(المجراد)

> من آلاف السنين الماضية.. في حدود 3 ألف سنة، وما حولها، أكثر أوأقل، في الكتابات التي دونت، عرفنا منها أن ناس العصور الغابرة كانوا يتخذون من الجراد، ذلك الوحش الصغير المدمر لكل أنواع المزروعات وجبة شهية يتغنون بلذة مذاقها، بالذات حين يحمصونها بعد التخلص من أجنحتها التي لا حاجة لها !! وجبة شهية وفيرة ومجانية.. ويقال مفيدة وصحية أيضًا لما تحتويه من نباتات متنوعة مما "يقرطه" الجراد في تجمعاته المهولة المهاجمة لكل ما تنتجه الأرض من مزروعات!!

في بلادنا أذكر أنني قد شهدت تداول الجراد في بيع وشراء منذ أكثر من 50 سنة خلت، كان كثير من الناس يستطعمون مذاقها ويقبلون على تناولها!! تدخل إلى عدن في جواني (شوالات) وتباع جاهزة أو نية، مجمرة أو محمصة أو مسلوقة.. ويتبادلون حكايات منافع الجراد الصحية، بعدما يكون قد جرد أراضينا من مزوعاتها إلى أن تدخلت السلطات في حملات المكافحة الشاملة للجراد بالمبيدات، وحتى بواسطة طائرات رش المبيدات على الحقول، حيث يرتع الجراد ويترندع. فأمن الناس على مزروعاتهم.. وحرموا من وجبة طابت للكثيرين وافتقدوها!!

في الذاكرة الجمعية تتجلى عبقرية الناس في ابتكار الأسماء وإطلاقها على المسميات.

لعل ما أذكر منها هو إطلاق اسم "المجراد" على خورمكسر، بسبب وجود مطار فيها حين دخلت الطائرات إلى الخدمة في عدن، في بدايات القرن الماضي.. لأن الطائرات تطير.. وكذلك الجراد.. ابتكر الشعب اسم المجراد وأطلقوه على خورمكسر، حيث تطير وتحط الطائرات تمامًا مثل الجراد!!

في الطريق الذي يوصل بين عدن والشيخ عثمان، لابد لنا من المرور بالمجراد، المطار، ذلك قبل شق الطريق البحري الذي يربط الشيخ ببقية عدن.. كنا نواجه خشبة توجيه المرور التي توقف السيارات قبل الدخول إلى خورمكسر "المجراد" سابقًا، وقت إقلاع أو هبوط أي طائرة.. وفي ذلك الموقف يكثر تواجد باعة المجلجل، والحلي، والمشبك، والكاتيا، والغريبات الملبنة... وخلافه من أصناف الحلوى التي يتصدرها كذلك القرمش والمضروب من لحج الخضيرة.

با قرمش وبا مضروب

قرمش حل من شافه

سعبب سيل السعبوب

وكنا نحن الصغار نفرح بتلك الوقفة المجيدة التي تجبر الأهالي على شراء الحلويات لنا.. وشكرًا للطائرات المحلقة أو الهابطة، ففي كل الحالات نكسب نحن من الوقفة.. من ينسى المجلجل، والحلي، والمشبك، وحلوى اللبن من لا يذكر؟؟ وكل ذلك كان صناعة محلية خالصة قبل شوكولاتات ومقرمشات هذه الأيام بكل أصنافها وتنوعها.

على الطريق قبل الوصول إلى الخشبة يقع حوض، أو بركة ماء لشرب الجمال والخيول. قبل دخول السيارات وحتى بعده كانت وسيلة المواصلات الأساسية هي تلك الجواري، خيل أو جمل، كله يمشي.. "وأمام البركة يقع نادي الجولف ومساحاته الشاسعة، وفي ناحيته العليا مقر سباقات الخيل التي تنصب خيامها في مواسم السباق.. قبل ذلك نكون قد مررنا بملاحات الفارسي، وطواحين الهواء، وأحواض الملح المعروفة باسم السولت بانس، ومنها اشتقت عبقرية الوعي الجمعي لتحرف الاسم إلى ما نعرفه اليوم باسم "الصولبان"، Salt Pans .

وحر يا ثور.. كله على قرنك كما يقول المثل..

حيث يقع المطار، وقع بعد عقد ونصف حادث أليم هناك خلال معرض للطيران، رتبته قوات سلاح الطيران الملكي البريطاني، وأثناء الطيران خلال الاستعراض وقعت طائرتان (على ما أذكر) من الجو، محترقتين، فوق بيوت معسكر شامبيون لاينس (اسمه الآن معسكر الفتح، أو النصر، أوشيء من هذا القبيل).. في ذلك الوقت كان الطريق البحري قد أنجز.. وسكهنا من كل ذاك الداوي.. لكننا حرمنا من حلويات الخشبة.. كما حرم المحبون للجراد من طعمه قبلنا.. وتلاشى اسم المجراد الافتراضي، الذي أطلقه الناس على منطقة خورمكسر ومطارها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى