إنتاج الطاقة من النفايات والخلايا الشمسية.. مبادرات خلاقة في اليمن

> مصطفى شعبان

> رغم سنوات من الإنهاك الاقتصادي والاجتماعي بسبب الحرب التي زادت وتيرتها منذ سيطرة مليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء صيف عام 2015، برزت في اليمن نماذج خلاقة لإعادة تدوير النفايات لإنتاج الطاقة.


وأسهمت الحرب بتدهور أحد أكثر البلدان فقرا لتمحو مكاسب عقدين من التنمية، حيث كان يحتل اليمن الترتيب 153 على مستوى مؤشر التنمية من أصل 189 في عام 2015 قبل احتدام الصراع.

وتراجعت مؤشرات التنمية مع استمرار وتيرة الصراع وتدهورت إلى 183 في 2020.

ويعاني اليمن من تدهور بيئي شديد، خاصةً تجمع النفايات وعدم معالجتها بما لها من تأثيرات سلبية على البيئة وصحة السكان، ولكن توجد مبادرات ومشاريع لحل المشكلة والاستفادة من النفايات في توليد الطاقة، ترصدها "العين الإخبارية" في هذا التقرير.

وقبل إطلاق عدد من المبادرات الخلاقة كان ما يقارب من 60 % من النفايات المنزلية لا يتم رفعها، ونسبة كبيرة من هذه الأكوام تكدس على قارعة الشوارع في المدن ومجاري الوديان في بعض المناطق.

في محافظة المهرة على سبيل المثال، تشكل النفايات خطورة مع هطول الأمطار، فالسيول المتدفقة في موسم التساقط تجرف النفايات وتتراكم في المصبات معرقلة سريان المياه، وينتهي الأمر بفيضان الوادي وإحداث أضرار بالمزارع والمنازل المجاورة.

مشروع الحديدة


"شعرت بإيجابية! وقد ساعدني هذا العمل على تأمين الدخل لتغطية تكاليف الوقود والغذاء وغيرها من السلع الأساسية لعائلتي"، هكذا عبر عمر البالغ من العمر 37 عامًا، الذي نزح من منزله أثناء النزاع، ونقل عائلته إلى الحديدة، عن أمله وسعادته بالمبادرة التي تتعلق بإنتاج الطاقة في محافظته.

لم يتمكن عمر من العثور على عمل منتظم منذ انتقاله ولكن هذا المشروع غيّر حياته وساعده المال على تنظيم دخله ووضع الطعام على طاولته لعائلته.

تأثرت مدينة الحديدة كسائر مدن اليمن بالحرب، بما في ذلك التخلص من النفايات وتوفير الكهرباء، في وقت تعاني فيه المدينة من ارتفاع مستويات البطالة، والأسوأ من ذلك أن عدم القدرة على التخلص من النفايات بأمان يسبب تفشي الأمراض الفتاكة مثل حمى الضنك والملاريا.

وتنتج الحديدة أكثر من 350 طنًا من النفايات يوميًا - أو 990 مترًا مكعبًا – ولكن مع القدرة المحدودة للسلطات المختصة، لا تستطيع إدارة النفايات في المدينة وبالكاد تستطيع التخلص من نصفها.

وبدون الطرق المنتظمة والآمنة للتخلص من النفايات المنزلية والصناعية، فإنها تتراكم وتملأ الشوارع مما يسبب عقبات خطيرة يجب على المواطنين وخاصة أن عليهم عبورها بحذر خلال تنقلاتهم اليومية.

في عام 2020، وضع البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة مشروعا مبتكرا في مدينة الحديدة على الساحل الغربي ليس للتخلص من النفايات الصلبة فحسب، بل لاستخدام تلك النفايات لتوفير الكهرباء في بلد هو في أمسّ الحاجة إليها.

يساعد المشروع على ضمان توفير طاقة أكثر أمانًا ونظافة للمجتمع المحلي، فضلا عن الحد من النفايات المتراكمة في الشوارع، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تفشي الأمراض الوبائية.

ويعالج المشروع ثلاث مشاكل رئيسية في الحديدة:


- خلق فرص عمل للناس المتضررين في المدينة، ومساعدتهم على البقاء على قيد الحياة واكتساب مهارات لا تقدر بثمن خلال فترة صعبة للغاية.

- إعادة استخدام النفايات الصلبة لخلق الطاقة الحيوية للمدينة، وهي طريقة صديقة للبيئة لخلق الطاقة المتجددة.

- تشجيع المجتمع المحلي والقطاع الخاص والحكومات على تسريع الحلول اللازمة لسبل العيش والاستدامة البيئية التي تتسم بالابتكار والاستدامة.

محطة لحج

نفذت الأمم المتحدة في سبتمبر عام 2021 بالتعاون مع الشركاء، مبادرة إنشاء أول مصنع لتحويل النفايات إلى طاقة في اليمن في محافظة لحج بالجنوب، وذلك للتخلص الآمن من النفايات وإنتاج الطاقة في نفس الوقت.

ونقل مركز إعلام الأمم المتحدة، عن محمد سلّام، المتخصص بالطاقة المتجددة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن هذه المبادرة هي جزء من أنشطة مشروع لدعم سبل العيش والأمن الغذائي في اليمن، في مرحلته الثانية، حيث كانت المرحلة الأولى لتعزيز القدرة على الصمود في اليمن.


وأشار سلام مشيرا إلى أن هذا المشروع يتكون من أربعة مكونات، هي: سبل العيش، التماسك المجتمعي، الحوكمة المحلية، الطاقة.

وقال المسؤول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن مبادرة تحويل المخلفات إلى طاقة هي إحدى الأنشطة ضمن الهدف الثاني، والمبادرة ركزت على نقطتين رئيسيتين، الأولى هي مشكلة الطاقة في اليمن والثانية هي مشكلة المخلفات الصلبة.

وأوضح أن هذه المبادرة في الأساس هي عبارة عن شراكة ما بين القطاع الخاص والقطاع العام، يعمل القطاع الخاص على إدارة هذه المحطة وتشغيلها، حيث تقوم نقاط الجمع الأساسية بجمع المخلفات من مصادرها الأساسية ومن ثمّ ترسلها إلى موقع المحطة، وتم تزويد المحطة والمستفيدين منها بحوالي سبعة أو ثمانية من مركبات "التوك توك" التي تعمل بالطاقة الشمسية، حيث تستخدم المبادرة المصادر الخضراء، بعيدا عن الوقود.

وتنتقل النفايات عبر التوك توك إلى مجموعة الفرز الموجودة عند المحطة نفسها، وتقوم مجموعة الفرز، بفرز المخلفات لكل نوع وحده، ثم وزنها وبيعها.

الطاقة الشمسية في عدن

يقع اليمن في قلب الحزام الشمسي العالمي، ويعد من أغنى الدول بالطاقة الشمسية.

ويشهد اليمن تنفيذ مشروع طاقة شمسية جديدة، يعد من أوائل المشاريع للطاقة المتجددة على مستوى اليمن المرتبطة بالشبكة العامة للكهرباء.

من المتوقع أن تكون محطة عدن أكبر محطة طاقة شمسية في اليمن، الذي بدأ التوجه نحو إنتاج الطاقة النظيفة لتأمين احتياجات مواطنيه من الكهرباء في ظل ارتفاع أسعار الوقود، وتقادم محطات توليد الكهرباء التقليدية.

ووقّع اليمن، ممثلًا في وزارة الكهرباء والطاقة، في21 ديسمبر (2022)، اتفاقية تنفيذ المشروع مع شركة "مصدر" الإماراتية لطاقة المستقبل.

ونشرت وسائل إعلام يمنية محلية صورا تكشف حجم الإنجاز في محطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في عدن، التي يجري تنفيذها بتمويل إماراتي.

وقالت تقارير محلية إنه تم إنجاز أعمال الحفر وتثبيت الأعمدة الحديدية بالأرض، وجزء كبير من الشبكة المخصصة لحمل الألواح الشمسية.

وفي مارس 2023، وصلت إلى عدن أولى المواد اللازمة لبناء المحطة المقدمة من الإمارات.

وذكرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية أن محطة الطاقة الشمسية ستكون بقدرة 120 ميغاوات.

وسبق أن شهدت مدن يمنية، خصوصا عدن احتجاجات متعددة، تنديدا بانقطاع التيار الكهربائي، ما ضاعف من المعاناة الإنسانية.

الطاقة المتجددة في اليمن

يتواصل في اليمن العمل بدعم من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية بالتعاون مع المنظمات الإنمائية الدولية والقطاع الخاص دعم إعادة بناء معامل تدوير النفايات وتشجيع المهتمين بهذا النشاط من خلال منحهم القروض الميسرة بل والبيضاء، والتفكير في عملية الاستفادة من معالجة النفايات في إنتاج الطاقة.

وبرز سياق الطاقة المتجددة في اليمن بوصفها من أبرز حلول قطاع الكهرباء الذي عانى كثيرًا مع تراجع الإنتاج وزيادة عدد ساعات فصل التيار.

ووقّع اليمن في 2022 اتفاقية لتنفيذ مشروعات باستخدام الطاقة المتجددة، من بينها مشروعات طاقة شمسية جديدة، في عدّة محافظات.

وحمل المشروع اسم "استخدام الطاقة المتجددة لتحسين جودة الحياة في اليمن"، في 5 محافظات، وهي تعز وحضرموت وأبين ولحج والساحل الغربي، ضمن جهود تحقيق أقصى استفادة من الإمكانات الداخلية والموارد الطبيعية، في ظل أزمات ضخمة تتعلق بقطاعات الكهرباء والمياه.

ويشارك في المشروع الذي تبلغ تكلفته 2.1 مليون دولار، البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، وبرنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند"، بالإضافة إلى مؤسسة صلة للتنمية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى