صحيفة عبرية: المعركة الفاصلة في خان يونس.. إما السنوار أو إسرائيل

> «الأيام» القدس العربي:

> في اليوم الـ 59 للحرب في قطاع غزة أطلقت ظهر أمس رشقة صواريخ نحو تل أبيب الكبرى. سجل خلال اليوم بين حين وآخر إطلاق الصواريخ على النقب الغربي، وأطلقت رشقة نادرة نسبياً في الفترة الأخيرة نحو منطقة بئر السبع. مخازن الصواريخ لدى حماس تفرغ بعد أشهر من القتال، ويبدو أن حماس تجد صعوبة في الإطلاق من شمال القطاع وتحاول إدارة “اقتصاد ذخيرة” من خلال مزامنة الرشقات مع أماكن استراتيجية في الجبهة الداخلية الإسرائيلية. باختصار، حماس تواصل القتال، ولا يبدو أنها تريد إلقاء سلاحها على المدى القريب.

يحدث هذا رغم التقدم في عمليات الجيش الإسرائيلي البرية. في شمال القطاع، تحتل الفرقة 36 حي الشجاعية بالتدريج، وهي المنطقة الأخيرة لحماس التي لم تتم معالجتها بعد من الأرض. قائد كتيبة حماس المحلي ومعظم قادة فصائله قتلوا في عمليات القصف التي رافقت العملية. المقاومة الفلسطينية حتى الآن، في حي الشجاعية ومخيم جباليا للاجئين، الواقع شمالها، حيث تعمل الفرقة 162، لا ترتكز إلى وحدات كبيرة ومنظمة. تنشط هناك خلايا صغيرة للمسلحين التي تخرج بين حين وآخر من الأنفاق وتحاول ضرب قوات الجيش الإسرائيلي.

المس بقيادة حماس العملياتية يتعمق. قتل نحو نصف قادة كتائب حماس، وأصيبت نسبة مشابهة من قادة المنظومات في المستوى الموازي. في الوقت نفسه، يبدو أن هناك نجاحاً عملياتياً متزايداً في مس منهجي بمنظومة أنفاق حماس. معظمها لم يتضرر، ولكن الجيش الإسرائيلي يعمل الآن بصورة أكثر فعالية لتدمير الأنفاق ويقلص قدرة حماس بالتدريج على أن تنقل فيها قوات بين شمال القطاع وجنوبه. وزير الدفاع يوآف غالنت قال أمس إن “حماس تقترب من نقطة الانكسار” في شمال القطاع.

أما جنوبي القطاع، فيبدو أن العملية العسكرية موجهة الآن نحو هدف مركزي واحد، وهو مدينة خان يونس ومخيم اللاجئين القريب منها. منذ بداية الحرب وإسرائيل تعطي إشارات بتمركز قادة حماس، يحيى السنوار وكبار قادة حماس، الذين يجدون مخبأ لهم تحت الأرض هناك حيث الكتائب العملية الأساسية لحماس، وهي أربع كتائب لم تتضرر حتى الآن، ولا يبدو أن تآكلاً ما قد أصابها؛ لأنها لم تشارك في القتال الكثيف مع الجيش الإسرائيلي. في اليومين الأخيرين ينشر الفلسطينيون عن عمليات قصف متزايدة من الجو في خانيونس، وعن حركة أولية لقوات الدبابات الإسرائيلية من شرق المدينة.

قبل انهيار وقف إطلاق النار، كان هناك حوار حثيث بين إسرائيل والولايات المتحدة على المستوى السياسي والقنوات العسكرية أيضاً حول طبيعة نشاطات الجيش الإسرائيلي في خان يونس، إزاء حركة نحو مليون لاجئ فلسطيني من شمال القطاع نحو الجنوب؛ تركز كثير منهم في مدينة خانيونس ومحيطها. الإدارة الأمريكية طلبت من إسرائيل الاهتمام بتجنب القصف الجوي للأهداف كما فعلت في بداية العملية البرية في الشمال وضمان نشاطات فعالة لممر إنساني من مصر؛ لإدخال المساعدات إلى القطاع. سيتبين في الأيام القريبة القادمة ما إذا كانت إسرائيل قد فرضت على نفسها القيود وإذا كان هذا الأمر يعيق أو يعقد العملية البرية في خانيونس.

اختيار خان يونس لا يبدو صدفة؛ إذ يظهر بوضوح أنها عملية إسرائيلية هدفها خلق ضغط على مجموعة معينة، وهي السنوار وكبار القادة حوله. بعد ضرب رموز سلطة حماس في مدينة غزة وتدمير القواعد والمواقع والوزارات الحكومية، ثمة محاولة للتأثير على القيادة. اقتراب القوات البرية من المدينة سيزيد الخطر على المدنيين الفلسطينيين وسيصعب نقل المساعدات الإنسانية. أمس، طلب الجيش الإسرائيلي من سكان بعض الأحياء في شرق المدينة الإخلاء نحو الغرب. ومن غير الواضح أيضاً إذا كانت حماس ستسمح للسكان بالهرب من المنطقة مثلما حدث في شمال القطاع. هذه عملية ستضطر قيادة حماس العليا، السياسية والعسكرية، لإدارتها من خلال التخطيط الدقيق.

إن مأساة المخطوفين المحتجزين في القطاع ستتفاقم في ظل العمليات العسكرية. في الواقع، هناك 110 مخطوفين منهم تم إطلاق سراحهم، من خلال المفاوضات المضنية، لكن بقي بحوزة حماس أكثر من 130 مخطوفاً (بعضهم أعلن بأنهم قتلى في أسر العدو). عائلات المخطوفين الباقين تعرف أنه لا يوجد “وقف منهجي”. منذ اللحظة التي عاد فيها الجيش الإسرائيلي إلى القتال، سيصعب وقف الآلة العسكرية المتقدمة. وفي ظل المعارك وظروف الأسر القاسية، سيزداد الخطر بشكل كبير على حياة المخطوفين. في المقابل، رأت العائلات كيف أن النضال الجماهيري الحازم أدى إلى إطلاق سراح الـ 110 مخطوفين، الذي ظهر في البداية كاحتمالية مستحيلة. هي لن تتوقف عن الاحتجاج، وهي محقة بهذا.

بعد بذل الكثير من الجهود، تم تنظيم لقاء اليوم بين ممثلي العائلات ورئيس الحكومة نتنياهو و”كابينت الحرب”. من المرجح أنهم سيسمعون من نتنياهو بأن العملية العسكرية ستقرب إعادة المخطوفين، ويمكن الافتراض أنهم سيصدقون. عملياً، تم تجميد الاتصالات، وهناك شك إذا كانت حماس ستوافق في القريب على إجراء مفاوضات مركزة بدون أي تغيير حقيقي على صورة القتال تجبرها على ذلك.

كلما طالت الحرب وتعقدت، ستركز إسرائيل أكثر على المس بيحيى السنوار؛ لكونه المخطط والقائد لمذبحة 7 تشرين الأول، ولتأثيره على بلورة الخط القتالي المتشدد لحماس ضد إسرائيل. ثمة تفكير بأن إخراج السنوار، وربما زمرته، من الصورة سيمكن من فرض تغيير في موقف حماس فيما يتعلق بمواصلة القتال. مع ذلك، يجب الإشارة إلى أن طريقة تحقيق هذا الهدف غير واضحة، وأن إسرائيل تميل منذ سنوات كثيرة للبحث عن “صور انتصار” رمزية، لا تؤدي إلى انتصار فعلي في الحرب بشكل عام.

نقطة الضعف هذه تضاف إلى رفض نتنياهو الحازم للنقاش مع الأمريكيين حول ما سيحدث في القطاع في اليوم التالي للحرب بعد هزيمة حماس (التي من غير الواضح إذا كانت ستتحقق)، وبتصميمه على أن السلطة الفلسطينية لن تكون جزءاً من الحل. تحاول الإدارة الأمريكية تجاوز المشكلة من خلال نقاش حول التغييرات التي ستمر فيها السلطة، ولكن الفروقات غير قليلة. فالرئيس، خلافاً لموقف عدد من كبار الإدارة الأمريكية، غير مستعد للدعوة بشكل علني إلى وقف إطلاق النار؛ لأنها خطوة ستقوض دعمه لمصداقية حرب إسرائيل. السؤال هو: هل سيتمسك بهذا الموقف ولو تعقدت المعركة في جنوب القطاع أكثر؟ غياب هدف استراتيجي واضح للحرب يخلق عدم وضوح للجيش ويصعب على التنسيق الملاصق مع الولايات المتحدة، وربما يعمل أكثر على تآكل التسامح الدولي مع خطوات إسرائيل في جنوب القطاع.

       خصم حازم ومتطرف

إن استئناف القتال في القطاع أعاد المواجهة على الحدود الشمالية إلى ما كانت عليه. أمس، أعلن “حزب الله” بأنه هو المسؤول عن عشر هجمات ضد القوات الإسرائيلية على طول الحدود مع لبنان، عن طريق إطلاق الصواريخ وقذائف المدفعية وقذائف مضادة للدروع. ولم تسجل أي إصابة في هذه الهجمات. تستمر إسرائيل في إلحاق الخسائر بـ “حزب الله” بضرب خلايا الإطلاق، لكن يجدر الانتباه إلى أن معظم المصابين هم كما يبدو من قوات الأمن الجاري لـ”حزب الله”، وقلائل منهم فقط من قوة “الرضوان”.

التطور الدراماتيكي في المنطقة يتعلق بما يحدث حول اليمن، حيث الحوثيون يزيدون هجماتهم على المواصلات البحرية في بحر العرب والبحر الأحمر. لم تعد هذه مشكلة إسرائيلية فحسب؛ فإطلاق المسيرات والصواريخ في الحقيقة وجه ضد سفن بملكية إسرائيليين بشكل مباشر أو غير مباشر، لكنه أضر أيضاً بسفن أخرى ووجه أيضاً نحو قوة المهمات الأمريكية. شركة “تسيم” سبق وأعلنت عن تغيير مسار سفنها التي تبحر من الشرق الأقصى إلى إسرائيل مع الدوران حول إفريقيا. الهجوم الحوثي هذا قد يشوش على حركة الملاحة في قناة السويس ويزيد من كلفة الملاحة، ثم التسبب بزيادة واضحة في تكلفة الاستيراد لدول كثيرة.

رويداً رويداً، أصبحت هذه مشكلة للولايات المتحدة، التي سيتعين عليها آجلاً أم عاجلاً التغلب على تحفظاتها والتورط في احتكاك مباشر مع الحوثيين، الذين هم خصم عنيد ومتطرف، يصعب تخويفه بإلحاق المزيد من المعاناة في الدولة التي هي في الأصل في أدنى كل مؤشر اقتصادي عالمي. قد يكون هذا عمل ائتلاف دولي. في الوقت نفسه، حان الوقت لأن تتعامل الولايات المتحدة وحلفاؤها أيضاً مع من تمول وتعزز الحوثيين و”حزب الله” بدون أن تدفع عن ذلك أي ثمن؛ أي إيران.

 عاموس هرئيل

 هآرتس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى