​الشاعر محمد سعيد جرادة باحثًا

> يحيى قاسم سهل:

> يصف الأستاذ عبد الرحيم الأهدل في تقديمه للجزء الأول من الأعمال الكاملة للشاعر محمد سعيد جرادة، شعر الشاعر محمد سعيد جرادة بـ (الرسم الصادق للشعر الأصيل).
ويضيف الأهدل: (والشاعر محمد سعيد جرادة بحاثة طلعة عميق يمتح من الثقافة العربية...).

والجرادة هو الشاعر العالم، والعالم الشاعر، والجرادة هو الشاعر المؤرخ .. ونظرة عميقة في تراث الجرادة الشعري والنثري تثبت ذلك بصورة لا تقبل الجدل.

وقد ولد الشاعر محمد سعيد جرادة عام 1927 في مدينة الشيخ عثمان، ودرس اللغة العربية على يد فضيلة الشيخ أحمد محمد العبادي، ثم شق طريقه في حياة الأدب والمعرفة بفضل مجهوده الشخصي في القراءة والاطلاع.
وبدأ نظم الشعر في سن الثالثة عشر، واشتغل في سلك التدريس 25 عامًا ثم موجهًا فنيًا فمديرًا للتوثيق التربوي ثم مستشارًا ثقافيًا في سفارة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بإثيوبيا الاشتراكية.

وصدر للشاعر محمد سعيد جرادة مشاعل الدرب، لليمن حبي، وجه صنعاء، وكتاب الثقافة والأدب في اليمن عبر العصور عن دار الفارابي في بيروت ولجنة نشر الكتاب اليمني – عدن 1977م.
وإضافة لما سبق نشر عدة دراسات نذكر منها الآتي:

-    الأنصاري صاحب نفحة اليمن، الحكمة، 15 ديسمبر 1971.
-    العيدروس عصره ... حياته وشعره، الحكمة، العدد الثاني، 15 مايو 1971.
-    وضاح اليمن لمحات سريعة عن حياته وشعره، الحكمة، العدد الحادي عشر، 15 مارس 1972.
-    شاعر اليمن أبو بكر العندي، الحكمة، العدد 24، أغسطس 1973.
-    نشوان الحميري، حياته مؤلفاته مواقفه من الائمة، الحكمة، العدد 26، يناير 1974.
-    عرض وتحليل لمسرحية أرض الجنتين للشاعر اليمني محمد الشرفي، الحكمة، العدد 27، فبراير -مارس 1974.
وسنتناول بعض من هذه الدراسات:-

1 -    العيدروس .. عصره.. حياته وشعره.
عاش أبوبكر العيدروس في منتصف القرن الثامن للهجرة وبداية القرن التاسع منها، وفي هذه الفترة بدا نجم الدولة الطاهرية في اليمن، وقد قامت هذه الدولة على انقاض دولة بني رسول التي عصفت بها رياح الخلف والانشقاق بين أمرائها من هنا بدأ الجرادة الحديث عن أبوبكر العيدروس صاحب عدن.
وبدأ ذكر أبوبكر العيدروس بخبر بسيط أشار إليه مقدم ديوانه وتلميذه عبداللطيف عبدالرحمن باوزير وفحواه أنه أصلح بين بعض القبائل المعادية لحكم بن  طاهر، وردهم الى طاعة هذه الدولة ، وكان ذلك في حدود عام 880هـ ويلمع اسم ابي بكر العيدروس في زمن عامر بن عبدالوهاب ، الذي نظم فيه مجموعة من قصائده في الشعر الفصيح والحميني، بل إن عامر بن عبدالوهاب، كان يستصحب العيدروس معه الى شمال اليمن، ففي رداع ألقى العيدروس بين يدي عامر بن عبدالوهاب حمينيته التي يقول فيها:
أجريت ياعذب دمعتي              بالبعد الله بك يعيد
وأسهرت بالليل مقلتي          والشوق إليك مزعج شديد
واستقبل العيدروس عامر بن عبدالوهاب في مقدمه الى عدن بقصيدة حمينية اقترحها بن عبدالوهاب عليه اقتراحًا وطلب إليه فيها تشطير بيت لشاعر آخر ومطلع هذه الحمينية:
بروق الحمى ابرقي يا بروق     عسى الله يسقي بك المجدبين

ويواصل الجرادة الحديث عن العيدروس مشيرًا إلى ثقافة أبي بكر العيدروس ( فهي كما تظهر في شعره ونثره ثقافة فقيه متصوف من طراز عمر بن الفارض في مصر وعبدالرحيم البرعي في زبيد.
وقد أحيط العيدروس في حياته بهالة من القداسة أسبغها عليه تلاميذه ومريدوه وشهد له بصفاء الروح وصدق الولاية كثير من معاصريه، وعلى رأسهم العلامة حسين صديق الأهدل الولي المعروف في عدن.
ثم ذكر الباحث أن للعيدروس شعر فصيح نظمه في مواضيع المديح، واختص بمديحه عامر بن عبدالوهاب وبعض رفاقه من الفقهاء في (تريم) وفي زبيد وانتقل للإشارة إلى شعره الحميني ورواية أحد تلاميذه أنه حتى وهو في الحج لم ينقطع عن السماع، وأنه استصحب معه النشادين الذين كانوا يغنون بين يديه قصائد الموشحات والحمينيات.
وكثيرًا من حمينياته لا تزال تغنى اليوم وكثير من أفراد الشعب يعجبون بهذه الأغاني دون أن يعرفوا أن قائلها هو أبوبكر العيدروس ، ومن هذه القصائد حمينيته التي نظمها في موضوع الحكمة التي يغنيها الشيخ علي أبوبكر ومنها:
كل من ليس يمنع نفسه عن طريق الهوى ذاق الهوان
كل جرح علاجه ممكن     ما خلا يا فتى جرح اللسان

ومنها قصيدته التي يغنيها الماس:
ذانسيم القرب نسنس وشفا سقم المحبين
ودجى الديجور عسعس    وغفت عين الشياطين
زل يخطر لا بس اطلس    زركشة من خالص العين
قوس حاجبك المقوس قد رمى قلبي بسهمين

وذكر عدة حمينيات يغنيها له الماس والقعطبي التي يقول في مطلعها:
مطوق بات على الخمايل    يسر صوته ويعلنه
ترك فؤادي العميد ذاهل تهيم قلبي وتفتته
بحسها جامع الفضائل والخال في الخد زينة
ومن حمينياته التي يغنيها أحمد عبيد القعطبي:-
يا نسيم السحر هل لك خبرعن عريب بوادي المنحنى
فارقوني ولم اقض وطر من لقاهم ولا نلت المنى

وختم حديثه عن العيدروس: (وأخيرًا فإن هذه صورة متواضعة حاولت بها نفض الغبار عن شخصية يمنية لها دور في التاريخ السياسي والأدبي، شخصية عاشت في عصرها محاطة بمظاهر الأبهة والجلال، وفي رفارف الحياة والزعامة، وهي اليوم لم تعد سوى قبة في مسجد، يظن علينا التاريخ بما لها من أخبار وآثار).
2 -    قراءة في كتاب القمندان (فصل الخطاب في إباحة العود والرباب)، الإكليل، العدد الأول، شتاء 1992.
قراءته الجرادة لكتاب القمندان (فصل الخطاب في إباحة العود والرباب) إلى أن القمندان كان على (خصومة قوية) مع حكام صنعاء ولا يترك مناسبة تمر دون أن يمسهم بالهجوم. وكان كتيب (فصل الخطاب .....) جزءًا من الحملات الموجهة للنظام الإمامي في شمال الوطن) ويواصل الإشارة إلى أن حكام صنعاء سكتوا كعادتهم على صدور هذا الكتاب، ولم يوعز أي منهم إلى أحد الفقهاء ليرد على القمندان محرمًا فن الغناء. وتولى هذا الأمر كاتب من عدن نشر كتيبًا مناقضًا موقعًا باسم الشيخ الهندي ... ويغلب على الظن أن الشيخ محمد علي باحميش كان هو مؤلف الكتيب لأنه كان يتصدى للرد على أي رأي أو فكر ديني لا يروقه، كما فعل ذلك مع فضيلة الشيخ أحمد العبادي حين رد على منظومة الشيخ العبادي (هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد) التي علق عليها تلميذ الشيخ العبادي الشيخ محمد بن سالم البيحاني، وكان الشيخ باحميش قد رد على تلك المنظومة بكتابه المعروف (درر المعاني في التحذير من منظومة العبادي وتعليق البيحاني).
وذكر الباحث الجرادة مصادر كتيب القمندان قيد التناول وعرض للآراء المتشددة والآراء المبيحة للسماع، موضحًا استئناس القمندان بآراء الجانب المبيح للغناء، مضيفًا أن فن الغناء ابتدأ من عصور الإسلام الأولى وأنه فن مستمر إلى عصرنا هذا، ولم تصدر فتوى لا من الأزهر ولا من غيره من الجامعات الإسلامية في الوطن العربي تقضي بتحريمه.
وذكر الجرادة كما أسلفت الرد الكتابي على القمندان من الباحميش، كما أورد الرد على القمندان شعريًا من قبل شاعر معاصر للقمندان هو الشاعر الكبير عبد المجيد الأصنج، كما أضاف الرد على القمندان غنائيًا أي الشاعر الأصنج حيث ناقض إحدى قصائد القمندان الغنائية المشهورة (حالي يا عنب رازقي) بتضمينه قصيدة على غرارها في نفس الوزن والقافية مطلعها:  
لعينيك حبي نقي
يا ذا الصارم المبرقي
وقد عاصر كتيب القمندان بداية إشراقات النهضة الثقافية في اليمن بظهور مجلة الحكمة اليمانية في صنعاء، وفتاة الجزيرة في عدن.
وأشار الباحث إلى المجايلين لفترة القمندان وكذلك علاقته بالشيخ العبادي الذي تولى إدارة المدرسة المحسنية، مفندًا العلاقة التي تربطهما، وأخيرًا ذكر معاناة الشيخ العبادي وآرائه التي استهدفت مهاجمة أصحاب الطرق وزيارة الأولياء ومحاربة الدجل والشعوذة، والتي وصلت للضرب بالخنجر بعد فشل البندقية الصدئة.
وأختتم قراءته لفصل الخطاب بذكر المساجلات الشعرية بين القمندان والعبادي مشيرا إلى أن القمندان في شعره الفصيح ناظم حسن النظم أكثر منه شاعرًا مجنح الخيال.
تلك كانت إطلالة سريعة على دراستي الجرادة عن حياة العيدروس وشعره وقراءته لكتاب القمندان (فصل الخطاب في إباحة العود والرباب).
3 - كتاب (الأدب والثقافة في اليمن عبر العصور):
أشار الجرادة في مقدمة كتابه أعلاه، إلى أهم الصعوبات التي يواجهها الباحث اليمني، والمتمثلة ... (في العزلة التي فرضت على اليمن من أقدم عصور التاريخ قد ضربت بينها وبين غيرها من أقطار الوطن العربي سورًا ليس له باب. فالتراث اليمني أغلبه أما أن يكون مفقودًا يحتاج البحث عنه إلى الارتحال إلى مكاتب العالم، أو هو مطمور يعيش في زوايا الجوامع والمكتبات، والبيوت الخاصة، وما خرج من كتب التراث اليمني إلى عالم النور لا يكاد يتعدى النزر اليسير الذي يعد بالأصابع).
وبصرف النظر عما سلف، فقد قدم الباحث الجرادة لليمن كتابًا لا يضاهيه آخر في عمق البحث والصبر في التنقيب والرصد ...إلخ.
وجاء كتاب الجرادة المشار إليه بمقدمة و18 عنوان تمثلت في الآتي:
لغة اليمن قبل الإسلام.
قضية النحل والانتحال في الشعر.
نثر اليمن قبل الإسلام.
التحقيقات القديمة والمعاصرة.
-    الشعراء الفرسان.
-    شعراء اليمن / القرن الأول للهجرة / القرن الثاني للهجرة / القرن الثالث للهجرة.
-    ألوان النثر.
-    القرن الرابع للهجرة.
-    القرن الخامس للهجرة.
-    الشعراء.
-    القرن السادس.
-    القرن السابع.
-    شعراء هذا القرن.
-    القرن الثامن.
-    الشعراء.
من العناوين السابقة يتبين أن الباحث الجرادة تناول مرحلة تاريخية طويلة ولذلك كان عنوان كتابه: (الأدب والثقافة في اليمن عبر العصور) أي ثمانية قرون إلى جانب فترة ما قبل الإسلام.
وحقًا الكتاب تحفة علمية نادرة، ولا أقول جزافًا أو مجانًا لكن يظهر ذلك جليًا ليس من العناوين التي أسلفت ذكرها، ولكن من خلال كشف المصادر والمراجع المدونة في حاشية الكتاب، بل والكتب التي ذكرت في ثنايا الكتاب. وسوف اقتصر في ذكر المراجع التي وردت في الحاشية فقط:
1.    طه حسين، في الأدب الجاهلي
2.    ابن سلام، طبقات الشعراء.
3.    أحمد الشامي، قضية الأدب في اليمن.
4.    جواد علي، تاريخ العرب قبل الإسلام.
5.    ولفنستون، تاريخ اللغات السامية.
6.    مقدمة ابن خلدون.
7.    ناجي زين الدين الصرف، بدائع الخط العربي.
8.    السيوطي، شرح شواهد المغني، مجموعة أجزاء.
9.    تاريخ ابن إسحاق/ حاشية ابن هشام.
10.    ديوان لبيد العامري.
11.    الهمداني، الإكليل، أجزاء.  
12.    الهمداني، الإكليل، صفة جزيرة العرب.
13.    الأمالي لابن الغالي، أجزاء.
14.    ابن عبدربه، العقد الفريد، أجزاء.
15.    ديوان عمرو بن معدي كرب، تحقيق وجمع مطاع الطرابيشي.
16.    طبقات ابن سعد.
17.    تاريخ الطبري.
18.    سيرة ابن هشام.
19.    الزركلي، الأعلام، أجزاء.
20.    محمد عجاج الخطيب، أبو هريرة، راوية الإسلام.
21.    الآمدي، المؤتلف والمختلف.
22.    أبو فرج الأصفهاني، الأغاني.
23.    ابن قتيبة، المعارف.
24.    البغدادي الفرق بين الفِرق.
25.    أحمد حسين شرف الدين، تاريخ الفكر الإسلامي في اليمن.
26.    المسعودي، مروج الذهب.
27.    النويري، نهاية الأدب.
28.    بامخرمة، ثغر عدن.
29.    الخزرجي، العقود اللؤلؤية.
30.    عبد المنعم شلبي، تحقيق ديوان عنترة، تقديم إبراهيم الإبياري.
31.    ديوان ابن هتيمل.
32.    الشيخ أحمد العبادي، هدية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد.
33.    تاريخ الخزرجي، الجزء الأول.
34.    السراجي، طبقات الخواص.
35.    محمد يحيى الحداد، تاريخ اليمن السياسي.
36.    الحسن بن سابق الدين بن يعيش، البدر الطالع.
37.    محمد رشيد رضا، دلائل الإعجاز.
38.    محمد رشيد رضا، أسرار البلاغة.
39.    يحيى بن حمزة، كتاب الطراز.
40.    عمارة اليمني، المفيد في أخبار صنعاء وزبيد.
41.    ابن شاكر، فوات الوفيات، أجزاء.
42.    عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين.
43.    إسماعيل باشا البغدادي، هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين.
44.    حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون.
45.    القاضي أبي عبد الله بن يوسف بن يعقوب المعروف بالبهاء الجندي، السلوك في طبقات العلماء والملوك.
46.    ابن سمرة عمر بن علي الجعدي، طبقات فقهاء اليمن.
47.    أحمد بن عبد الله الرازي الصنعاني، تاريخ مدينة صنعاء.
48.    عبد الله بن أسعد اليافعي، مرآة الجنان، أجزاء.
خاتمة:
وأختم هذه الورقة عن الباحث الشاعر محمد سعيد جرادة بما أورده في ختام المقدمة لكتابه موضوع هذا العرض، حيث قال: (وكنت أود أن يخرج هذا الكتاب مشتملًا على معجم وفهرس لمفردات اللغة وأسماء المواقع والبلدان ولكني أحسست أن هذا يحتاج إلى شيء من الوقت، قد يعوقني عن المضي في جمع وترتيب وتبويب وصياغة المادة الخاصة بالجزء الثاني لهذا الكتاب، ورأيت أن من الأصوب تأجيل ذلك حتى يتم تأليف الجزء الثاني الذي سيشمل – إن شاء الله – على هذا المعجم والفهرس لكلا الجزأين).
وللأسف لم يصدر الجزء الثاني، رحم الله الشاعر الأصيل والباحث الأكثر عمقًا وأصالة...
المراجع:
محمد سعيد جرادة، الأدب والثقافة في اليمن عبر العصور، دار الفارابي، بيروت، لجنة نشر الكتاب اليمني، عدن، 1977م.
محمد سعيد جرادة، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، دار الهمداني للطباعة والنشر، عدن، 1988م  
الحكمة، العدد الثاني، 15 مايو 1971م
 الحكمة، 24 أغسطس 1973م
الحكمة، العدد 26، يناير 1974م
الحكمة، العدد 27، فبراير - مارس 1974م
الإكليل، شتاء 1993م.
الحكمة، العدد 192، يونيو 1992م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى