كنت بالأمس أشاهد مقطع فيديو صغير لمجموعة من النشء الذين لا تزيد أعمارهم عن عشر سنوات في أحد المراكز الصيفية في صنعاء يتلقون محاضرة عن فضل الجهاد وقيمة أعلام الأمة حسب مفاهيم ليست محل إجماع، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول مضمون هذه المحاضرات، فأننا أمام صناعة وعي جديد لن يلبث أن يتحول إلى وعي عام.

منذ 2015م يجري العمل على غرس كثير من المفاهيم في عقول النشء والشباب، وكثير منهم أصبحوا اليوم في سن الرجولة، الأمر الذي يجعل المسألة أخطر من مجرد خلاف سياسي يمكن حله على طاولات الحوار ليحولها إلى شئ مرتبط بوعي الناس من قبيل منافق وكافر وناصبي ورافضي وغيرها.

نحن في الجنوب ذقنا مرارة تزييف الوعي، حيث تم غرس مفاهيم متطرفة منها مفهوم أن السعودية هي (العدو التاريخي) وأن نيكاراجوا وتشيلي هم الصديق الحقيقي، وهكذا هجرنا محيطنا العربي إلى أن أثبتت لنا وقائع الأحداث أن الشقيق القريب هو المحيط الآمن الذي لاذ به كل الجنوب تقريبا، وفي وقت ما سيدرك أهل السلطة في صنعاء هذه الحقيقة التي نأمل أن تحدث بأقل التكاليف.

مع أن وحدة الجنوب العربي تشكل عمقا استراتيجيا لمحيطه العربي بما في ذلك اليمن، إلا أن لا أحد ينكر على أي طرف جنوبي أن يعبر عن رؤيته، لكن الرؤى القائمة على المناطقية لا تخدم وحدة الجنوب ولا تخدم الأمن القومي العربي على المدى البعيد حتى وأن حقق البعض مكاسب آنية، فهناك من يتكسب من الحروب والأزمات لكنه لا يلبث أن يتبخر حتى من صفحات التاريخ الناصعة.

من أصداء ما صاحب مكون وادي حضرموت، رأينا هناك من استدعاء من الذاكرة البعيدة مقولة (إن السعودية هي العدو التاريخي) ورأينا على الجانب الآخر من استدعاء من الذاكرة السعودية مقولة (أننا لن نقبل أن تعود النجمة الحمراء إلى حدودنا الجنوبية) وهي شطحات منفلتة من كل المغردين إذ أنها لم تستوعب حجم المتغيرات التي حدثت في الإقليم والعالم.

يقولون إن صناعة الوعي تجري بمتوالية هندسية، أي يتضاعف الرقم في كل مرة، فالأربعة تليها الثمانية والثمانية تليها (16) وهكذا، لكن تلك المتوالية الهندسية كانت تتم في زمن التواصل المباشر بين الناس أما في زمننا الحاضر، وفي ظل وجود وسائل الاتصال والتواصل الحديثة فأننا أمام (متوالية صاروخية) إن جاز التعبير.

وعودة على بدء، فأن خلاف الرؤى السياسية يمكن حلها بطرق الحوار مهما كانت التباينات كبيرة، لكن صناعة العداء في الوعي الجمعي للناس لا يخدم أي طرف، ولا ينتصر فيه أحد.