أشد أساطير اليمن رعبًا وإثارة للذعر

> بلال فيصل

> تخيلناه ونحن صغار كوحش مرعب مفترس، أخبرونا بأنه يذبح الأطفال فتتحول دماؤهم إلى نقود، كانت أمهاتنا يتعمدن إخافتنا به، حتى لا نغادر المنزل.

هكذا يصف الناس "الجبرتي"، الأسطورة التي انتشرت في عدن في القرن الماضي وأثارت الرعب في أحياء المدينة لعقود، وتتحدث عن مجموعة من الناس الذين هاجروا إلى المدينة وسكنوا فيها، واتُهموا بكثير من حوادث القتل المجهولة وعمليات الاختطاف والعنف والطقوس المرعبة.

"الجبرتي" آكل الأطفال

ظل الغموض يراود تلك القصص لسنين طويلة وجرى تناقلها بين الأجداد والآباء والأبناء، فكانت الأمهات يستخدمن أسطورة (الجبرتي) لإخافة الصغار بهدف منعهم أو تحفيزهم على القيام بأشياء معينة كالنوم مبكرًا، أو عدم الخروج من المنزل، كأن يقلن: (نام و إلا الجبرتي)، (لا تخرج بعد المغرب وإلا الجبرتي).


تقول ليزا وهي من أهل وسكان مدينة لرصيف22: "كانوا يخيفوننا بالجبرتي الذي يأخذ الأطفال إذا خرجوا إلى الشارع في أوقات الظهيرة، وكنا نعتقد بأنه وحش مخيف، أخبرونا أنه يذبح الأطفال ويضعهم داخل كيس كبير، وتتحول دماؤهم إلى نقود، كان الهدف غالبًا حمايتنا من التعرض لأشعة الشمس القوية حين تكون درجة الحرارة في ذروتها ظهرًا".

"جارية شهدة" التي تظهر في المطبخ ليلًا

تختلف معتقدات الناس في اليمن حول صحة الأساطير والقصص الشعبية القديمة، بين من يرى أنها مجرد شخصيات خيالية شعبية، وبين من يؤمن بوجود بعضها على اعتبارها مخلوقات شيطانية من عالم الجن، شخصيات مثل (جارية الشُهدة)، (تبيع الليل)، (عُدار الدار)، (الصَيَاد)، (الطاهش)، وغيرها.

رصيف22 التقى بعض المهتمين بسرد القصص والأساطير الشعبية اليمنية التي لا تخلو من الرعب والمبالغة أحيانًا، وقصوا علينا شيئًا من ذلك.

يعبر مفلح (55عامًا) عن إيمانه بوجود تلك الأساطير في حياتهم، ويعارضه يوسف (35 عامًا) الذي يقول إنها مجرد خرافات، كان الآباء والأمهات والأجداد يروونها لأبنائهم، لإخافتهم حتى لا يقدموا على أشياء غير مرغوبة، كالخروج من المنزل في أوقات متأخرة من الليل. وبالطبع تنتشر القصص والأساطير الشعبية في القرى والأرياف والبوادي أكثر بكثير مما يتم تداولها في المدن والمناطق الحضرية.

يقول مفلح إن السبب هو وجود تلك المخلوقات بالفعل في قرى وريف اليمن، حيث تكون المناطق هادئة في الليل، شديدة الظلمة، وهي –بحسبه- أجواء مناسبة لخروج ما وصفها بـ"المخلوقات الشيطانية". أما يوسف فيتحدث إلى رصيف22 بالقول: "أخافونا قديمًا بشخصية خيالية اسمها "جارية الشهدة" والشُهدة تعني المطبخ في لهجة بعض أهل اليمن، إذ تقول القصة إن جنية على هيئة امرأة تتواجد في المطبخ أثناء الليل، لم نشاهدها أبدًا، لكن ربما كان الهدف من تخويفنا بها حتى لا نذهب إلى المطبخ أثناء الليل ونأكل الطعام المدخر لليوم التالي أو نفسده".

"تبيع الليل"... يظهر في الطرقات المعتمة

أسطورة أخرى تسمى "تبيع الليل" والتبيع هو اسم الذكر من الأبقار والمعروف باسم العجل، ومع أن الكثير من منازل الريف اليمني تربي هذه المواشي في الاسطبلات أو ما تسمى "الأسفال" إلا أنه جرى تصوير هذا "التبيع" في القصص القديمة على أنه مخلوق مخيف يظهر في الليل، حتى لا يفكر الصغار في الخروج من المنزل بعد غروب الشمس، يعلق يوسف قائلا: "من شدة الخوف كانت فكرة الذهاب إلى الحمام مرعبة، وكنا نتحامل على أنفسنا حتى الصباح".

"عدار الدار"... يمسك بطرف ثوبك على الدرج

قصة قديمة أخرى هي "عدار الدار" من محافظة إب ينقلها رصيف22 عن بعض من قابلهم، فيقولون إنه وحش يعيش في المنازل القديمة، أو شبح يعيش بين أكوام الحطب وفي إسطبلات الحيوانات، وبحسب وصف أحدهم: (كنا إذا مررنا بين غرفتين مظلمتين أو من دهليز المنزل نجري بسرعة رعبًا من عدار الدار، وخوفًا من أن يمسك بأطراف ثيابنا أو يسحبنا من أرجلنا فنصعد درج المنزل أو ننزله بسرعة خارقة، وحين نصل للأمان ونتجاوز الخوف نبتسم وكأن شيئا لم يكن).

"اللي بعيونها الطحين" وتظهر على السطح

خديجة من محافظة الضالع في الجنوب أخبرت رصيف22 وهي تضحك بطريقة والدتها لتخويفها هي وإخوتها، لمنعهم من الصعود إلى سطح المنزل خاصة في الليل، تقول: (أتذكر أن أمي كانت تقول لنا لا تطلعوا الجبى أي السطوح، لأن التي بعيونها الطحين -أسطورة قديمة- تنتظركم في الدرج).

"الصياد"... إنسان بقدم حيوان

أسطورة "الصَيَاد" بحسب ما يعتقد اليمنيون تتمثل في صورة إنسان، ويتم تمييزها بأن إحدى قدميها لإنسان والأخرى لحيوان.

في القرى إذا خرجتَ من منزلك ليلاَ وصادفت ''الصياد'' ستراها تقف أمامك في صورة إنسان تعرفه، ستتحدث معك وسترد عليها، ربما تمشي معها بضع خطوات قبل أن تتنبه لصوت قرع إحدى قدميها المرتفع عن الأخرى ،وحين تنظر للأسفل، ستكتشف أنها (صياد الليل) بقدم حمار، وحتى لا تقع في مثل هذا الموقف إذا كنت مضطرًا للخروج ليلا، عليك اصطحاب مصباح إنارة، فالصياد بحسب ما يعتقده الناس تهرب وتختفي بمجرد رؤيتها للضوء".

"الضياح"... بيوت الجن

من المعتقدات القديمة في اليمن أن الجن يسكنون بطون الأحجار السوداء الكبيرة، وتسمى بالعامية (الضياح)، وقد توارث الناس حول ذلك الكثير من قصص الرعب وكيف أن الجن في تلك الأماكن يأخذون البشر إلى عالمهم يتجولون بهم، ويطلبون منهم وعدًا بعدم إزعاجهم من جديد، كالقيام بأعمال بناء أو تكسير للأحجار، ثم يعيدونهم إلى منازلهم.

الطاهش والعراج... ما يشبه الضبع والأسد

في محافظات تعز وإب وذمار وما جاورها من مناطق يعتقد الناس أن الطاهش هو حيوان مفترس يخرج في الليل، وبحسب المتوارث فهو حقيقي وليس مجرد أسطورة، مثله مثل حيوان الضبع المعروف في مناطق محافظة ذمار باسم (العُراج) وهو موجود إلى اليوم وتدور حوله بعض القصص القديمة بحسب ما قاله الشاب عبدالله الفقيه.

يقول عبدالله لرصيف22: "في وصاب السافل إحدى مديريات محافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء، يتحدث كبار السن عن الطاهش على أنه حيوان مفترس كالأسد، يخرج في الليل وينطلق بسرعة فائقة، يرمي الحصى والتراب من الأرض في وجه من يراه أمامه، ويصطدم به، ثم يذهب مسرعًا لمسافة ويعود، وإن وجد ذلك الإنسان في مكانه، يلتهمه. أما العُراج فكان كما يقال يتواجد بكثرة في فترة الثمانينيات والتسعينيات والآن بشكل أقل عن السابق. يقول عبد الله: "رأيت عراجًا صغيرًا قبل ثلاث سنوات تقريبًا، أمسكوا به ووضعوه في قفص".

ويضيف: "هناك في منطقتنا حكايات أخرى عن بعض الأساطير، منها عفريت كبير اسمه مطربق الآذان، أذناه كبيرتان يصفق بهما بقوة، وهو من الأشياء التي كنا نخاف منها في طفولتنا".

وإلى الحوبان وهي منطقة تتبع إداريًا لمحافظة تعز وسط البلاد، حيث ذاع صيت الطاهش، وارتبط بمقولة شعبية مشهورة (ما هيش كسبه وسوطان، هذا طاهش الحوبان)، وسوطان بحسب القصة القديمة رجل كبير معروف بشجاعته وقوته، دخل في أحد الليالي إلى الحوبان رغم معرفته بخروج الطاهش الذي يأكل كل من يصادفه أمامه، وتصارع سوطان مع الطاهش وغلبه، وحين رآه الناس في السوق صباح اليوم التالي محملا بالطاهش وكأنه (كسبه)، و"الكسبة" هو اسم نوع من الأغنام، اندهشوا بشدة وذهبوا يرددون المقولة السابقة فشاع الاسم وانتشر.

من الشفاه إلى الكتب

وقد ورد تعريف لأسطورة "طاهش الحوبان" في مجموعة قصصية قصيرة للروائي والقاص اليمني زيد مطيع دماج حملت نفس الاسم (طاهش الحوبان) صدرت عام 1973، يقول مؤلفها: الطاهش هو حيوان مفترس يوجد في وديان اليمن الكبرى. وهو كما قيل مسخ ذئب وضبع، أي نتاج أنثى ضبع اتصل بها ذئب أو بالعكس. وكان أشهرها صيتًا هو ذلك الذي عُرف بطاهش وادي الحوبان. يقع الوادي بالقرب من مدينة تعز وتمر به القوافل الصاعدة إلى صنعاء والهابطة منها. والوادي في حد ذاته مؤهلٌ لتسكنه الوحوش الكاسرة، ففيه الكثير من الأحراش والمستنقعات والأدغال.. وما أن يخيم المغيب حتى تخمد فيه الحياة... وإذا ما سافر الإنسان فيه ليلًا ووحيدًا يعد من الأبطال المغامرين".

وهناك عديد الكتب والمؤلفات لباحثين ومتخصصين حول الأساطير اليمنية القديمة، وثقت لعشرات القصص والحكايات الشعبية الشفهية، حفاظًا عليها من النسيان أو الضياع، في كتابه (حكايات وأساطير يمنية) يقص علي محمد عبده، حكايات وأساطير تداولها اليمنيون شفهيًا ترمز للخير والشر والصراع المستمر بينهما ،ستجد في هذا الكتاب تشابهًا بين تفاصيل بعض الحكايات مع أخرى تتناقلها شعوبٌ أخرى، مثل: (وريقة الحناء)، التي تتداخل تفاصيلها مع الحكاية الشهيرة (سندريلا).

ومن المؤلفات التي تناولت الحكايات اليمنية القديمة ما جاء في كتاب (أساطير من تاريخ اليمن) لحمزة علي لقمان، وكتاب أروى عثمان "حزاوي وريقة الحناء". كذلك رصد محمد سبأ في كتابه "قصص من التراث اليمني" حكايات ارتبطت بالمعتقدات والمعارف الشعبية كحكايات الجن والمخلوقات الغريبة والكواكب.

"رصيف22 "

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى