الأفارقة يسعون إلى الطاقة النووية بدعم روسي

> واغادوغو بوركينا فاسو "الأيام" العرب:

> ​ووقعت حكومة بوركينا فاسو، الجمعة الماضي، اتفاقاً مع روسيا لبناء محطة نووية تغطي احتياجات السكان من الطاقة، وذلك على هامش أسبوع الطاقة الروسي الذي أقيم في موسكو وشارك فيه وزير الطاقة والتعدين والمحاجر البوركينابي سيمون بيير بوسيم. وأكد بيير بوسيم أنه "تم إبرام الاتفاقية لغرض تطوير محطات الطاقة النووية في بوركينا فاسو، ومن أجل معرفة إلى أيّ مدى يمكننا استخدام هذه الطاقة سلميا لتلبية احتياجاتنا لاسيما في ما يتعلق بالصناعة والطب والزراعة والأمن وغيرها".

وقالت شركة الطاقة النووية الروسية الحكومية “روساتوم” في بيان صحفي إن المذكرة تشكل الوثيقة الأولى في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية بين روسيا وبوركينا فاسو وأن الوثيقة تأتي “تجسيدا لرغبة رئيس بوركينا فاسو الكابتن إبراهيم تراوري التي أعرب عنها في يوليو الماضي خلال القمة الروسية - الأفريقية خلال مقابلة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين".

وفي نهاية عام 2020، كان 22.5 في المئة فقط من بوركينا فاسو (67.4 في المئة في المناطق الحضرية، و5.3 في المئة في المناطق الريفية) يحصلون على الكهرباء، وفقا لأرقام بنك التنمية الأفريقي. ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن الوزير بوسيم قوله "نخطط، إذا استطعنا، لبناء محطات للطاقة النووية بحلول عام 2030، من أجل حل مشكلة العجز في الطاقة".

كما أعلنت "روساتوم" أنها وقعت اتفاقاً مع مالي للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، بما في ذلك إمكانية إنشاء البنية التحتية النووية هناك، وقالت إن المذكرة الروسية المالية بشأن الطاقة النووية تحدد المهام ذات الأولوية وأدوات التعاون وتحدد مجالات العمل المشترك منها: تطوير البنية التحتية النووية في مالي، وزيادة الوعي العام بالتكنولوجيات النووية، وإجراء البحوث الأساسية والتطبيقية، وضمان الطاقة النووية، بالإضافة إلى السلامة الإشعاعية والجسدية وتدريب الموظفين وإنشاء مفاعلات بحثية ومحطات طاقة.

وجاء الاتفاق بعد ثلاثة أيام من مناقشة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مكالمة هاتفية مع رئيس الفترة الانتقالية في مالي آسيمي غويتا سبل تعزيز العلاقات الأمنية بين بلديهما، في ما يرجح مراقبون أن يتجه الضلع الثالث في تحالف دول الساحل وهو جمهورية النيجر لعقد اتفاق مماثل مع موسكو. ويرى المسؤولون الروس أن تقنيات محطات الطاقة النووية، تبدو قبل كل شيء، منخفضة التكلفة، حيث يمكن دمج المحطات في أنظمة الطاقة الصغيرة، وهي تمثل حلا إستراتيجيا معقولا لحكومات بلدان المنطقة. وهذا يمكن أن يوفر الدعم اللازم من ناحية الحجم والتكلفة، والأهم من ذلك قابلية التوسع في نظام الطاقة والاستقلال الاقتصادي الكافي.

ويقدر الخبراء أن يصل إجمالي الطلب على الطاقة النووية في منطقة الساحل والصحراء إلى حوالي 100 جيجاوات من محطات الطاقة النووية في الأفق حتى عام 2060. ولا يزال أكثر من 600 مليون شخص في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية يفتقرون إلى القدرة على الوصول إلى الكهرباء، وفق مدير مجموعة تحليلات الطاقة في روسيا سيرجي روزينكو.

وبحسب مديرها العام أليكسي ليخاتشيف تعرض شركة "روساتوم" على الدول الأفريقية مشاريع السيادة التكنولوجية وإدراجها في السلاسل التكنولوجية التي تنشئها روسيا. وقال ليخاتشيف “نحن نقدم مشاريع السيادة التكنولوجية المتعلقة بالسلسلة الكاملة لهذه الكفاءات، من التدريب إلى إنشاء المؤسسات هنا في القارة الأفريقية، وإدراج شركائنا الأفارقة في السلاسل التكنولوجية التي ننشئها في روسيا أو في بلدان صديقة أخرى".

ويرى ليخاتشيف أن "الضغوط التي تمارس على روسيا و’روساتوم’ لا تضعف نشاطهما، بل تعززه، فالعديد من الدول، استنادا إلى تجربة روسيا، تستخلص استنتاجات حول أهمية السيادة التكنولوجية وضرورة البحث عن شركاء، ولن يفعلوا ذلك بسبب الطموحات السياسية والتضحية بمصالح الدول الأخرى".

وأشار إلى أن "العديد من البلدان الأفريقية تبدي اهتماما وإمكانات كبيرة للطاقة النووية الروسية، فبالنسبة إليهم، تقدم ‘روساتوم’ حلولا مختلفة، ليس فقط المحطات الكبيرة، ولكن أيضا المحطات الصغيرة في البلدان التي لا يوجد فيها نظام طاقة متطور، والمحطات العائمة حيث هناك خط ساحلي طويل".

وكان ليخاتشيف قال خلال زيارته إلى محطة الضبعة النووية بمصر في يوليو الماضي إن “أعمال بناء المجموعات الثلاث الأولى لمحطة الضبعة النووية تسير وفقا للجدول الزمني المتفق عليه. وهناك أيضا أعمال تحضيرية جارية في موقع مجموعة الطاقة الرابعة، ونحن نتوقع قبل نهاية هذا العام أن نحصل على ترخيص لبناء المجموعة الرابعة من الهيئة المصرية للرقابة النووية والإشعاعية. بعد ذلك سنكون قادرين على صب الخرسانة الأولى، مما يعني بدء المرحلة الرئيسية لبناء المجموعة الرابعة".

وتعد محطة "الضبعة" أول مشروع كبير لشركة "روساتوم" في أفريقيا، وهي أول محطة للطاقة النووية في مصر، يقع بناؤها في محافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط، على بعد حوالي 300 كيلومتر شمال غرب القاهرة.

وفي أغسطس الماضي، أبرز معهد الشرق الأوسط بواشنطن أن "المغرب صار أكثر قربا نحو التعاون النووي مع الاتحاد الروسي من خلال توقيع اتفاقية مع شركة تابعة لشركة ‘روساتوم’، وهي الاتفاقية التي تم توقيعها على هامش القمة الروسية الأفريقية الثانية التي عقدت في يوليو الماضي في سان بطرسبرغ، لأجل التعاون في مجال تحلية مياه البحر وهي عملية تتطلب طاقة مكثفة للغاية وتحول تكاليف الطاقة الباهظة".

وأشار التقرير إلى أن "البادرة جاءت من شركة ‘روساتوم’، التي كانت تغازل الرباط لسبب وجيه وهو أن المغرب يتوفر على حوالي 73 في المئة من احتياطيات صخور الفوسفات في العالم، والتي تحتوي أيضا على ما يقدر بنحو 6.9 مليون طن من اليورانيوم؛ وهو أكبر إمداد متاح في أي بلد”، موضحا أنه “مع مواجهة المغرب وبقية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مستويات منهكة من ندرة المياه، يمكن أن تشكل مشاريع تحلية المياه التي تعمل بالطاقة النووية، بتكلفة معقولة، جزءا مهما من الحل لضمان المزيد من الإمدادات".

وفي يوليو الماضي، تم في سان بطرسبورغ، وعلى هامش القمة الروسية - الأفريقية، إبرام اتفاقية بين حكومة روسيا الاتحادية وحكومة جمهورية بوروندي بشأن التعاون في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، حيث تقدم موسكو مساعدة في إنشاء وتحسين البنية التحتية النووية في بوروندي، والتنظيم القانوني في مجال السلامة النووية والإشعاعية، وتنفيذ البحوث الأساسية والتطبيقية في مجال استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، وإنتاج النظائر المشعة واستخدامها في الصناعة والطب والزراعة، والتعاون في مجال تطبيق التقنيات الإشعاعية والطب النووي، وتعليم وتدريب المتخصصين في الصناعة النووية.

وتنص الاتفاقية على إنشاء لجنة تنسيق مشتركة، وتنفيذ مشاريع محددة وأبحاث علمية، فضلا عن تبادل الخبراء، وتنظيم الندوات والمؤتمرات، والمساعدة في تعليم وتدريب الكوادر العلمية والفنية، وتبادل الخبرات والمعلومات العلمية والتقنية وتوريد المعدات والمواد والمكونات. وقال وزير الهيدروليكا والطاقة والتعدين في جمهورية بوروندي إبراهيم أويزي "لقد زرت محطة لينينغراد للطاقة النووية. أنا معجب. نحن في حاجة إلى الاكتفاء الذاتي من الطاقة وسنوقع قريبا اتفاقية مع 'روساتوم' لتحقيق ذلك".

وصرح فيدل نداهايو، الرئيس التنفيذي لمجلس الطاقة الذرية في رواندا “في الوقت الحالي، لا يحصل سوى 70 في المئة من سكاننا على الكهرباء”. ويمكن للطاقة النووية تصحيح هذا الوضع “فالطاقة النووية تعني الموثوقية. الطاقة النووية لا تقتصر على المال فقط. وتشير جميع الدراسات إلى أنها تؤدي إلى النمو الاقتصادي في جميع مجالات الحياة".

وأوضح وزير المعادن في تنزانيا دوتو ماشاكا بيتيكو "لدينا بالفعل برنامج لليورانيوم، ولكننا نريد الآن أن ننظر إلى تقنيات جديدة من بلدان أخرى. نحن في حاجة إلى إضافة 10 في المئة إلى ناتجنا المحلي الإجمالي، واليورانيوم هو واحد منها. نريد بث حياة جديدة في مشاريعنا وندعو الجميع للقيام بذلك. وبما أن ما يقرب من 30 في المئة من شعبنا يعيشون تحت خط الفقر، فإننا نريد تحسين نوعية حياتهم. لدينا موارد طبيعية. لقد كافأنا الله بكل ما نحتاجه، لذلك سنحقق كل شيء".

في الأثناء تحظى شركات النفط والغاز الروسية بتمثيل مهم في البلدان الأفريقية. وعلى وجه الخصوص، تنفذ شركات لوك أويل وغازبروم وروسنفت مشاريع في الجزائر وأنغولا وغانا ومصر والكاميرون وكوت ديفوار ونيجيريا وجمهورية الكونغو وسيراليون وليبيا (مشاريع مجمدة) ودول أخرى، في ما قامت دول شمال أفريقيا (المغرب، تونس، ليبيا، مصر، الجزائر) بزيادة وارداتها من المنتجات النفطية الروسية عدة مرات. كما أصبحت جنوب أفريقيا أكثر جاذبية لمصدري النفط والمنتجات النفطية الروسية.

ويبلغ متوسط إنتاج الكهرباء للفرد في هذه البلدان أقل من 100 كيلوواط ساعة سنويا، وقد انخفض هذا الرقم على مدى السنوات العشر الماضية نظرا للنمو السكاني. وللمقارنة، يبلغ مستوى استهلاك الكهرباء حتى في الدول الأفريقية مثل مصر وجنوب أفريقيا 1500 و3600 كيلوواط ساعة للشخص الواحد سنويا، وفي دول الاتحاد الأوروبي حوالي 5000-10000 كيلوواط ساعة للشخص الواحد سنويا.

وتقول روسيا إنها تعمل بنشاط على تطوير التعاون مع الدول الأفريقية الصديقة. وتتمتع دول المنطقة والاتحاد الروسي بعلاقات جيدة ومثمرة، فضلا عن المساعدة المتبادلة في مختلف المجالات، وخاصة في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. وبحسب رئيس مجلس إدارة هيئة المحطات النووية بمصر أمجد الوكيل فإنه يمكن باستخدام الطاقة النووية تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتخفيف من آثار تغير المناخ. ويمكن أيضا استخدامها للحصول على الماء. ومن ثم، فإن الطاقة النووية توفر العديد من الفوائد لمصر وأهداف التنمية المستدامة للبلاد .

ويرى مراقبون أن ما تقوم به روسيا حاليا في هذا الاتجاه يشكل أهمية إستراتيجية كبرى بالنسبة إليها وإلى الدول الأفريقية التي لم تحصد شيئا من عقود خضوعها وتبعيتها للمستعمرين الغربيين، وخاصة الاستعمار الفرنسي الذي تبين أنه كان يستفيد من يورانيوم النيجر لتغذية محطاته النووية في ما يعاني حوالي 85 في المئة من النيجريين من الظلام الدامس ومن الغياب الكامل للكهرباء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى