نور عبدالحليم فقدت حياتها أثناء رشها المبيد الحشري على شجرة القات

> تقرير / خديجة الجسري

> 75 % من النساء يعملون في وحل الغصون الخضراء

> 
توفت نور عبدالحليم عن 28 عاما تاركة خلفها ثلاثة أطفال، أثر سرطان سببه أصابتها بجرح مغموس بالسم، أثناء رشها المبيد الحشري ع شجرة القات، قالت أم نور: نحن في قرية "عتبة" عمل الوادي ومزارعة القات تعمله المرأة، بينما الأزواج يذهبوا للسوق، هذا ما دفع نور للعمل كفرضٍ عليها، وعن التفاصيل قالت الأم الحزينة عن بنتها العشرينية: بينما كانت ترش المبيد التف البيب حولها لتسقط على الأرض وتصاب بجروح بصدرها، تفاقمت الجروح لتسرطن ومنه ينتشر على جسدها وتفارق الحياة بعد عذاب الكيماوي لمدة عام.


الضالع هي أحد محافظات الجمهورية اليمنية تبعد عن العاصمة صنعاء 250 كيلو متر، وتتكون محافظة الضالع من تسع مديريات وأغلب تلك المديريات يعتمد سكانها بدرجة أساسية على زراعة القات وتسويقه إلى المحافظات الأخرى، وتحتل هذه المحافظة المرتبة الأولى -بين بقية المحافظات- في زراعة القات وتسويقه على الرغم من صغر مساحتها مقارنة بالمحافظات الأخرى.

دوافع المرأة للعمل بمزارع القات.

تعتمد المجتمعات الريفية في اليمن بشكل كبير على المرأة في الزراعة وتربية المواشي، ورغم هذا الدور فإن المرأة الريفية ما زالت تواجه تجاهلًا من المجتمع اليمني، وحرمانًا من كثير من الفرص والحقوق، وزاد الاعتماد على المرأة الريفية خصوصًا في السنوات الأخيرة التي شهدت هجرة كثير من الرجال اليمنيين بحثًا عن الرزق.

ووفقًا للإحصاء الزراعي، فقد تصدرت زراعة القات المرتبة الأولى في قائمة المحاصيل النقدية في اليمن من حيث متوسط المساحة المزروعة سنويًا، حيث بلغت 152 ألفًا و748 هكتارًا في المتوسط، 
وتعتبر محافظة الضالع الأولى في زراعة القات في اليمن. 

وأثناء نزولنا الميداني للمسح مع منصة نسوان فويس بشهر أغسطس الماضي، للمناطق الوسطى للمحافظة التي يمثل القات نسبة 90 % من أراضيها الزراعية، تبين لنا أن المرأة تمثل نسبة 75 % من العمل الزراعي، بينما الرجل 25 % فقط، وهذه نسبة كبيرة وصادمة فيما يخص المرأة.


ومن المشاكل التي تواجهها المرأة في حقول القات

العنف الجسدي:


غالبًا ما تتعرض النساء والفتيات العاملات بالزراعة إلى الاعتداءات، فالكثير من مناطق العمل الزراعيّ، هي معاقل لممارسة شتى أنواع العنف، بداية من التوبيخ بألفاظ بذيئة والاعتداء الجسدي والتحرش، في حين أن بعض الأسر قد تحكم على بناتهنّ المتعرضات للعنف بالخطأ خصوصا في المناطق الوسطى، تجد تلك النساء أنفسهنّ أمام ثنائيّة من الانتهاكات تعكسها القصة التي ترويها
بدور صالح بالقول: "في مرات كثيرة كان يحصل خلاف بيني وبين الرجال ع سقي القات، مما يجعلهم يتعرضون لي بالضرب، مستغلين ضعفي في الدفاع عن النفس" .

التحرش 
يعرض العاملات الزراعيات في حقول القات للعنف الجنسي، من أعمال سيئة والملاحقة والملامسة واللغة السوقية والبذيئة التي يستخدمها بعض اللاخلاقيين من الرجال، وأصحاب العمل وغيرهم في الوديان، ومعظم العاملات الزراعيات اللائي تم إجراء مقابلات معهن في حقول القات يقلن: إنهن تعرضن لمثل تلك المعاملة أو يعرفن أشخاصا آخرين تعرضوا لها، تقول بدور صالح أيضا: نعم تعرضت للتحرش مرات عديدة خاصة عندما كنت أجلس في حقل القات لأوقات متأخرة من الليل، حيثُ ظن البعض أنني سلعة رخيصة فكانوا يتحرشوا بالألفاظ والقدوم لحقلنا للجلوس جانبي، لكن كنتُ أحمي نفسي بمسدس حيثُ أباشرُ بخروجه من جيبي وإطلاق أعيرة نارية في الهواء كلغة تهديد عن كل من يحاول التحرش بي.

الانقطاع عن التعليم:


إن الفتيات والنسوة العاملات في الزراعة بمحافظة الضالع بلغ أكثر من عدد العاملين من الرجال، ويحصد القات المرتبة الأولى على الأراضي الزراعية، يتطلب العمل بحقول القات وقت وجهد من النسوة العاملات والذي يبدأ في فترة الصباح، هذا أدى إلى انقطاع الفتيات من التعليم وتسربهن من المدارس، خاصة في الأوانة الأخيرة بسبب الحرب والتدهور الاقتصادي، حيثُ أصبح الجميع يعمل للحصول ع المال لشراء الموارد الأساسية، وهذا ما حكت لنا فيه بدور صالح أيضاَ في قصتها المأسوية مع مزارع القات وكيف انقطعت عن التعليم.

الأضرار التي تلحق بالمرأة العاملة في حقول القات

الأضرار الصحية  
تعاني المرأة التي تشتغل بحقول القات من الأمراض خاصة المزمنة، منها الربو والسرطانات، والحساسية الجلدية، تقول بدور أحد العاملات في حقول القات: أعاني من سرطان الرئة، ومن الربو ويزيد المرض كلما دخلت حقل القات وبدأ كتحسس صدري بسيط بعد عملي بحقل القات بعام واحد، وكلما دخلت القات لرش أغصانه أُصيب بتحسس جلدي شديد غير لون بشرتي لبني داكن، 
وفي لقاء لنا مع الدكتورة/ أماني صالح أخصائي علاج الأورام والعلاج بالإشعاع ومستشارة المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان 
قالت: سبب السرطانات ليس نبتت القات وإنما السموم التي يتم رشها بها حيثُ يرجع الرذاذ إلى العاملة مباشرة ويدخل إلى الرئتين والمعدة وغيره عبر الأنف والفم، وأكد النبهاني أن الأتربة الملوثة التي تلتصق بشجرة القات تسبب بشكل مباشر بعدد من الأمراض منها سرطان الرئة. 
أما مرض الربو والتحسس الصدري والالتهابات الرئوية فقد غدت كابوس يؤرق الجميع، خاصة النسوة اللواتي يشتغن بالزراعة وخاصة القات، في نزول ميداني لنسوان فويس لقرى جنوب دمت وشمال قعطبة بالضالع وجدنا عشرات النساء المصابات بالربو والالتهابات الرئوية الأكثر صارت لا تنام إلا بالأدوية منها البخاخ،

وعن هذا الموضوع تحدث د/ حمدي التركي أخصائي صدر وشعب هوائية قائلا: إن أنتشار مرض الربو أصبح كارثة تهدد الكثيرين، وإن الإصابة بين أوساط النساء أكثر بثلاثة أضعاف بين الرجال خاصة بعد البلوغ، وقال التركي إن الناس يتجاهلوا التحسس الصدري ولا يعلموا أنه المرحلة الأولى لمرض الربو، وأضاف أن هناك نوعان للربو: ربو يصيب المريض بالوراثة، وربو سببه العوامل الخارجية أخبثها المبيدات الحشرية التي تؤدي إلى التهابات رئوية قاتلة، وأيضًا الأتربة الدقيقة التي تلتصق بشجرة القات، ومواد كيمائية تكون داخل الأسمدة.

أضرار اجتماعية 
على الرغم من عمل الكثيرات من الضالع بالقات، إلا أنهن يتعرضن للتنمر من قبل الشباب، وفي حالة وهبت الفتاة نفسها للعمل بمزارع القات بشكلٍ كلي، عند عدم وجود عائل للبيت تصبح منبوذة بين النسوة، تتحدث بدور صالح عن هذا الضرر قائلة، "تعرضت للتنمر من قبل الشباب والشابات البعض كان يسميني "بدور الرجال " إذا أنني أقوم بعمل لا يعمله إلا رجل قوي مكين، كانت البنات تبتعد عن مجالستي لأنه أصبح اختلاطي بالرجال أكثر بحكم عملي، تركت مدرستي وكان من الصعوبة أن أواصلها وأنا اشتغل بالقات ومتحملة إعالة أسرتي،  وتضيف بمرارة: لم يتقدم لخطبتي أي شاب، لأني بنظرهم شبة رجل أو امرأة شاذة بعيدة عن الأنثى الحقيقية، تلك الوصمة صاحبتني حتى اقتنعت بالحال الذي رسمه عني المجتمع".
يقول الأخصائي الاجتماعي د/ صلاح الحقب: إن عمل المرأة إلى جانب الرجل في الحقل والوادي قد يساهم في زيادة الدخل بشكلٍ أو بآخر، وهذا سلوك اجتماعي قديم، لكن مع وجود شجرة القات وقيام المرأة بأعمال خطرة مثل رش المبيدات الحشرية... إلخ، فإن هذا الأمر قد يؤثر سلبًا على تكوينها البيولوجي ومن ثم على طبيعة الحمل والإنجاب وإمكانية إصابتها بالكثير من الأمراض وحرمانها من الزواج، والنظرة الدونية وعدم الاحترام.

الأضرار النفسية


المرأة بطبيعتها مخلوقًا رقيق، تنكسر نفسيًا عند تحمل المشاق والصعوبات، والعمل غير اللائق لفطرتها تتأثر نفسيتها سلبًا، وتصبح إنسانة غير مستقرة نفسيًا وهل هناك أشق وأعتى من العمل في حقول القات? وعن الأضرار النفسية التي تلحق النسوة اللواتي يعملن في حقول القات يقول الأكاديمي والأخصائي النفسي د/ حافظ الحشيشي
: تتعرض المرأة التي تقوم بمهنة وزراعة القات إلى العديد من الآثار النفسية نتيجة قيامها بمهنة وزراعة القات مثل: مشاعر القلق النفسي، ومشاعر الضيق النفسي والتوتر، والشعور بالإجهاد والإعياء النفسي، والسرحان والشرود الذهني، ومشاعر الإحباط والوهن النفسي، وتدني مستوى الصحة النفسية بشكل عام والمناعة النفسية للمرأة بشكل خاص، ودخول المرأة في صراعات ومشاكل كثيرة سواء مع الزوج أو الأبناء نتيجة لانشغالها بهذه المهنة، والتي تؤثر سلبًا على العلاقات الأسرية والاستقرار الأسري في الأسرة 
كذلك قد تتطور هذه الآثار النفسية المترتبة عن قيام النساء بمهنة وزراعة القات إلى اضطراب نفسية ومشاكل نفسية تتطور إلى اضطرابات عقلية.

لا حماية قانونية 
"حيثُ يوجد القانون والعقاب تُحمى الحقوق وتصان المرأة ".

ومن حيثُ الحماية القانونية لحماية المرأة من العنف القائم على النوع الاجتماعي خاصة في مزارع القات، قال القاضي جياب الحدي رئيس محكمة جبن بالضالع إن التشريعات القانونية الوطنية التي تهدف إلى الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي فأنها تتسم بالشحة ولم تتعاطى مع هذه المسألة بالحجم التي هي عليه، رغم عدم كفايتها لحل تلك المعضلة لا يتم تطبيقها.


وأضاف الحدي: عند التعرض للتشريعات القانونية الدولية المتعلقة بذلك فأن اليمن قد صادقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو» وأصبحت هذه الاتفاقية ملزمة لليمن مثلها مثل التشريعات القانونية الوطنية إلا أنه لم تغير من الأمر شيء، خاصة بالنسبة لعمل المرأة في مزارع القات.
"تم تشكيل آليات رقابة على المستوى الوطني لتطبيق الاتفاقية، وقد تم إنشاء هذه اللجنة في عام 1996 تنفيذا لقرارات منهاج عمل بيجين (1995)، وهي مسؤولة عن الإبلاغ عن تقدم اليمن المحرز على مسار اتفاقية «سيداو » لكن ،قامت اللجنة الوطنية للمرأة بإعداد الاستراتيجية لتنمية المرأة 2006-2015،  بأن يتم التعامل مع معظم حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي داخل نطاق الأسرة وحسب العرف، بدلاً من اللجوء إلى النظام القضائي الرسمي" يشير القاضي الحدي

قرار الجمعية العامة بشأن العنف ضد النساء: في عام 1993، اعتمدت الجمعية العامة قرارًا يعتبر العنف ضد النساء انتهاكًا لحقوق الإنسان. وقد تم تعزيز هذا القرار على مر السنين بمبادرات وبرامج لمكافحة العنف ضد النساء وتعزيز المساواة بين الجنسين.

“تم انتاج هذه المادة ضمن انتاج مشروع غرفة الجندر اليمنية التي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية”

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى