قاع ولا أسلبوه

> كان عهد شباب قريتنا بكرة القدم حين كنا صغارا حديثا جدا ولم يكونوا على دراية بأبسط قوانينها سوى الرفس والعراك والخطف. كنا نحن معشر الصغار على حوافي (جربة ربيت) ميدان اللعب ننتظر بفارغ الصبر وصولها إلينا من زبطة عشوائية لشاب متهور، طبعا لا نجرأ اقتحام ملعب الكبار.

المهم كان الشباب يقتسمون نصفين بعدد خرافي قد لا يتسع لهم الملعب الذي يزدان بقائمين من أعواد الأثب ويعلوهما كعارضة حبل مهترء أو (مشدود) من بقايا الثياب الرثة.

كان دخول كرة القدم التي أحضرها أبي من إدارة معارف جعار قبل الاستقلال في أواخر عهد السلطنة العفيفية حدثا بارزا متزامنا مع تأسيس مدرسة أمسدارة التي أسسها والدي رحمة الله عليه أيضا بكل فخر تحت أفياء شجرة تولقة ضخمة وصلت إلى أربعة صفوف دراسية، كانت الكرة ورفساتها يومها حديث الساعة حتى إن النساء يتابعن دوشتها من على شرفات الديور، وطبعا كل المهووسين بلعب الساحرة المستديرة هم من كبار الشباب والمتزوجين الشباب يلعبون بلا حكم ويتكورون عليها بسيقانهم دفعة واحدة وللخروج من مأزق كهذا يلجأ أقواهم إلى التقاطها من بين الأقدام المتراكمة لينطلق بها بيديه ليركضها جوا وهكذا يلتقطها آخر من فوق الرؤوس ويفعل ذات الفعل وهنا يزداد الهرج والمرج وتظهر فئة محتجة تطالب باللعب أرضا مع هتافات صاخبة ( قاع ولا سلبوه ) ولشرح العبارة يطالب هؤلاء بالإبقاء على اللعب بالأقدام فقط ومنع ضرب الكرة جوا بغير هدف طبعا ومن لم يلتزم بهذا الشعار فعلى القوم سلب الكرة من بين أيدي من يحاول رفسها جوا كنا نحن معشر الصغار نطلق صيحاتنا دفعة واحدة ووووه عندما يرفس الكرة متهورا لأن مصيرها سيؤول إلينا من ناحية ومن ناحية كنا نظن أن أقوى لاعب يتحدد من خلال مقدار ارتفاع الكرة في العلالي، أتذكر أن أي لاعب لو قدر الله وأعادها إلى زميله إلى الوراء خطيئة لا تغتفر يستحق عليها ليس التوبيخ من كابتن فريقه فحسب بل العقاب وحتى الطرد لهذا كانت الكرة قدام قدام (وبن سليمان ما يرجع وراء) وغالبا ما تنتهي المباراة بعراك وشغب إلى أن عاد إلى القرية أحد أبناء القرية الذي كان يتعلم في المدينة ويعين والده في متجره الصغير في باتيس وهنا حاول أن يعمل جاهدا على تصحيح مفاهيم الكرة لدى خجفاننا وتحديد عدد الفريق ناقلا ما يعرفه من قوانين اللعب التي تعلمها وعلمها ليحد من عشوائية اللعب والمرافسة.

حال اليوم يمكن إسقاطه على ما نعيشه من الفراغ السلطوي وعشوائية وتداخل المهام وغياب القوانين وهلامية دور التحالف وحكومة ودولة الشرعية التي لم تحط قاع وتدير الأمور من الخارج تلهوننا بوعود جوية من غير أن نلمس شيئا من تحسن الخدمات العامة ومنها الكهرباء تحديدا أو تحسن سعر صرف العملة الذي أفقرنا جميعا بمعنى ليس هناك شيء حط في القاع ونلمسه في الواقع أشبه بركل الكرة جوا من متهوري شباب قريتنا زمان.

العبوا معنا في القاع لأن وضعنا المعيشي أضحى في قاع القاع، أيضا تعاملوا معنا ومع قضية شعبنا بواقعية من غير لعب الكرات الهوائية وإلا با يقع "قاع ولا أسلبوه".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى