"حارس الازدهار" أم "حارس الاحتلال"؟

> «الأيام» مناف قومان:

> تحركت فرائص الولايات المتحدة والغرب بعد توترات البحر الأحمر ومصدرها جماعة الحوثي اليمنية، التي أعلنت دعم الفلسطينيين بمهاجمة أي سفن تعبر مضيق باب المندب ترتبط بإسرائيل أو ترسو بموانئها منذ 18 نوفمبر 2023.

وعلى أثر ذلك، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مبادرة لتشكيل قوات متعددة الجنسيات من 10 دول باسم "حارس الازدهار" بهدف ردع الهجمات في البحر الأحمر. كما أعلن عن فرض عقوبات على 13 شخصاً وشركة يقدمون دعماً مالياً من بيع وشحن السلع الإيرانية إلى الحوثيين في اليمن.

ومنذ ذلك الوقت، حوّلت أكثر من 390 سفينة مسارها إلى رأس الرجاء الصالح، جنوبي دولة جنوب أفريقيا، وأعلنت إحدى أكبر شركات الشحن العالمية "ميرسك" إبعاد سفنها عن البحر الأحمر مع تصاعد التهديدات. كذلك فعلت سفن شحن صينية وأوروبية كبرى.

طرقٌ تجارية جديدة

عيون الدول والشركات والقوى الكبرى ليست على فلسطين وشهدائها، وهدفها ليس إيقاف المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بل إنقاذ التجارة العالمية وسلاسل التوريد ومعدلات النمو والأسعار والتضخم والتشغيل العام. لم ينظر العالم لفلسطين إلا من زاوية مصالحه الخاصة، وسفنه التجارية التي باتت مهددة في البحر الأحمر.

أحد الآثار المباشرة لتهديد التجارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر فتح طرق أخرى، مثل الدوران من رأس الرجاء الصالح الواقع في جنوب أفريقيا، ويعتبر أحد الطرق البديلة الرئيسية على الرغم أنه يزيد من المسافة والوقت المطلوب للشحن، إذ سيؤدي اتباع مسار الرحلات البحرية حول رأس الرجاء الصالح إلى زيادة المسافة التي تقطعها السفن بنحو 3 آلاف ميل بحري مقارنة بالمسار المعتاد عبر باب المندب، وهو ما يعني زيادة في استهلاك الوقود والتكاليف التشغيلية، وأيضاً تأخيراً في تسليم البضائع للأسواق الأوروبية للمواد القادمة من الهند والفيليبين وماليزيا وبنغلادش وإندونيسيا واليابان وهونغ كونغ وسنغافورة وغيرها من دول الشرق الأقصى، عبر شركات النقل الكبرى، مثل Maersk وHapag-Lloyd وCMA CGM وMSC وZIM.

فإذا سافرت باخرة محمّلة بالبضائع من الخليج العربي إلى أوروبا ستقطع مسافة تقدر بـ6 آلاف ميل بحري وستستغرق ما بين 15 و20 يوماً للوصول إلى موانئ هولندا، أما الكلفة فتختلف بحسب حجم الشحنة ونوع السلع المحمّلة والتأمين.

في المقابل، تبلغ المسافة التقريبية التي تقطعها السفن التجارية بين الخليج العربي وهولندا نحو 11 ألف ميل وستستغرق ما بين 30 و40 يوماً للوصول، وتقدر زيادة كلفة الشحن بالضعف تقريباً. الطرق الأخرى التي بدأ الحديث عنها لتفادي المرور عبر باب المندب هي مزيج من الطرق البرية والسكك الحديدية والموانئ البحرية.

ومن بين هذه الطرق: عبور الشاحنات براً من دول الخليج العربي عبر السعودية إلى العراق ومن ثم إلى تركيا، ومن تركيا يمكن استخدام السكك الحديدية عبر بلغاريا ورومانيا إلى دول أوروبا، أو من موانئ تركيا على البحر المتوسط لنقلها إلى الموانئ الأوروبية.

الطريق الآخر هو من السعودية إلى مصر عبر البحر الأحمر، أو براً إلى الأردن ثم مصر، وجرى اتخاذ كافة الترتيبات اللازمة بين الأردن ومصر لتدشين خط النقل "البحري البري" بين العقبة على البحر الأحمر وميناء نويبع على البحر المتوسط، حيث يوفّر مساراً بديلا لنقل الصادرات الأردنية والسعودية والعراقية إلى الولايات المتحدة وأوروبا.

وبموازاة ذلك يتم العمل على الربط السككي بين الأردن ومصر والعراق على مدار العامين المقبلين. أو أن تتم التجارة عبر آسيا الوسطى من دول الخليج العربي، فإيران إلى آسيا الوسطى مثل كازاخستان أو أوزبكستان، ومن هناك يمكن استخدام السكك الحديدية التي تربط آسيا الوسطى بروسيا ومن ثم إلى أوروبا.

الطريق الثالث يتم عبر الصين وروسيا، أو ما يطلق عليه "طريق الحرير الجديد"، بحيث يتم نقل البضائع من الخليج العربي بحراً إلى موانئ الصين الشرقية، ومن هناك يتم استخدام السكك الحديدية عبر الصين لنقلها إلى كازاخستان وروسيا وإلى أوروبا.

الطريق الرابع عبر باكستان أو ممر النقل الاقتصادي الصيني الباكستاني، بحيث يتم نقل البضائع براً أو بحراً إلى ميناء جوادر في باكستان، ومن هناك تنقل براً إلى الصين، ومن ثم استخدام السكك الحديدية لإيصالها إلى أوروبا.

يمثل العدوان الإسرائيلي على غزة والتهديدات التي يشكلها الحوثيون للممر التجاري في البحر الأحمر نقطة تحول اقتصادية بارزة في التجارة العالمية لعام 2024. ومن المتوقع أن تخلّف هذه الأحداث تأثيرات ممتدة على طبيعة التجارة في المنطقة لسنوات قادمة.

وفي الوقت الذي يشكل فيه تهديد الحوثيين للحركة التجارية في البحر الأحمر خطراً، يمكن أيضاً أن يُفضي إلى فتح آفاق وخلق تنافس محتدم حول طرق نقل جديدة، وهو ما قد يصب في مصلحة دول المنطقة مثل الأردن، والسعودية، وتركيا.

تهديد الاقتصاد العالمي

بسبب التوترات الحاصلة في غزة وما تبعها من تهديدات للتجارة في البحر الأحمر، ارتفعت أسعار النفط الخام إلى متوسط 79 دولاراً لبرميل "برنت"، وارتفعت أسعار المحروقات في أوروبا بنسبة 10% منذ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في غزة، كما صعدت عقود الذهب الفورية فوق مستوى 2000 دولار للأونصة.

وتسببت التوترات أيضاً في زيادة تكاليف الشحن وأقساط التأمين في البحر ضد مخاطر الحرب، حيث ارتفعت أسعار بوالص شحن البضائع بين آسيا والبحر المتوسط بنسبة 62%.

ويمكن أن تؤدي الحرب والأحداث في باب المندب إلى تأخير في حركة السفن ونقل البضائع وإلى آثار سلبية في قناة السويس. وكمثال على أزمة المضائق، تسببت أزمة انسداد قناة السويس في مارس/ آذار من العام 2021 بازدحام السفن على بوابة القناة بانتظار الدخول، وتأخير آلاف الحاويات عن التصدير، ما أدى إلى احتجاز ما يقدر بنحو 9.6 مليارات دولار من البضائع يومياً.

وغنيٌ عن التوضيح ما تشكله قناة السويس من أهمية على المستوى العالمي، إذ تعد طريقاً تجارياً حيوياً يربط بين آسيا وأوروبا، ويتعامل مع حوالي 12% من التجارة العالمية، و30% من حركة الحاويات العالمية وما يزيد عن ترليون دولار سنوياً هي قيمة البضائع التي تمر عبر القناة.

وجراء ارتفاع تكاليف الشحن الواردة، أعلن الأردن عن حظر تصدير وإعادة تصدير سلع غذائية أساسية، ويشمل المنع كلا من سلع الأرز والسكر والزيوت النباتية (زيت الذرة، زيت عباد الشمس، وزيت النخيل، وزيت الصويا).

وفي حين أن التأثير المباشر على شركات الشحن يبدو واضحاً، فإن انعكاس هذه الآثار على المستهلكين والأسعار ومساهمتها في معدلات التضخم لا يزالان تحت المراقبة، إذ يعتمد هذا على طول فترة العدوان على غزة من جهة، وتهديدات الحوثيين لمضيق باب المندب من جهة أخرى.

وليس بعيداً عن التجارة، يخشى العالم أيضاً أن تُقدم جماعة الحوثي على إتلاف كابلات الاتصال الدولية الموجودة في قاع البحر الأحمر عند مضيق باب المندب والتي تربط الشرق بالغرب، وتعتبر هذه الكابلات محورية في شبكة المعلومات العالمية، بما في ذلك المعاملات المصرفية الحيوية وأنشطة الإنترنت، وتسهّل هذه البنية التقنية معاملات بقيمة تريليونات الدولارات يومياً إلى جانب عدد لا يحصى من الاتصالات.

وفي الوقت الذي يمكن إصلاح المشكلة عبر الاعتماد على كابلات ونقاط توصيل أخرى في الولايات المتحدة وأوروبا، يمكن أن يتسبب هذا العمل في جعل العديد من دول العالم النامي عبارة عن جزر شبه معزولة.

وبسبب ترابط الاقتصاد العالمي فإن أي تهديد على هذا المستوى سيقابل برد فعل سريع ضد جماعة الحوثي وربما إيران، وهو ما يجعل المنطقة عرضة لاندلاع حرب وأحداث لا تُحمد عقباها.

كان حرياً بأميركا عوض إطلاق مبادرة "حارس الاحتلال"، عفواً "الازدهار"، الضغط على "إسرائيل" لوقف عدوانها على غزة، وكبح جماح حكومة الحرب الإسرائيلية، وإطلاق مبادرة لتفعيل الحلول السياسية والمبادرات الدبلوماسية.

العربي الجديد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى