“كالسردين ولأول مرة أطلب الطحين”.. غزيون: أكثر الأماكن أمناً أقربها من القصف.. أو تحته

> «الأيام» القدس العربي:

>
عمليات القصف المتواصلة منذ الجمعة، وإعلانات الجيش الإسرائيلي من خلال المنشورات التي تسقط من الجو، والرسائل المسجلة التي تتدفق في قنوات الراديو، وتغريدات المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، التي لا تلتقط إلا في دقائق قليلة لا تكاد تتوفر فيها شبكة إنترنت في مناطق معينة… كل ذلك واصل أمس حث سكان القطاع على الانتقال نحو الجنوب، أقصى الجنوب قرب الحدود مع مصر، وإلى الغرب قليلاً نحو منطقة الشاطئ في خانيونس، رغم أن السفن الحربية، حسب السكان، قصفت خانيونس أيضاً من البحر.

قناة “الجزيرة” تنشر على شاشتها صور الدمار. في جباليا، هذا هو القصف الثاني خلال يومين في مخيم اللاجئين والشيخ رضوان وفي جباليا ومدينة حمد الجديدة شمال خانيونس وشرقها، وفي المدينة نفسها. من الصعب متابعة كل التقارير عن جميع المناطق التي تم قصفها. ففي الوقت الذي تكتب فيه هذه السطور قد يكون هناك قصف في مكان آخر، ستنتج منه صور جديدة: حفر كبيرة وحولها أشخاص لا يصدقون ما يرون، سحب من الغبار يخرج من بينها طفل وهو يصرخ، مبان بلون سكني طويت وانهارت على رؤوس سكانها، وجموع من الرجال يحاولون إنقاذ أحد من بين كتل وقضبان الحديد، مصابون مبعثرون على شارع صلاح الدين بعد إصابتهم بنيران الدبابات، بعد ذلك المستشفيات – المصابون الذين ينزفون والقتلى المستلقون على الأرض والحمالات التي عليها أجسام صغيرة والأسرة التي عليها أطفال بترت بعض أعضائهم وهم يبكون وفي حالة صدمة.

معطيات عدد القتلى التي تنشرها وزارة الصحة في غزة، التي هي تحت مسؤولية حماس، تستمر في الارتفاع. إسرائيليون لا يصدقون ذلك، لكنهم لا يشاهدون البث الحي لقناة “الجزيرة” وغيرها. المتابعة الملاصقة لهذه التقارير تخلق وهم القرب والمشاركة وتزيد الشعور بالشلل المطلق إزاء القتل. الوصف اللفظي بديل بائس.

يتم النشر هنا وهناك عن معارك بين مسلحي حماس وجنود الجيش الإسرائيلي. أما تفاخر حماس بإصابة دبابة إسرائيلية أو بصواريخ أطلقت نحو تل أبيب الكبرى، لا صلة لها بالحفر الموجود في الأحياء السكنية التي قتل سكانها، وبالأحياء التي تم قطع واجهاتها مثل كعكة زفاف تم قطعها طولاً.

الجمعة الماضي، كتبت لي صديقة اسمها نورا، وقالت إن الجيش الإسرائيلي أمرهم بالانتقال إلى الجنوب. غادرت وزوجها بيت حانون إلى مخيم جباليا للاجئين. أخذت المعارك والقصف في الاقتراب، ولذلك بقوا في المخيم. زوجها فضل الانتظار ليوم آخر، وبعد ذلك قال إنه يجب المغادرة نحو الغرب أو الجنوب على طريق الشاطئ. السبت، ندما وقررا البقاء؛ فقد سمعا أن أشخاصاً وهم في مسار النزوح تم إطلاق النار عليهم، وسمعا عن مناطق تم قصفها.

بعد قصف جباليا السبت، كتبت لي بأن القصف كان قريباً جداً. الآن “هم يلقون علينا قنابل الدخان كي نغادر. ولكن لا أحد ينوي المغادرة”. لا أحد يجبرهم على البقاء، لكن يتبين أن ما ينتظرهم في الطريق نحو الجنوب يخيفهم أكثر من البقاء في ملجأ داخل المخيم الذي يتم قصفه. وقد أرسلت لي صورة لها وهي تركب عربة يجرها حمار عندما ذهبت للبحث عن الطعام، وصورة أخرى لأحفادها وابنها البكر في برلين. وكتبت أيضاً بأن ابنتها انتقلت إلى دير البلح وأنها “الآن نادمة”، بسبب الاكتظاظ الكبير في المدرسة التي تحولت إلى ملجأ، وبسبب الإهانة التي تشعر بها جراء العيش مع بضعة آلاف بدون مراحيض وكهرباء ومياه وتقريباً بدون طعام. بعد قصف جباليا، الأحد، لم أسمع شيئاً من نورا أو حتى من ابنتها. أعتقد بأن سبب ذلك عدم توفر إنترنت.

في ظهيرة الأحد، صديقة أبلغت صديقاً مشتركاً بأنها وأبناء عائلتها سيتركون خانيونس إلى الجنوب. وقد كانت تدير في المدينة مركزاً نسوياً، الذي أصبح منذ بداية الحرب مأوى لحوالي 600 نازح. حصلوا على 50 وجبة كل يوم من المساعدات التي يجب أن توزع على الجميع. ما الذي سيحدث لهؤلاء الـ 600؟ هل سينزحون مرة أخرى إلى رفح؟ مساحة رفح 63 كم مربع. قبل الحرب كان يعيش فيها 280 ألف نسمة. الاكتظاظ المتوسط فيها من الأدنى في القطاع، 4.18 نسمة لكل كيلومتر مربع، حسب معطيات الأمم المتحدة. وحتى الجمعة، كان عدد النازحين في رفح حوالي المليون شخص. وربما يشملون أيضاً سكان رفح الذين هربوا من الشرق أو الذين تضررت بيوتهم في عمليات قصف بيوت قريبة.

“من نزحوا من غزة إلى خانيونس يواصلون النزوح إلى رفح، ولا مكان لاستيعابهم الآن”، قال ماهر الذي هو نفسه نزح مرتين؛ مرة من غزة إلى بيت عائلته ومرة أخرى عند قصف البيت القريب من بيته حيث انتقل إلى بيت شقيقه في حي آخر. “نحن محظوظون”. وقد قال إنهم يعيشون في شقة وليس في منشأة عامة للجوء. كم هو عدد الأشخاص المحتجزين ويتجمعون الآن في رفح؟ كم عدد الأشخاص الذين يعتقد الجيش الإسرائيلي بأنه قادر على حشرهم في رفح؟ مليون و100 ألف شخص؟ مليون و300 ألف شخص؟ إذا كان الرقم مليوناً فإن متوسط الاكتظاظ 15.87 نسمة لكل كيلومتر. وإذا كان مليوناً و300 ألف فهو 20.63 نسمة لكل كيلومتر. “سردين”، كتب شخص لصديقته القديمة التي تعيش في تل أبيب. سردين بدون مياه وبدون طعام.

“للمرة الأولى في حياتي سجلت كي أحصل على الطحين، وقد خجلت من ذلك”، قال ماهر. وقد سجل أيضاً كنازح في مركز توزيع الأونروا من أجل الحصول على رزمة غداء. يحصل المسجلون على رزمة تضم علبتي تونا وعلبتي بازلاء، مرتين في الأسبوع. في الوقت الذي كنا نتحدث فيه كنا نسمع أصوات الانفجارات وقذائف المدافع من الشرق، نسمع صليات غريبة لإطلاق النار. تبين أن الشرطة الفلسطينية (نعم، التابعة لحماس) حاضرة في مراكز توزيع الغذاء؛ لأن الناس يتشاجرون على الوجبات التي لا تكفي للجميع. هي تحاول فرض النظام وتعاقب التجار الذين يرفعون الأسعار وتغلق محلاتهم ليوم أو يومين.

أمس، قصفت إسرائيل منزلاً يبعد 500 متر عن بيت ماهر. ثلاثة من أبناء هذا البيت قتلوا. لم يتذكر ماهر أن يحدثني بالأمر إلا بعد أن سألته عن ذلك. أن تسكن على بعد 300 أو حتى 100 متر عن البيت الذي تم قصفه أصبح هذا مكاناً آمناً. “كلنا نخاف، وصوتي الهادئ لا يعني بأنني لست خائفاً”.

عميره هاس
هآرتس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى