"هجرين الحضارم" بوابة اليمن التاريخية تنتظر تقدير الحاضر

> جمال شنيتر

> في ديسمبر من عام 2006، زار رئيس الحكومة اليمنية الراحل عبدالقادر باجمال ومعه المدير العام لمنظمة "اليونيسكو" كوشيرو ماتسورا، مدينة "الهجرين" التاريخية بوادي حضرموت الكبير بجنوب شرقي اليمن، ضمن الخطوات الهادفة إلى إعلانها محمية تاريخية عالمية.
وأتت تلك الزيارة بعد أسبوع فقط من إعلان الحكومة اليمنية "الهجرين" محمية ثقافية تاريخية على المستوى الوطني.

وبعد نحو عقدين من ذلك التاريخ، لم تبارح تلك المدينة التاريخية مكانها، ولم يتحقق شيء من قرار الحكومة اليمنية ومنظمة "اليونيسكو" بإعلانها محمية تاريخية عالمية.

الوادي الخصيب


و"الهجرين" في منطقة مديرية دوعن التابعة لمحافظة حضرموت، تتخللها أودية وجبال ضخمة، وتعد المدينة واحدة من أعرق مدن حضرموت التاريخية والثقافية.

ويعتبر وادي دوعن من أهم أودية حضرموت، بل من أوديتها الرئيسة، ويعد أحد أكبر الأودية الجنوبية التي تصب شمالا إلى وادي حضرموت الخصيب، ويشكل الوادي مساحة واسعة حيث ينقسم إلى الواديين الأيمن والأيسر، ويضم على جانبيه عديدًا من المدن والقرى.

ويمتاز الوادي بطبيعة آسرة خلابة، فالقرى والمدن تنام في أحضان الجبال، وتحيط بها أعداد كثيرة من أشجار النخيل ومساحات زراعية واسعة خضراء، إضافة إلى عديد من أشجار السدر وغيرها من الأشجار المتنوعة، فتظهر للناظر من الأعلى كأنها لوحة فنية رسمت ببراعة، كما ينعم الوادي ببيئته الزاهية النقية، وبمصادره المائية الطبيعية المتنوعة كمياه الآبار والعيون والغيول مما يضيف جمالًا أخاذًا.

بوابة الدخول

ويشير د. محمد بن هاوي باوزير أستاذ التاريخ القديم بجامعة "عدن" إلى أن "الهجرين" أهم المناطق والمواقع الأثرية بوادي دوعن حيث ينتشر، أيضا، كثير من المناطق التاريخية والمواقع الأثرية، ومنها حريضة والقره والمشهد وواحة ريبون وصيلع، وكلها مناطق وقرى ومواقع متقاربة. ويضيف في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن "الهجرين" بوابة الدخول إلى أعلى وادي دوعن الأيمن والأيسر وهي بوابة الخروج منه أيضاً، على رغم وجود منافذ أخرى للدخول والخروج منه، وتعتبر "الهجرين" من أجمل مدن الوادي، بل هي من أقدم مدن حضرموت المشهورة بأنماطها المعمارية الطينية التقليدية ومساكنها وقلاعها السكنية المحصنة بحصونها الدفاعية لأغراض الحراسة والسكن الموقت.

حضور في الشعر الجاهلي

ويتابع أستاذ التاريخ "الهجرين في نطق الحضارمة كانت هجرن أو هجر، والهجر في لغة النقوش المسندية الجنوبية، جنوب شبه الجزيرة العربية، اسم مدينة أو قرية، ولأنها منطقة أثرية تاريخية، تسعى الجهات المعنية بحضرموت إلى إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي مثل ما سبق أن حدث لمدينة شبام حضرموت وجزيرة سقطرى، وكان لوادي دوعن حضور في الشعر الجاهلي، وذلك من خلال ذكر بعض القرى مثل دمون والهجرين وصيلع الهجرين، ومن ذلك قول الشاعر الشهير امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، وهو المنتمي لدمون الهجرين:

"تطاول الليل علينا دمون دمون إنا معشر يمانون وإننا لأهلنا محبون".

ويوضح بن هاوي، "وتعني يمانون في قول امرؤ القيس أي الجهة الجغرافية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وهو قادم إليها من شمال أو أواسط الجزيرة العربية، أما دمون فأرض زراعية خصبة، وهي البوابة والواجهة لوادي دوعن الشهير بإنتاج العسل"، ويضيف "من أقوال الشاعر نفسه امرؤ القيس: كأني لم ألهُ بدمون ليلة... ولم أشهد الغارات يومًا بعندل".

وعندل بلدة تاريخية قديمة على مدخل وادي عمد أحد أودية حضرموت الشهيرة التي لا تزال عامرة إلى اليوم، أما "صيلع الهجرين" فهي قرية صغيرة تقع بمحاذاة "الهجرين" جنوبًا، وبنيت على قمة جبل "صيلع" الذي ورد ذكره في سيرة امرؤ القيس التاريخية، حين أتاه بنبأ وفاة أبيه إذ قال "ضيعني صغيًرا وحملني دمه كبيرًا لا صحو اليوم ولا شرب غدًا اليوم خمر وغدًا أمر".

وخلص بن هاوي إلى القول إن النقوش والمخربشات القديمة اكتشفت في ضواحي "الهجرين"، داعيًا إلى البحث والتنقيب في وسطها نفسها حيث لا يستبعد وجود مخلفات أثرية من نقوشات قديمة.

التاريخ الإسلامي

وتطرق بن هاوي إلى مكانة "الهجرين" العلمية في فترة ما بعد الإسلام قائلا "الهجرين في فترة ما بعد ظهور الإسلام كانت عامرة بالعلماء والمشايخ والنبغاء، وكان يسكنها مشايخ آل عفيف المنتسبون إلى عفيف الكندي الذي وفد إلى رسول الله واسمه شرحبيل الملقب بعفيف الكندي عم الأشعث الكندي، كما سكن الهجرين آل محفوظ الكنديون، ومنها وائل بن حجر الصحابي الجليل، وإلى وائل بن حجر الذي انتسب العلامة المؤرخ ابن خلدون صاحب التاريخ المشهور والمقدمة العظيمة المعروفة بمقدمة ابن خلدون، ومن الذين ذاع وشاع ذكرهم وشعرهم في الآفاق من شعراء الهجرين الشاعر عمر بن عبدالله بن مخرمة الجوهي السيباني، الذي تغنى كثيراً بدوعن ومدنها وقراها ووديانها، بخاصة مسقط رأسه الهجرين، وبن مخرمة من بيئة علم وفقه وقضاء وأدب وشعر في حضرموت، وله من الأبناء عبدالله الملقب بالشافعي الصغير، لأنه كان نابغة في الفقه الشافعي في عصره. وكانت الهجرين ودوعن بشكل عام أرضًا وإنسانًا وطبيعة وحياة بكل صفاتها ونقائها وتاريخها العتيق الممتد في عمق الزمن شاهدًا، وفي سفر التاريخ ماض، وفي تألق الحاضر تخلقًا ونماء بكل ما تحمله الكلمة من معنى".

قرار لم ينفذ

واستمرت السلطات المحلية المتعاقبة في مديرية دوعن بمتابعة تفعيل وتنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر، عام 2006، الذي أقر إعلان مدينة "الهجرين" التاريخية محمية تاريخية وثقافية.

وبحسب مدير مكتب الثقافة في المديرية محمد بن صويلح "جرى تشكيل لجنة متابعة برئاسة محافظ المحافظة للحفاظ على الموروث الثقافي لهذه المدينة والتماشي مع قرار اعتمادها ضمن قائمة المدن التاريخية على المستوى الوطني ومرشحة وطنية لتسجيلها ضمن قائمة سجل مدن التراث العالمي"، وأسف صويلح لعدم تنفيذ قرار إعلان "الهجرين" محمية تاريخية عالمية، وتجاهل تاريخها ومكانتها القديمة كمسقط للشاعر الجاهلي امرؤ القيس الكندي، وموطن قوم عاد ووجود مستوطنة ريبون الأثرية التي تعود إلى ما قبل التاريخ، لافتًا إلى أن قرار مجلس الوزراء و"اليونيسكو" بإعلان "الهجرين" مدينة تاريخية لم يحظ بأي اهتمام مركزي على رغم مرور أكثر من عقدين من الزمن.

إجراءات محلية

وكشف مدير مكتب الثقافة عن حزمة إجراءات عملت عليها السلطة المحلية ومكتب الثقافة، منذ عام 2006، بإعداد ملف خاص عن "الهجرين" لتقديمه إلى منظمة "اليونيسكو"، كما رفع مقترح للمحافظ لتشكيل لجنة من المحافظة والمدير العام للمديرية والمدير العام للهيئة العامة للمتاحف بساحل محافظة حضرموت لتحريك ملف إدراج المدينة ومتابعته مع الحكومة ووزارة الثقافة والإعلام والسياحة، وحل ومعالجة الإشكاليات والمعوقات التي كانت تواجه ملف إدراجها ضمن المدن التاريخية العالمية، كما يتمثل الدور الآن في تنظيم حملة إعلامية كبيرة بالتنسيق مع وسائل إعلام محلية وعالمية بما من شأنه تفعيل الملف للوصول نحو إلحاق المدينة بقائمة التراث العالمي.

جرس الإنذار


وحذر ابن صويلح من تعرض المدينة لتشويه وتدمير بعض معالمها الحضارية وعمارتها الطينية الأصيلة، منوهًا بأن رئيس الوزراء الراحل باجمال والوفد المرافق له في زيارته، عام 2006، اطلعوا على الطابع المعماري التاريخي السائد في هذه المدينة، وقد انتقد رئيس الوزراء بعض الإضافات التي تجري في بعض المنازل، التي تسهم في تغيير الملامح والواجهات التاريخية للمدينة، وبعض الأعمال التي تشوه طابعها المعماري.

وناشد مدير مكتب الثقافة سرعة التدخل الحكومي للحفاظ على هوية "الهجرين" من خلال العمل على سن وتشريع قرار بمنع البناء الأسمنتي الذي يعتبر بناء مدمرًا ومشوهًا لفن العمارة الطينية التراثية في هذه المدينة التاريخية، والحفاظ على ما تبقى من نمط البناء القديم لمساجد المدينة، بعد أن شهدت المساجد القديمة، في السنوات القليلة الماضية، توسعة مدنية أدت إلى اختفاء النمط التقليدي للعمارة الإسلامية، إضافة إلى شق طريق للمدينة يكون أكثر سهولة عند الصعود إليها، حيث تشكل العقبة الحالية، وخصوصا الشرقية، خطورة من حيث شدة انحدارها، مع ضرورة شق طريق للوصول إلى المعالم والآثار المتبقية فوق جبل المنيصور لسهولة زيارتها من قبل السياح الأجانب والمحليين، والتعرف على معالم وآثار هذه المدينة، وتسوير تلك الآثار للحفاظ عليها وحمايتها من الاندثار، كما لا بد من الاهتمام بمباني المدينة الطينية بالصيانة الدورية بتجديد جدرانها وسطوحها بمادة الطين والنورة لحمايتها من الأمطار التي تهطل على الوادي خلال السنة، وترميم البيوت القديمة لحمايتها من السقوط.

"اندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى