أهداف الجيش الإسرائيلي في غزة.. بين وعود السياسيين وخلافاتهم ونفاد الوقت

> «الأيام» القدس العربي:

> مع كل صباح تنشر الصحف صوراً لقتلى الجيش الإسرائيلي، معظمهم من الاحتياط، يقتلون في المعارك داخل قطاع غزة. تقدم العملية البرية لا يؤدي إلى تقليص حجم الخسائر، ومقاومة حماس ما زالت حازمة في جزء من القطاعات. يبدو أنه لا يمكن لحماس وقف هجمات الفرق في أي منطقة يتم فيها تنفيذ ذلك، لكن خلايا صغيرة لرجالها يكبدون من الجيش الإسرائيلي يومياً ثمناً للتقدم والسيطرة على مناطق أخرى، شمالي القطاع وجنوبه.

 رغم الخسائر فإن هيئة الأركان راضية جداً عن إنجازات القتال، الذي يجري في معظمه ببطء وحذر. في كل يوم قتال منذ استئناف العملية البرية في 1 كانون الأول، قتل عشرات من رجال حماس وأصيبت مواقع عسكرية، وتم تدمير أنفاق والعثور على سلاح. كما سجل أمس استسلام لعشرات الفلسطينيين، من بينهم أعضاء في حماس، هذه المرة في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، وفي خان يونس. ولكن ثمن نقاش حساس يجري في الاستوديوهات حول أن الحديث هزيمة حماس سابق لأوانه. فتقاطع الأحداث حول احتلال مناطق جديدة واستسلام متقطع وأحداث الكثيرة في جنوب القطاع بسبب مشكلات في تزويد الغذاء، إنما يعكس مشكلات متزايدة تواجهها السلطة في القطاع. مع ذلك، لا دليل مقنعاً عن انهيار قريب لحماس.

 استمرار التقدم العسكري الذي يبرز خصوصاً في خان يونس، يجعل خطوات إسرائيل تركز على القتال نفسه. هذا يحدث على حساب الجهود المبذولة لإطلاق سراح المخطوفين المتبقين وعددهم 137. يبدو أن الحكومة وجهاز الأمن يتصرفان في هذا الأمر بوتيرة بطيئة رغم إلحاح عائلات المخطوفين ورغم خطر يهدد المخطوفين بالموت في الأسر وفي بعض الحالات تقتلهم حماس بشكل متعمد. لم تنطلق حتى الآن أي مفاوضات حول صفقة أخرى بوساطة قطر. إسرائيل الرسمية تتمسك الآن بادعاء يقول إنه زيادة الضغط العسكري هي ما تؤدي إلى ليونة في مواقف حماس وإطلاق سراح مخطوفين آخرين.

 المعارك على الأرض تعزز تقدير هيئة الأركان بأنه يمكن، على المدى البعيد، تحقيق هدف تفكيك قدرات حماس العسكرية والتنظيمية في القطاع. ويتعلق تحقق ذلك بالجدول الزمني – قدرة الجيش الإسرائيلي على مواصلة الهجوم على الأرض بقوة كبيرة، ثم تغيير طريقة العمل إلى الاقتحامات، في الوقت الذي تنتقل فيه معظم القوات العسكرية قرب الحدود مع القطاع.

لكن حتى لو تمسك الجيش الإسرائيلي بتنفيذ خططه، فإن نقطة الضعف تتعلق بملاءمة تطلعاته مع الجمهور الذي تلقى وعوداً من القيادة السياسية بتدمير حماس وإعادة جميع المخطوفين وإعادة إعمار بلدات الغلاف، مع إزالة التهديد الأمني عنها. هذه أهداف طموحة، وواضح أنه لن يتم تحقيقها جميعها في الفترة الزمنية الأولية، بضعة أسابيع، التي ستوافق عليها إسرائيل بضغط من أمريكا.

 الصعوبات الاقتصادية الآخذة في الازدياد والعبء على جنود الاحتياط والتوقعات الأمريكية، كل ذلك يؤثر على تقليص مدة العملية في القطاع. في هذه الحالة، ستواجه الحكومة والجيش صعوبة مزدوجة؛ فجزء واسع من الجمهور يرى أولوية لإطلاق سراح المخطوفين، وأن أي تأخير في إعادتهم سيظهر كفشل ذريع. من جهة أخرى، كثيرون يطلبون هزيمة حماس بشكل كامل، ويعتبرون تقليص القوات مع الوعد باستكمال المهمة في المستقبل، هو تملص من قبل القيادة لتحقيق الأهداف التي وعد بها في بداية الحرب.

 إسهام المحتجين

بعد كارثة 7 تشرين الأول والفشل الذي سمح بحدوثها، اتبع كبار ضباط الجيش خطاً موحداً في الظهور أمام الجمهور؛ فقد تحملوا المسؤولية عما حدث (الأمر الذي لم يكلف رئيس الحكومة نفسه بشكل واضح عناء القيام به حتى الآن)، ووعدوا بإجراء تحقيق في هذه الإخفاقات بعد انتهاء الحرب. بعضهم أعطى إشارات بأنهم ينوون تقديم استقالاتهم عند انتهاء المعارك. هل سيكون تغيير مضمون العملية في القطاع، كانون الثاني على الأرجح، هو الوقت المناسب للبدء في التحقيقات.

 يتضح بالتدريج أن الجواب إيجابي. في هيئة الأركان يقولون إنه منذ اللحظة التي ستخف فيها قوة القتال فإنه سيكون هناك مجال للبدء في التحقيقات. عملياً، صادق رئيس الأركان هرتسي هليفي في السابق على إجراء عدة تحقيقات معينة تتعلق باستخلاص الدروس ذات الصلة بتحسين أداء الجيش الإسرائيلي أثناء الحرب. تم هذا في جوانب محددة لنشاطات سلاح الجو، ووحدة جمع المعلومات 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية (ثارت عاصفة في الداخل حول قضية الرسائل في البريد الإلكتروني والتحذيرات التي أرسلت من قبل ضابطة الصف “ف” عشية الحرب)، والاعتبارات التي تتعلق بقضية المخطوفين.

 في مرحلة تالية، خطط الجيش لدمج طواقم تحقيق داخلي كثيرة مع طواقم خارجية ستشكل من الضباط المتقاعدين، ستفحص الأحداث من وجهة نظر نظامية. من القضايا التي هي بحاجة إلى فحصها وبأولوية كبيرة “الإسهام العسكري لاستراتيجية إدارة النزاع مع الفلسطينيين في العقد الأخير؛ وأحداث 6 تشرين الأول عشية هجوم حماس الدموي المفاجئ؛ ونظرية الدفاع عن حدود قطاع غزة؛ والرد المتأخر لهيئة الأركان وقيادة المنطقة الجنوبية على انقضاض حماس على الكيبوتسات وحفلة “نوفا”؛ وأحداث رئيسية في الحرب نفسها”.

من المرجح أن عدداً غير قليل من الضباط في هيئة الأركان سينفذون إعلانهم ويقدمون استقالاتهم. في هذه الأثناء، لا يظهر أن رئيس الأركان ينوي فرض استقالة سريعة على أي منهم. في الخلفية توتر كبير بين من يتولون المناصب الرفيعة في القيادة السياسية والأمنية؛ فنتنياهو ووزير الدفاع لا يتحدثان معاً إلا بنقاشات عملياتية. ورئيس الحكومة ومحيطه، بعضهم علنياً وآخرون سرياً، يعملون لإلقاء مسؤولية الفشل على المستوى المهني فقط.

هذا التوتر قد ينفجر، لا سيما عندما يتغير مضمون العملية في غزة، مع خيبة أمل في أوساط الجمهور لعدم تحقيق أهداف الحرب كلها. هنا سيتعين على هيئة الأركان التصرف بحكمة. وحتى لو لم يتحمل الجنرالات المسؤولية عن الأخطاء الفظيعة التي ساهمت في الكارثة، فعليهم ألا يناموا على الجدار من أجل نتنياهو والمستوى السياسي، الذين لهم إسهام كبير في الكارثة. ثانياً، إن استقالة سريعة لرئيس الحكومة، ما بقي في منصبه، ستحثه على محاولة السيطرة على عملية التعيينات والتأثير على إشغال المناصب الرفيعة التي سيتم إخلاؤها بضباط يريدهم (رغم أن لغالانت أجندة مختلفة).

العداء في مثلث نتنياهو – غالانت – الجيش الإسرائيلي، لم يبدأ في 7 تشرين الأول؛ بل سبق ذلك فترة غير مسبوقة، تسعة أشهر، التي هز فيها رئيس الحكومة الدولة في محاولته تمرير قوانين الانقلاب النظامي، ولم يخجل من الإساءة لمكانة الجيش على خلفية معارضة جنود الاحتياط لهذه الخطوة. عملياً، تم تقييد هرتسي هليفي مرتين: الأولى عندما تفاجأ ووجد نفسه على رأس الجيش الذي شكله سلفه أفيف كوخافي، الذي استبدله في منتصف كانون الثاني. والمرة الثانية، حين كرس رئيس الأركان الجديد معظم الوقت الذي مر منذ ذلك الحين لجهود الاحتواء لمواجهة هجوم نتنياهو على الجيش الإسرائيلي.

ثمة أمر واحد أصبح واضحاً بالتأكيد، وهو أنه لولا تصميم هليفي على احتواء احتجاج رجال الاحتياط وعدم معاقبتهم بكل قوة (الطيارون بشكل خاص) الذين هددوا بعدم التطوع، لدخل الجيش الإسرائيلي الحرب من نقطة أسوأ. الصورة التي اختارها رئيس الأركان لاحتواء غضب رجال الاحتياط، بعلاج الاحتجاج بحذر ودرء التصعيد، خففت التأثير الفوري على أداء الجيش والأجواء السائدة فيه.

 رجال الاحتياط المحتجون عادوا للخدمة في 7 تشرين الأول، عن آخرهم. ويمكن السماع عن إسهام الطواقم الجوية في أمن القوات التي تقاتل على الأرض في كل محادثة مع جنود المشاة والمدرعات الذين يخدمون في القطاع. ولو جُرت هيئة الأركان لمحاولة رئيس الحكومة تصعيد الأزمة في صفوف الجيش خلال الصيف، لاضطر الجيش الإسرائيلي إلى مواجهة الهجوم المفاجئ من نقطة انطلاق أسوأ بكثير.

 عاموس هرئيل

 هآرتس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى