حرب البحر الأحمر والتأثير على سلاسل الإمداد

> شكلت الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها في مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر تأثير خطير على التجارة الدولية عبر البحار، وخاصة التأثير الخطير على انتظام عمليات سلاسل الإمداد والتوريد عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

إن إعلان الحوثيين التدخل المباشر في الحرب على غزة، قد أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت عن تشكيل التحالف الدولي ضد الحوثيين، والذي أسمي "عملية حارس الازدهار" بتاريخ 12 ديسمبر 2023، ليشكل بذلك اول رد دولي على عمليات الحوثيين ضد بعض السفن التجارية في باب المندب، والتي بدأت منذ 19 أكتوبر 2023، كأحد تداعيات الحرب على غزة، وقد كانت أول عمليات التحالف ضد الحوثيين في 12 يناير 2023، حيث شنت عدة غارات على مواقع الحوثيين في أكثر من محافظة تخضع لسيطرتهم.

إن مضيق باب المندب هو جزء من مسار الحركة الملاحية والتجارية الدولية، التي تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس، حيث تقدر التجارة المارة بهذا المسار حوالي 10 ٪ من المنتوج الإجمالي العالمي، وحوالي 12 ٪ من التجارة الدولية، ونحو 40 ٪ من التجارة البحرية الدولية، وقرابة 20 ٪ من تجارة النفط العالمية، وهذه المعطيات تشير إلى أهمية باب المندب كمسار للتجارة العالمية وخطورة أي أعمال، من شأنها التأثير على انتظام عمليات سلاسل الإمداد والتوريد وعلى الاقتصاد الدولي عمومًا.

إن سلاسل الإمداد والتوريد هي شبكة مترابطة من الشركات والأشخاص والعمليات التي تشارك في تحويل المواد الخام إلى منتجات والمنتجات الجاهزة للاستهلاك، حيث تساعد على تدفق المواد والمنتجات من المصدر إلى العملاء النهائيين، من خلال زيادة الكفاءة والإنتاجية، وتحسين الجودة وتقليل التكاليف، وفي الأخير يحصل المستهلكون على حاجاتهم بكل يسر وسهولة.

تكتسب سلاسل الإمداد أهمية كبيرة للاقتصاد اليمني، كما هو للعالم عمومًا، خاصة في ظروف الاقتصاد العالمي المعولم، حيث تساعد في شراء المواد الخام والسلع وتخطيط الاحتياجات، وإدارة المخزون والتوزيع وسهولة التعامل مع الموردين والشركاء التجاريين، وتحليل البيانات وتحسين العمليات، وإجمالًا تهدف كل هذه العمليات إلى ضمان تدفق سلس وفعال للمواد والمنتجات من المصدرين إلى العملاء عبر العالم.

ولعل اليمن هي من بين أكثر دول العالم حاجة إلى انتظام سلاسل الإمداد والتوريد، حيث تعتمد في تلبية حاجات الاقتصاد والسكان بشكل شبه كلي على التجارة الدولية، وتقدر بعض المصادر إن 90 ٪ من حاجات البلاد يتم تلبيتها عبر الاستيراد، وخاصة السلع الاستهلاكية الأساسية، حيث تستورد مثلًا حوالي 95 ٪ من القمح سنويًا.

وفي ظروف الحرب الجارية منذ حوالي عشر سنوات، وما يرافقها من أزمة اقتصادية وإنسانية خطيرة، يزداد اعتماد البلد على الخارج في تلبية كل حاجاته الضرورية للاقتصاد والسكان، والذي تجاوز تعدادهم الثلاثين مليون نسمة، وخاصة في ظروف الأزمة الإنسانية الحادة.

هناك مخاوف واسعة من تبعات ما يجري في البحر الأحمر وباب المندب على السوق اليمنية، من حيث تأمين المعروض السلعي وصعوبات الاستيراد والشحن التجاري إلى البلد الذي يتوقع أن تتضاعف تكاليفه بشكل كبير، بسبب رفض شركات الشحن والتأمين العالمية التعامل مع الموانئ اليمنية.

أدت أحداث البحر الأحمر إلى ارتفاع كبير في أسعار شحن الحاويات على مستوى العالم، ومنها المتجهة إلى السوق المحلية، حيث تقدر بعض المصادر الزيادة بحوالي 200 ٪، الأمر الذي سيتسبب في زيادة أسعار السلع في السوق المحلية وخاصة السلع الغذائية الأساسية.

نتوقع أن البلد سيواجه ضغوطًا تمويلية خانقة، بسبب ما سببته المواجهات بين التحالف الدولي والحوثيين، من منع مرور السفن أو تحويل بعض السفن الأخرى مسارها عبر رأس الرجاء الصالح، وما يترتب على ذلك من زيادة التكاليف، وتأخير وصول الشحنات إلى الأسواق المستهدفة.

إن تحول نسبة كبيرة من التجارة العالمية للمرور عبر رأس الرجاء الصالح، سوف يحول مسار السفن والشحنات التجارية بعيدًا عن الموانئ اليمنية، ما يؤثر على انتظام سلاسل الإمداد والتوريد إلى السوق المحلية، ويؤخر وصولها، ورفع التكاليف بشكل حاد للغاية، الأمر الذي يؤدي إلى التأثير على استقرار السوق المحلية، وبروز عجز في المعروض السلعي، وإلى مزيد من تدهور الأمن الغذائي لسكان بلد يعاني أكثر من 85 ٪ منهم من الفقر وندرة الغذاء وصعوبة الحصول عليه.

نعتقد أن حل مشاكل عدم انتظام سلاسل الإمداد إلى الموانئ اليمنية، يمكن أن يتم من خلال تأسيس تكتل تجاري وملاحي وطني، يسهم في إعادة تنظيم سلاسل الإمداد بشكل إبداعي، وبالتعاون مع سلطات الدولة المختصة، مع ضرورة دعم القطاع الخاص، ليقوم بدوره في استيراد السلع الضرورية، وتكوين مخزون كافٍ، يحول دون حدوث أزمات من السلع الغذائية الأساسية.

* رئيس مؤسسة الرابطة الاقتصادية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى