بين العرب وإيران.. الحديث عن نصرة غزة

> أكثر من مائة يوم والعالم يشاهد أطنان من القنابل الغبية والذكية والقصف العشوائي على رؤوس المدنيين.

مع ذلك لم يحقق الجيش الإسرائيلي حتى ربع أهدافه المعلنة ولا تزال المقاومة تقاتل بنفس الوتيرة، وفاق صمودها كل التوقعات، ولو حدث هذا في عالم الأربعينيات من القرن الماضي لكانت إسرائيل على استعداد لأن تنفذ قصف نووي انتقامًا من سكان يعيشون في قطاع لا تتجاوز مساحته ثلث مدينة هيروشيما، وبالعودة إلى مبدأ التناسب وكثافة ونوع العمليات مع اعتبارات المساحة والزمن والسكان فإن غزة تحملت ما لم تستطعه دول بأكملها خلال الحرب الكبرى.

يواجه العالم إذن واقعًا إنسانيًّا غير مسبوق في غزة، يقابله نكبة ضمير عند قادة الغرب، ولا نقول العرب لأن (أخوة العروبة) ببساطة (ليسوا مرئيين) على المسرح. لا أثر سياسي أًو دبلوماسي للقمم العربية أو المدمجة، لا قوى ناعمة، لا إجماع حول موقف حازم لحماية المدنيين، ولهذا يتصرف الغرب وإسرائيل وكأن العالم العربي هشيم تذروه الأحداث، خالية من التكتلات القوية والدول الفاعلة.

لقد غابت عمليًا دول الثقل الاستراتيجي في المنطقة، ويقف العالم العربي منكشفًا ضعيفًا بعد أحداث مزلزلة: غزو العراق، تمدد إيران التي أصبحت على "العتبة النووية"، انتشار القواعد الأمريكية على الأرض العربية دون مسوغات تخدم أمن المنطقة، وانهيارات بعض دول "الربيع العربي". ولا يستثنى من ذلك حقيقة أن "مجموعة عربية" تعيش حالة ازدهار وتوظف قدراتها في السباق على النفوذ الإقليمي. لكنها تتنافس فيما بينها على طريقة العشائر القديمة (يوم صلح ويوم خصام). وبرزت منها دول صغيرة تلعب دور الوسيط في أزمات ودور نافخ النار في أزمات أخرى.

لكن ماذا عن إيران ومحورها؟

على الرغم من أن "محور المقاومة " التابع لإيران يتصدر المشهد من خلال تنفيذ عمليات منخفضة، كلّ حسب الدور والسقف المرسوم له، إلا أن الجميع يدرك بأن إيران من خلال أذرعها المسلحة سبق وأن خلقت بيئة صراعات دامية أغرقت المنطقة العربية، كما أنها تتخذ من شعار معاداة أمريكا ونصرة المستضعفين ودعم قضية فلسطين وسيلة لتعزيز مكانتها ونفوذها في الشرق الأوسط، ومع أن غزة بحاجة إلى كل أنواع الدعم إلا أن هناك انقسام في الشارع العربي وإشكالية كبيرة في التعاطي الإيجابي مع مواقف إيران وأتباعها تجاه الحرب على غزة بمعزل عن أفعالها الأخرى. حتى وإن كان هناك بعض التعاطف لكنه يعكس فقط حالة الإحباط من الموقف الرسمي للعرب.

الولايات المتحدة تعتبر أن الحفاظ على إيران (لا نووية) ضرورة لإيجاد شرق أوسط غير متجانس، بل و متصارع عقائديًّا. على اعتبار أن الموروث الديني يشكل جوهر ثقافة المنطقة وجوهر أزماتها. وإيران من جهتها تسعى بكل الوسائل لفرض وقائع جيوسياسية على الأرض واتخذت من دول عربية ساحات لعملياتها أدت إلى تخفيف حدة الاستقطاب الإقليمي الموجه ضد إسرائيل وغيرت المقاربة التاريخية حول مصدر الخطر.

بين إيران والغرب علاقة معقدة للغاية لكن المحصلة أن كل منهما يجني (ثمرات الخصام) على حساب المنطقة العربية.

الحرب على غزة أحدثت تغييرًا عميقًا في الرأي العام الغربي والعالمي وأعادت القضية الفلسطينية بقوة إلى الواجهة، وكانت تستدعي موقفًا عربيًّا صارمًا والضغط بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية لمنع المجازر وإيجاد مسار سريع لوقف الحرب والمبادرة لبناء أسس المرحلة القادمة.

وفي حال استمرار غياب أي دور فاعل للعرب فما عليهم إلا أن يتحملوا تداعيات الفراغ الذي يملأه الآخرون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى