السياسة الأمريكية بشأن غزة والشرق الأوسط تبدأ في الانهيار

> واشنطن "الأيام" «القدس العربي»:

> ​وصف محللون أمريكيون الرحلة الأخيرة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط بأنها «فشل مذل» وقالوا إن النيران اندلعت في السياسة الخارجية الأمريكية.

وأكد المحللون أن بلينكن حاول بيع الكثير من الأكاذيب والخدع الدبلوماسية بناءً على «ضوء أخضر» من الرئيس جو بايدن، كما اقترح بعض الإجراءات الهزلية للتخفيف من المعاناة الجماعية في فلسطين وغزة ولكن كل ما سمعه كان الرفض.
هذا الرفض، بالنسبة للعديد من المحللين، يعني نهاية استراتيجية بايدن الفاشلة منذ البداية في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من الهدايا المجانية التي قدمها بايدن لإسرائيل مع حزمة مساعدات عسكرية ضخمة تبلغ قيمتها 14 مليار دولار، إلا أن نتنياهو ماطل في طلب إقامة «هدنة إنسانية» في غزة، وهي على أي حال فكرة غامضة لجعل إسرائيل تتوقف لفترة وجيزة عن القصف الدموي والغارات لتسمح بدخول الغذاء والماء والدواء إلى غزة، ولا يصل هذا الطلب إلى مستوى وقف إطلاق النار.

وبالنسبة لإدارة بايدن، لا بد أن الهدنة الإنسانية بدت طريقة أنيقة لربط المطالب المتناقضة لإسرائيل وشركاء واشنطن العرب بشأن غزة. ومع ذلك، فور لقائه مع بلينكن يوم الجمعة، رفض نتنياهو ذلك، وفقاً لمجلة «نيشن» الأمريكية، التي لاحظت، أيضاً، أن مسيرة نتنياهو المهنية تتضمن إذلال نائب الرئيس آنذاك بايدن في عام 2010 ببناء المستوطنات في القدس عندما كان بايدن هناك لدفع استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وهذا يعني أنه من غير اللائق عدم توقع ذلك.

ولم يكن أداء بلينكن أفضل مع الدول العربية وتركيا، ففي اجتماعه مع نظيريه المصري والأردني في عمان، زعم بلينكن أنهم متحدون في السعي إلى «إنهاء هذا الصراع بطريقة تضمن السلام والأمن الدائمين في المنطقة» لكن خلاصة كلامه كانت أن وقف إطلاق النار الفوري الذي طالبوا به «سيترك ببساطة حماس في مكانها، قادرة على إعادة تجميع صفوفها وتكرار ما فعلته في السابع من أكتوبر».

جاء ذلك بعد أن هاجم وزير الخارجية المصري سامح شكري سياسة «الكيل بمكيالين» الأمريكية فيما يتعلق بالدمار الذي تسعى لوقفه في أوكرانيا والدمار الذي ترغب في السماح به في غزة، «وكأن الدم العربي أقل من دماء الشعوب الأخرى».

وعندما طار بلينكن في وقت لاحق إلى أنقرة، وجد الرئيس رجب طيب اردوغان ذريعة لزيارة البحر الأسود ورمى بلينكن على وزير خارجيته.

حسب ما ورد، أشار بلينكن إلى إخراج سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من موقفها التفاعلي بعد 7 أكتوبر، كان أول طريق له لتأكيد القيادة الأمريكية هو تقديم رؤية لما سيأتي بعد العقاب الجماعي الذي فرضته إسرائيل على غزة – والذي وصل يوم الإثنين الماضي إلى استشهاد 10 آلاف شخص – من خلال إعادة الالتزام خطابيًا بحل الدولتين.

وبدلا من ذلك، تحدث المسؤولون في الشرق الأوسط معه وكأنه واهم، وسأل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي وهو يقف بجوار بلينكن «كيف يمكننا حتى أن نفكر بما سيحدث في غزة عندما لا نعرف أي نوع من غزة سيبقى بعد انتهاء هذه الحرب؟ وهل سنتحدث عن أرض قاحلة؟ هل سنتحدث عن تحول عدد السكان بأكمله إلى لاجئين؟».
  • التصعيد في أيدي الأمريكيين
كان المسار الثاني الذي سلكه بلينكن لقيادة الولايات المتحدة هو تعزيز إصرار بايدن على ألا تتحول حرب غزة إلى حرب إقليمية – وهو ما يشكل خطراً حقيقياً للغاية. وفي زيارة للعراق لم يعلن عنها مسبقاً، حث رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على اتخاذ إجراءات ضد الميليشيات المدعومة من إيران، بما في ذلك التحالف المسلح الجديد الذي يطلق على نفسه اسم «المقاومة الإسلامية في العراق» والذي كان يطلق طائرات بدون طيار، والصواريخ على القواعد التي تديرها الولايات المتحدة في غرب وشمال العراق وشرق سوريا.

ووفقاً لقراءة وزارة الخارجية لاجتماع الأحد الماضي، فإن السوداني، الذي أثبت اهتمامه بواشنطن، كان يرغب في مناقشة كيفية ضمان «عدم تهجير الفلسطينيين قسراً خارج غزة». وكان ينبغي لهذا أن يُخبر بلينكن أن التصعيد في أيدي الأمريكيين بقدر ما هو في أيدي الإيرانيين.

وقال محللون أمريكيون إن كل يوم من دون وقف لإطلاق النار، ومع معاناة الفلسطينيين الواضحة، يشكل تحدياً هائلاً لإيران، التي ترتكز استراتيجيتها الإقليمية على كونها «محور مقاومة» لهيمنة الولايات المتحدة، وخاصة إسرائيل، الدولة العميلة لواشنطن، وقد كان الهدف من هجمات الأسابيع القليلة الماضية على القواعد الأمريكية من قبل وكلاء إيرانيين هو إبلاغ واشنطن بأن موافقتها على الهجمات الإسرائيلية على غزة تعرض القوات الأمريكية للخطر، كما أن الخطاب الذي طال انتظاره يوم الجمعة من حسن نصر الله، زعيم حزب الله، والذي ألقاه أثناء وجود بلينكن في إسرائيل، لم يصل إلى حد الدخول بشكل حاسم في الصراع بينما أوضح أنه يحتفظ بالحق في القيام بذلك مع استمرار الحرب الإسرائيلية. ومع اقتراب لبنان بالفعل من حافة الانهيار وانحدار الحدود الشمالية لإسرائيل إلى جبهة ثانية بطيئة الحركة، فمن المتوقع أن تتفاقم الأزمة إذا استمرت الولايات المتحدة في رفض وقف إطلاق النار.

ولاحظ العديد من المحللين أن إدارة بايدن، قبل شهر واحد فقط، كانت تعتبر نفسها على وشك إعادة اصطفاف إقليمي رسمي كان من شأنه أن يؤدي إلى اعتراف السعودية بإسرائيل من دون شرط الرياض المسبق طويل الأمد المتمثل في حرية الفلسطينيين، وقد مثل هذا الوهم تتويجاً لاستراتيجية ما بعد حرب العراق التي بدأت في عهد باراك أوباما وشحنت بقوة في عهد دونالد ترامب.

وبدلاً من ذلك، وكما كان متوقعاً، كان العقاب الجماعي الذي فرضته إسرائيل على فلسطين ـ مع عملية التطهير العرقي ـ سبباً في تمزيق التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، الأمر الذي شهد على حماقة التضحية بالفلسطينيين مرة أخرى في سبيل الأوهام الأمريكية المتعلقة بالنظام الإقليمي. وفي يوم الإثنين الماضي، وبينما كان بلينكن يستعد لمغادرة تركيا في جزء من رحلته التي ستأخذه إلى طوكيو وسيول ونيودلهي، أعلنت إيران أنها ستحضر قمة مكتب المؤتمر الإسلامي الأسبوع المقبل في الرياض والتي تركز على إنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة. فالتنافس الإقليمي بين إيران والمملكة العربية السعودية، الذي كان قطباً طويلاً في خيمة الاستراتيجية الأمريكية على مدى العقد الماضي، توقف مؤقتاً، الأمر الذي ترك الولايات المتحدة معزولة على نحو متزايد بسبب عدم رغبتها في كبح جماح إسرائيل.

وكما اقترح الصفدي، من السابق لأوانه التكهن بما سيتبع حطام تلك الاستراتيجية الأمريكية. كل شيء، من مصير غزة إلى احتمالات نشوب حرب إقليمية يمكن أن تمتد جبهاتها في أي مكان من اليمن إلى سوريا، يعتمد على تغيير بايدن مساره وفرض ضبط النفس على إسرائيل. وقال بلينكن في تركيا يوم الإثنين: «أحد القواسم المشتركة التي سمعتها طوال هذه الرحلة هو ضرورة المشاركة الأمريكية والقيادة الأمريكية. كل دولة أتحدث إليها تتطلع إلى أن نلعب دورًا قياديًا في دبلوماسيتنا لمحاولة إحراز تقدم في كل هذه الجوانب المختلفة للأزمة» لكن بلينكن تجاهل مطالب محاوريه ما يطلبه.

وقال محللون إن سياسة بايدن الخارجية عالقة في فخ كماشة من تصميمها الخاص، عالقة بين التزامات لا يمكن التوفيق بينها تجاه الإسرائيليين والعرب والأتراك، حيث أقنعت الإدارة نفسها لمدة ثلاث سنوات بطريق إلى شرق أوسط مستقر ومؤيد لأمريكا. ولا يزال هناك وقت لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى