أدوارُ المرأة في عدن تنويرا وتحريرا.. كيف وثّقتها سُعاد العلس؟

> أحمد الأغبري:

>
​يُمثلُ كِتاب «نساء عدن ـ تنوير وتحرير» الصادر مؤخرا للباحثة العدنية، سعاد عقلان العلس، وثيقة تاريخية مهمة؛ انطلاقا من كونها تُعيد الاعتبار لتاريخ النساء في عدن، وثانيا باعتباره يتتبع، برؤية واضحة، إسهاماتهن في مساري التنوير والتحرير، خلال مرحلة الثورة على المستعمر البريطاني؛ وهي مرحلة ورؤية تكاد تكون غائبة في كتاب واحد، على رفوف المكتبة اليمنية، قبل صدور هذا الكتاب.

يقرأ الكتاب، الصادر في أكثر من ثلاثمئة صفحة من القطع الكبير، بإمعانٍ تفصيلي واعٍ بخصوصية المهمة، دور المرأة في الثورة على الاستعمار؛ وهي مرحلة الريادة، التي تصدّرت لها نسوةٌ كان لهن باع في تحقيق حضور ومشاركة فاعلة للمرأة العدنية في الحياة العامة؛ ومِن خلالهن استطاع الكتاب تقديم قراءة مكثفة لمرحلة مهمة في تاريخ التنوير في عدن.

تقول المؤلفة: «ارتأيت رغم وعورة الفكرة أن أركب الصعب، وأطلق سهما أحدّ من هذا الزمن، يثقب جدار الصمت الأصم، الذي ران على دور المرأة في الثورة على الاستعمار، علّ مزلاج باب صدئ يفتح لي لألج هذا العالم المذهل، الذي كانت فيه المرأة في عمق مرجل جمر الثورة، تحمل ثقل ماض شامخ، كلما ذكرنا ليشرق فينا، أظلم الحاضر أكثر».

في تقديم الكتاب، الذي نراه مرجعا وثائقيا ونقديا لمرحلة مهمة من تاريخ ثنائية النساء والثورة هناك، يقول الأكاديمي العراقي عبدالحسين شعبان، إن الباحثة عقلان بدأت بهذا الكتاب مشروعها البحثي التاريخي «بتدوين مرحلة مهمة من التاريخ النضالي في جنوب اليمن، من خلال سيرة عدد من النساء اللواتي ساهمن في الحركة الوطنية اليمنية بمختلف تياراتها، وبقدر ما للمصادر التاريخية من أهمية، خصوصا لما هو مكتوب في حينه، أو في ما بعد، فإن القراءة الارتجاعية والرؤية النقدية التي حاولت أن تعكسها سُعاد باطلاعنا على نصوص وحوارات وسير، وما تردد شفاها على ألسنة اللواتي قابلتهن أو تابعت مسارهن، أعطت نكهة متميزة أخرى لعملها البانورامي»ّ.

واعتبر، «أن مبادرة سعاد في توثيق وأرشفة وكتابة أحداث ومواقف وحكايات نضال المرأة مهمة لجهة قراءة التاريخ؛ لأن كثيرا من أبطالها والشواهد عليها يرحلون تباعا أو تضعف ذاكرتهم، ولكيلا يحصل فراغ تاريخي فقد لجأت إلى العودة للبحث في تراث الحركة الوطنية، وموقع النسوة فيه، ودورهن الفاعل في أدق مفاصله، وأحلك ظروفه، في إطار مشروع ثقافي أرادتْ أن تجعله في دائرة الضوء كي لا يطويه النسيان، أو يصبح من الصعب بمكان حفظه أو تدوينه بعد حين».

توزع الكتاب إلى ستة فصول، تناول الفصل الأول «مرهصات الحركة الوطنية والتحررية» وتوقفت فيه سعاد أمام فترة الحكم الاستعماري البريطاني منذ عام 1839، وما كان يُمارسه من سياسات استدعت ردود فعل. وفي السياق استعرضت مدى تأثير الأحداث الإقليمية، خاصة المد القومي العربي، بما فيها تأثير ثورة 23 يوليو المصرية، وانتقالا إلى حركة المرأة وبدايات ظهورها، بدءا من دورها في الاحتجاج، وهو ما تبلور في دورها في الصحافة، وصولا إلى مكانة المرأة في المجتمع العدني الحديث، ومناقشة أثر العلم عليها، وتوقفا عند مناقشة موضوع الحجاب للانتقال إلى دور المرأة في الجمعيات النسوية.

في الفصل الثاني اشتغلت الباحثة على «بدء الحركة الوطنية في الظهور الميداني» وانطلقت فيه من بدء إضراب طالبات كلية البنات في خور مكسر في عدن، واستعرضت مطالب طالبات الكلية، ومطالب طلبة كلية عدن وغيرها، وصولا إلى الزحف الشعبي نحو المجلس التشريعي. أما في الفصل الثالث فتناولت «بدء تكوين الأحزاب السياسية» وناقشتْ فيه دور المرأة في الأحزاب، والرعيل الأول من المناضلات اللواتي شكلن تجربة كان لها ما بعدها في تعزيز دور المرأة في المجتمع والحياة السياسية.

أما الفصل الرابع فخصصته لـ»رائدات التنوير في عدن» وهنا استعرضت رائدات التنوير في عديد من المجالات، التي كان للمرأة فيها دور ريادي وفاعل ومؤثر.

في الفصل الخامس ناقشت واقع «القيادات النسوية في الحركة الوطنية والتحررية»؛ وفيه توقفت عن رائدات الحركة الوطنية، وأضاءت مرحلة مهمة من مراحل النضال النسوي.

فيما تناولت في الفصل السادس، وهو محطة مهمة في الكتاب، «مناضلات حرب التحرير» وفيه استعرضت سير وشهادات عدد من القيادات والنساء اللواتي شاركن في حرب التحرير، واعتمدت على الوثائق والمقابلات وغيرها في تدوين سير هؤلاء المناضلات، بما فيهن مناضلات الصف الثاني في تنظيم الجبهة القومية وتنظيم جبهة التحرير في عدن وأبين ولحج.

وتتعزز، من خلال هذه السرديات، أهمية هذا الكتاب، الذي يقدّم قراءة منصفة لمرحلة مهمة في تاريخ المرأة العدنية وتوثيقا لدورها الريادي في خدمة التحرر والتنوير، من خلال أسماء كان لها قصب السبق في ما تحقق لاحقا. ضم الكتاب ملحقا مهما لصور من صفحات الصحف وصور لنسوة وقوائم من الأسماء النسوية… ليصبح من خلالها هذا الكتاب توثيقا تاريخيا مهما ومرجعا لا يمكن الاستغناء عنه في قراءة دور المرأة في عدن ومساهمتها في خدمة المجتمع في البدايات المبكرة، وذلك من خلال أعمال جليلة قدمنها خلال الثورة، وفي مسار التنوير، على صعد وفي مجالات مختلفة سجلت فيها المرأة هناك حضورا مؤثرا ومبكرا.

دَرستْ سعاد العلس في مدارس عدن، وأكملت الدراسة الجامعية في كلية التربية العليا هناك، وحازتْ دبلوم التربية في مدينة دريسدن بألمانيا الشرقية سابقا.
القدس العربي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى