكلمات مع أجمل الألحان، مع أروع الأداء، وسحر الصوت، فأنت أمام المطرب الأصيل عبود، الذي لم يترك مكانا في القلب لصوت آخر.

هذا الثراء الفني الرائع الذي استمعنا إليه بصوت الخواجة، في هذا العمر الصغير، هو الإبداع هو اتخاذ أولى الخطوات نحو القمة، في تألق وثبات على أرض صلبة، وقد وصل بنجاحاته إلى هذه القمة.

وفي هذه اللوحة الغنائية الفاتنة قال الشاعر العاشق الأمير العبدلي:

ليه يا هــــذا الجميـلْ * خــدّكْ البـاهيْ الأسيـلْ

دمعتـك فوقــــهْ تسيلْ

كلما سـالت وجــالت * رفرفـتْ روحي ومالت

تمسح الطرف الكحيـل

ليه تبكي ذي العيون * ليه تمسي في شجـونْ

تسهر الليــل الطـــويل

ليه تبكي وأنت سِيْـد * والذي حــولـك عبيــــد

عـن يمينـك والشــويل

ذا بكــاء ولاّ دلــــــع * با تزيـّـــــــدني وَلَــع

فـوق ما بي من شعيـل

ليه يا هـــذا العنـــود * ليه مــرّة ما تجــــود

جـُـود لي حتى قليل

ليه وردك والخـــدود * ليه صـــدرك والنهـود

تظلــــم القلـب العلـيــل

عُــــود وأحييْ حبّنــا * خــــاف يرجـــع وقتنا

في رُبى الوادي الظليل

إنْ تعُـــد با استقبلـك * با اشترح فــي محفلك

بَحْسُـبْ الساعة بجيـل

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى