مركز دراسات أوروبي يكشف الأبعاد الخفية لتصعيد البحر الأحمر

> «الأيام» غرفة الأخبار:

> ​أمن باب المندب.. ما قدرة أمريكا والغرب على تأمين الملاحة؟
> أكد تقرير نشره "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI"، يوم أمس، دخول منطقة الشرق الأوسط في حالة من التوتر غير المسبوق منذ سنوات، مع شن الحوثيون هجمات صاروخية وهجمات بطائرات بدون طيار على السفن في البحر الأحمر، وتهديداتهم لأي سفن مرتبطة بإسرائيل أو بحلفائها بأن تصبح هدفًا مشروعًا لها، تزامنًا مع تصاعد الموقف بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة منذ أكثر من 100 يوم، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة وحلفائها لاتخاذ بعض التدابير، كمحاولة لردع الحوثيين، تحسباً لاتساع رقعة الصراع في البحر الأحمر، كونه أهم ممر مائي يربط أوروبا بآسيا وشرق إفريقيا، وأكثر قنوات الشحن كثافة عالميًا.

ما يؤثر بشكل مباشر على اقتصادات كبرى دول العالم، ويهدد الأمن والسلم الدوليين في التوقيت الراهن.

ونفذت الولايات المتحدة ضربات عسكرية ضد أهداف للحوثيين في اليمن خلال الفترة من 11 إلى 27 يناير 2024. وهي الضربات التي وصفتها واشنطن بأنها "دفاعية" وتستهدف خفض قدرات الحوثيين، على مواصلة الهجمات ضد السفن الأمريكية والسفن العسكرية والتجارية في البحر الأحمر.

واستهدفت الضربات مراكز إطلاق صواريخ ومقار عسكرية ومراكز للتدريب شمال اليمن. والهجمات الأمريكية والبريطانية سبقها اعتماد مجلس الأمن قرارًا في 10 يناير2024 يدين فيه هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر، الأمر الذي مهد الأرضية لتنفيذ ضربات ضد مواقع للحوثيين، كونهم يهددون الملاحة البحرية الدولية.

وكانت الضربة الأكبر في 11 يناير والتي استهدفت (60) هدفًا موزعين على (16) موقعًا تتبع الحوثيين، وطالت قاعدة عسكرية للحوثيين بالقرب من مطار صنعاء، وموقعًا قريبًا من مطار تعز، ومعسكرًا في منطقة الحديدة الساحلية، بالإضافة إلى نقاط عسكرية أخرى في محافظة حجة.
  • ضربات غير مجدية
جاءت الضربات ضمن قواعد "الاشتباك المحدود"، ولم تستهدف البنية التحتية الرئيسية للحوثيين أو مراكز القيادة السياسية أو مناطق حيوية في صنعاء. بل كشفت تقارير صحفية أمريكية عن أنه تم إبلاغ الحوثيين مسبقًا بالعملية قبل تنفيذها بنحو 8 ساعات، ما سمح للحوثيين بترك المواقع.

وشنت الولايات المتحدة في 23 يناير 2023 الضربة الثانية المشتركة مع بريطانيا ضد الحوثيين، مستهدفين موقع تخزين تحت الأرض وصواريخ وقدرات عسكرية أخرى. وانتقد عسكريون أمريكيون سابقون محدودية الرد الأمريكي على تهديد الحوثي رغم إعلان واشنطن "الحوثي" جماعة "إرهابية"، وطالب الجنرال الأمريكي كيث كيلوج باستهداف إيران مباشرة عبر استهداف سفينة "بهشاد" الإيرانية المرابطة في مضيق باب المندب إلى جانب المدمرة "ألبرز" والسفينة "بوشهر".

 واعتبر عسكريون أمريكيون أن الضربات المحدودة، بمثابة رسالة أكثر منها عملية عسكرية تستهدف منع الحوثيين، من شن الهجمات أو وقف الحملة المعلنة المتعلقة باستهداف أي سفينة إسرائيلية أو متجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر.
  • قوة حارس الازدهار
هنا يطرح السؤال عن سبب تشكيل قوة "حارس الازدهار" في ظل وجود القوة البحرية المشتركة (CMF) والتي تأسست عام 2002 تحت مظلة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، وتضم (38) دولة وتعمل في نطاق يصل إلى (3.2) مليون كيلومترًا من السواحل (من الهند شرقًا إلى البحر الأحمر غربًا).

إلى جانب وجود قوة المهام المشتركة (CTF-153) التي تأسست في أبريل 2022 وتضم (39) دولة (بإضافة مصر عن القوة البحرية المشتركة)، وهي القوة التي تشكلت عقب احتجاز الحوثيين لسفينة ترفع علم دولة الإمارات في يناير 2022، بهدف حماية الملاحة والأمن البحري في جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

والإجابة عن السؤال يمكن الوصول إليها في بيان تشكيل "حارس الازدهار"، حيث ضمت الأخيرة (20) دولة فقط وليس (39) دولة، وهو ما عكس عدم رغبة دول مركزية في الإقليم إلى التصعيد المباشر مع الحوثيين في هذه اللحظة.

وكانت قوة المهام المشتركة (CTF-153) تعمل بشكل محدود قائم على مواجهة القرصنة، وعبر أسلحة ومعدات وزوارق صغيرة لا تصل إلى حد استخدام السفن والفرقاطات، بينما دفعت أمريكا وبريطانيا بشكل واضح إلى تشكيل قوة عسكرية ضخمة من سفن ومدمرات وفرقاطات تعمل كحلف عسكري في البحر الأحمر. ملف: أمن دولي ـ أهمية سلامة الخليج العربي والبحر الأحمر خلال الأزمات والحروب
  • موقف أوروبا
تنظر أوروبا إلى أن هذه القوة يجب ألا تحل محل قواتها الموجودة فعلًا في سواحل المنطقة، وتمتلك فرنسا قاعدة "معسكر السلام" بالقرب من مضيق هرمز و1500 جندي في جيبوتي.

وتعمل الفرقاطة الفرنسية "لانجدوك" الآن في البحر الأحمر، وأعلنت فرنسا – رغم انضمامها لـ "حارس الازدهار"- إنها تدعم الجهود الرامية لتأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر، وأن سفنها ستبقى تحت القيادة الفرنسية ولم تذكر ما إذا كانت ستنشر المزيد من القوات البحرية ضمن "حارس الازدهار".

بالتوازي، أعلنت وزارة الدفاع الإيطالية إنها سترسل الفرقاطة البحرية "فيرجينيو فاسان Virginio Fasan" إلى البحر الأحمر، لحماية مصالحها استجابة لطلبات محددة قدمها أصحاب السفن الإيطاليون. وقالت إنه جزءًا من عملياتها ولم يكن جزءًا من عملية "حارس الازدهار".

وأعلنت وزارة الدفاع الإسبانية إنها لن تشارك إلا في المهام التي يقودها حلف الناتو أو العمليات التي ينسقها الاتحاد الأوروبي، ولن تشارك بشكل منفرد في عملية البحر الأحمر.

واكتفت هولندا بإرسال ضابطي أركان، واكتفت النرويج بإرسال (10) ضباط بحريين إلى البحرين مقر القوات البحرية المشتركة. وقالت الدنمارك إنها ستشارك في العملية وأرسلت ضابطًا واحدًا.

في المقابل، جاءت المشاركة الفعلية من جانب بريطانيا، وأعلنت انضمام المدمرة "HMS"Diamon "" لقوة "حارس الازدهار"، إلى جانب اليونان التي أعلنت إرسال فرقاطة بحرية إلى البحر الأحمر. وتعتمد "حارس الازدهار" بالفعل على حضور البحرية الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن إلى جانب المدمرة البريطانية HMS Diamond.

ولدى السفن الحربية التابعة لقوة "حارس الازدهار" القدرة على إسقاط الصواريخ القادمة من اليمن، ويبدو أن السفن الأمريكية قد اعترضت معظم المسيرات والصواريخ التي أطلقها الحوثيون منذ بداية يناير 2024 بنسبة فاعلية تصل إلى (80 %)، ونجحت بالفعل المدمرة الأمريكية "يو إس إس كارني" من تحقيق نتائج إيجابية جدًا في العلميات.
  • مهمة عسكرية جديدة
وأعلن الاتحاد الأوروبي في 22 يناير 2024، عن اتفاق للقيام بعملية عسكرية لتأمين الشحن البحري التجاري في البحر الأحمر، وتتشكل المهمة في 19 فبراير 2024، لتبدأ عملها في غضون عدة أشهر، وتعد المهمة منفصلة تمامًا عن قوة "حارس الازدهار". وجاءت هذه الخطوة بعد مباحثات التكتل الأوروبي لإرسال قوة بحرية أوروبية لردع الحوثيين، خاصة وأن فكرة توسع عملية "أتالانتا" المتمحورة على حماية الملاحة البحرية قبالة سواحل الصومال طرحت في 2022، بينما عطلت إسبانيا الأمر.
  • مشهد ينذر بالتصعيد
المشهد في البحر الأحمر ينذر بمزيد من التصعيد من جانب الحوثيين، في ظل استمرار استهدافهم للسفن وتكثيف الولايات المتحدة وبريطانيا الضربات ضد مواقعهم، ما ينعكس على حركة التجارة والملاحة الدولية، ويؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الأوروبي، ما يؤدي إلى زيادة المهام العسكرية ونشر فرقاطات وسفن عسكرية جديدة، سواء من قبل تحالف حارس الازدهار أو من قبل مهام أوروبية عسكرية.

الخلاف واضح بين واشنطن ولندن من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، بشأن أن تتحول المهام العسكرية في البحر الأحمر من دفاعية إلى هجومية، ما دفع الاتحاد للابتعاد عن عملية حارس الازدهار وعدم المشاركة في الضربات الأمريكية البريطانية ضد الحوثيين، ولمواجهة الانتقادات التي وجهت للاتحاد بشأن البطء في التعامل مع أزمة البحر الأحمر، أطلق مهمة عسكرية جديدة، متوافق عليها من أغلب الدول الأعضاء، وستصبح أكبر من قوة "أتلانتا" بجانب تطوير عملية "أجينور" لضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز.

المعطيات الراهنة في البحر الأحمر، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحرب بين إسرائيل وغزة، ما يعني أن طول أمد الحرب بينهما، يجعل منطقة البحر الأحمر بؤرة من التوترات التي لا تنتهي، لذا من المتوقع أن يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطًا متزايدة على إسرائيل وحماس، من أجل التوصل إلى هدنة دائمة، والانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب، وهو الأمر الذي تتجه إليه الولايات المتحدة الآن نظرًا لاعتبارات في الداخل الأمريكي، ورغبتها في تحجيم الأزمة المشتعلة في البحر الأحمر.

القدرات العسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر، وحشدهما للمزيد من السفن والفرقاطات العسكرية، والاتجاه نحو تحديث أنظمة دفاعية لاستهدف المسيرات المعادية فوق البحر الأحمر، تشير إلى أن احتمالية تحول ضرباتهم ضد الحوثيين إلى هجومية، يعني دخول المنطقة في حرب إقليمية واسعة بين أطراف متعددة، ما يهدد الأمن والسلم الدوليين ويضع الاقتصاد العالمي في مأزق جديد ربما يصعب مواجهته.

اشتعال الموقف في البحر الأحمر، مع دخول الحرب الأوكرانية عامها الثالث، وتأزم الوضع في منطقة الشرق الأوسط بتجدد الصراع بين إسرائيل وحماس، يفرض على كبرى الدول ومجلس الأمن والمنظمات الدولية، بذل مزيد من الجهود لاحتواء المشهد، تحسبًا للتداعيات الأمنية والاقتصادية لهذه الصراعات المشتعلة في أكثر من جبهة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى