> محمد أبوالفضل:
يلاحظ المراقب للموقف المصري من تهديدات جماعة الحوثي في اليمن للأمن في جنوب البحر الأحمر قدرا من الهدوء في التعامل معها، على الرغم من الخسائر المادية لقناة السويس، فقد توقع البعض أن تراجع القاهرة موقفها وتنخرط في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للتصدي للحوثيين، أو تنخرط في تحالف إقليمي مستقل لمنع زيادة التصعيد، لكن ما حدث يوحي بالتمسك بسياسة النأي عن أي تدخل مباشر في اليمن وغيره، وعدم الاكتراث كثيرا بما يجري من محاولات دولية للتصدي.
زاد الأمر شجونا أو مفارقة مع الرفض السياسي الحاسم الذي تعاملت به مصر مع مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع ما يسمى بـ”جمهورية أرض الصومال” وخوّلت للأولى الحصول على منفذ بحري وقاعدة عسكرية في ميناء بربرة بجنوب البحر الأحمر، وحوت هواجس من تهديدات محتملة يمكن أن تحملها طموحات أديس أبابا ضد مصالح القاهرة، بينما التهديدات الحقيقية حاليا لم تلق اعتراضا مصريا مماثلا.
تحتاج المقارنة بين تهديد حالي وآخر افتراضي معرفة جزء من التوجهات الحاكمة للسياسة المصرية، ففي الحالتين (الحوثي وإثيوبيا) لم تظهر القاهرة من قريب أو بعيد استعدادها للتدخل لردع الجهة التي تأتي منها التهديدات في الوقت الراهن أو في المستقبل، وأعلنت مصر أكثر من مرة عدم التدخل عسكريا في صراعات ونزاعات وخلافات خارجية، إلا في حالة التهديد المباشر لأمنها القومي، ما يعني أن ما قامت به جماعة الحوثي فعليا ومذكرة التفاهم الإثيوبية لا يرقيان إلى ذلك حتى الآن، ويمكن التعامل معه بأدوات سياسية، من دون أن يلغي أي منهما الاهتمام بأمن البحر الأحمر.
الواضح أن مصر ترى في العملية العسكرية الأميركية – البريطانية ضد الحوثيين عدم جدوى للأهداف المعلنة لها، أو بمعنى أدق لن تسفر عن توفير الأمن والاستقرار المطلوبين في البحر الأحمر، والهدوء في ممر قناة السويس، بل يمكن أن تضاعف الموقف حرجا، فالتحالف الذي تقوده واشنطن ليس هو الوسيلة المناسبة، إذ تتداخل حساباته وتتخذ من جماعة الحوثي أداة لأهداف خفية، لا ترتاح لها الدولة المصرية.
ويبدو أن القاهرة غير منزعجة على المدى القريب، لأن الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي لا تستهدف المصالح المصرية، وقد أعلنت الجماعة صراحة أن هدفها الإضرار بمصالح إسرائيل وحثها على عدم مواصلة حربها على قطاع غزة، ففي اليوم الذي تتوقف فيه الحرب يمكن أن تختفي التهديدات الأمنية الراهنة، وهو موقف تتبناه غالبية الدول المطلة على البحر الأحمر أو لها منافذ عليه، شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا.
جاء الخوف الإقليمي من المشاركة في التحالف الأميركي من إمكانية انحرافه عن مساره المعلن (لجم الحوثيين) وتحويله إلى ذراع للدفاع عن مصالح إسرائيل، ويصبح الممانعون والرافضون لتصرفاتها العسكرية في غزة ضمن زمرة من المؤيدين، وهو ما أرادته واشنطن ضمنيا من وراء تدشين تحالفها “حارس الازدهار”، بينما الهدف الأسهل هو الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، فيعود البحر الأحمر إلى حالته السابقة من الهدوء، والتي لم تكن مستقرة تماما منذ اندلاع الصراع في اليمن.
لو أرادت الولايات المتحدة وقف التهديدات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، كان الأولى بها المشاركة مبكرا في وضع حد لتصرفات الحوثيين ضد شريحة كبيرة من اليمنيين، فقد تغير تعاملها معهم عندما تعرضت مصالح إسرائيل للخطر، بينما وقفت واشنطن صامتة والحوثيون يهددون أمن الخليج في وقت سابق، وربما كانت مرتاحة إلى سلوكهم حيث يحقق لها أهدافا معينة، ولم تواجه إيران مباشرة وهي تعلم أن جماعة الحوثي أحد أذرعها في المنطقة، وما قاموا به ناجم عن تنسيق وتعاون بين الجانبين، ولم تعد هذه العلاقة خافية في الخطاب الأميركي مؤخرا.
وهذه تقديرات ليست غائبة عن أي من القيادات المشغولة بأمن البحر الأحمر والمنطقة، فما بالنا بمصر التي تعتبر قناة السويس “الدجاجة” التي تقدم لها ذهبا في نهاية العام، ومن مصلحتها القصوى الحفاظ عليها والتصدي لأي مخاطر تنال منها؟
ابتعدت القاهرة لأنها تعلم عدم تعمد جماعة الحوثي استهداف مصالحها مباشرة أو أن الغرض من عملياتها تكبيدها خسائر، وإن حدثت الخسائر بطريقة غير مباشرة، فهي لا تريد الدخول في توتر مع إيران بعد حدوث تطورات إيجابية في العلاقات السياسية معها، وهي أيضا تنسجم مع واقعيتها الأمنية، فما يجري عند أو بالقرب من مضيق باب المندب لا يمثل خطرا حيويا لمصر، ويمكن إخماده بوسائل أخرى.
لا يعني عدم اكتراث القاهرة بالانخراط في مواجهة ضد الحوثيين أنها غير مكترثة بتداعيات ما يجري هناك، لكن نقطة الخلاف الجوهرية أنها تبتعد عن التدخل في مواجهات تصب في صالح قوى أخرى، ويمكن أن تضر بأمن مصر القومي بدلا من الدفاع عنه، فجماعة الحوثي المتمترسة في اليمن يمكن أن تصمد وقتا طويلا في ظل الضربات الانتقائية – الاستعراضية التي توجهها الولايات المتحدة وبريطانيا، والالتفافات التي يقومان بها لتجنب الصدام مباشرة مع إيران.
دفعت هذه التعقيدات مصر وغيرها من دول المنطقة إلى الاحتفاظ بمسافة بعيدة عن ممارسات الولايات المتحدة في جنوب البحر الأحمر، وعدم التدخل في معركة تعلم القاهرة أن لها جوانب سرية تتعارض مع مصالحها، وهو ما جعل التحالف الذي تقوده واشنطن يولد ميتا “إكلينيكيا” ولا تزال كل أدوات التنفس الاصطناعي التي تمت الاستعانة بها عاجزة عن إعادته إلى الحياة بشكل طبيعي، ما يشير إلى عدم قابليته للاستمرار بالصورة التي ظهر عليها، وأن إعلان وفاته قد لا يطول كثيرا.
النتيجة المهمة التي أفرزتها التوترات في جنوب البحر الأحمر أنه بحاجة إلى ترتيبات أمنية حقيقية، تتولى أمرها الدول المطلة عليه، والقوى الكبرى التي لها مصالح فيه كممر رئيسي للتجارة الدولية، وهذه الترتيبات لا تقتصر على الولايات المتحدة وبريطانيا، فهناك قوى إقليمية ودولية يصعب تغافلها، ووضع تصورات في غيابها يفضي إلى عدم جدواها وربما يخلق بيئة أكثر قابلية لظهور تهديدات غير متوقعة.
ولذلك التزمت مصر ودول أخرى بما يوصف بـ”الصبر الإستراتيجي” الذي يحمل قراءة تؤدي إلى فشل السيناريوهات المعدة سلفا أو المرتبطة بأهداف قصيرة المدى.
زاد الأمر شجونا أو مفارقة مع الرفض السياسي الحاسم الذي تعاملت به مصر مع مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع ما يسمى بـ”جمهورية أرض الصومال” وخوّلت للأولى الحصول على منفذ بحري وقاعدة عسكرية في ميناء بربرة بجنوب البحر الأحمر، وحوت هواجس من تهديدات محتملة يمكن أن تحملها طموحات أديس أبابا ضد مصالح القاهرة، بينما التهديدات الحقيقية حاليا لم تلق اعتراضا مصريا مماثلا.
تحتاج المقارنة بين تهديد حالي وآخر افتراضي معرفة جزء من التوجهات الحاكمة للسياسة المصرية، ففي الحالتين (الحوثي وإثيوبيا) لم تظهر القاهرة من قريب أو بعيد استعدادها للتدخل لردع الجهة التي تأتي منها التهديدات في الوقت الراهن أو في المستقبل، وأعلنت مصر أكثر من مرة عدم التدخل عسكريا في صراعات ونزاعات وخلافات خارجية، إلا في حالة التهديد المباشر لأمنها القومي، ما يعني أن ما قامت به جماعة الحوثي فعليا ومذكرة التفاهم الإثيوبية لا يرقيان إلى ذلك حتى الآن، ويمكن التعامل معه بأدوات سياسية، من دون أن يلغي أي منهما الاهتمام بأمن البحر الأحمر.
الواضح أن مصر ترى في العملية العسكرية الأميركية – البريطانية ضد الحوثيين عدم جدوى للأهداف المعلنة لها، أو بمعنى أدق لن تسفر عن توفير الأمن والاستقرار المطلوبين في البحر الأحمر، والهدوء في ممر قناة السويس، بل يمكن أن تضاعف الموقف حرجا، فالتحالف الذي تقوده واشنطن ليس هو الوسيلة المناسبة، إذ تتداخل حساباته وتتخذ من جماعة الحوثي أداة لأهداف خفية، لا ترتاح لها الدولة المصرية.
ويبدو أن القاهرة غير منزعجة على المدى القريب، لأن الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي لا تستهدف المصالح المصرية، وقد أعلنت الجماعة صراحة أن هدفها الإضرار بمصالح إسرائيل وحثها على عدم مواصلة حربها على قطاع غزة، ففي اليوم الذي تتوقف فيه الحرب يمكن أن تختفي التهديدات الأمنية الراهنة، وهو موقف تتبناه غالبية الدول المطلة على البحر الأحمر أو لها منافذ عليه، شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا.
جاء الخوف الإقليمي من المشاركة في التحالف الأميركي من إمكانية انحرافه عن مساره المعلن (لجم الحوثيين) وتحويله إلى ذراع للدفاع عن مصالح إسرائيل، ويصبح الممانعون والرافضون لتصرفاتها العسكرية في غزة ضمن زمرة من المؤيدين، وهو ما أرادته واشنطن ضمنيا من وراء تدشين تحالفها “حارس الازدهار”، بينما الهدف الأسهل هو الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، فيعود البحر الأحمر إلى حالته السابقة من الهدوء، والتي لم تكن مستقرة تماما منذ اندلاع الصراع في اليمن.
لو أرادت الولايات المتحدة وقف التهديدات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، كان الأولى بها المشاركة مبكرا في وضع حد لتصرفات الحوثيين ضد شريحة كبيرة من اليمنيين، فقد تغير تعاملها معهم عندما تعرضت مصالح إسرائيل للخطر، بينما وقفت واشنطن صامتة والحوثيون يهددون أمن الخليج في وقت سابق، وربما كانت مرتاحة إلى سلوكهم حيث يحقق لها أهدافا معينة، ولم تواجه إيران مباشرة وهي تعلم أن جماعة الحوثي أحد أذرعها في المنطقة، وما قاموا به ناجم عن تنسيق وتعاون بين الجانبين، ولم تعد هذه العلاقة خافية في الخطاب الأميركي مؤخرا.
وهذه تقديرات ليست غائبة عن أي من القيادات المشغولة بأمن البحر الأحمر والمنطقة، فما بالنا بمصر التي تعتبر قناة السويس “الدجاجة” التي تقدم لها ذهبا في نهاية العام، ومن مصلحتها القصوى الحفاظ عليها والتصدي لأي مخاطر تنال منها؟
ابتعدت القاهرة لأنها تعلم عدم تعمد جماعة الحوثي استهداف مصالحها مباشرة أو أن الغرض من عملياتها تكبيدها خسائر، وإن حدثت الخسائر بطريقة غير مباشرة، فهي لا تريد الدخول في توتر مع إيران بعد حدوث تطورات إيجابية في العلاقات السياسية معها، وهي أيضا تنسجم مع واقعيتها الأمنية، فما يجري عند أو بالقرب من مضيق باب المندب لا يمثل خطرا حيويا لمصر، ويمكن إخماده بوسائل أخرى.
لا يعني عدم اكتراث القاهرة بالانخراط في مواجهة ضد الحوثيين أنها غير مكترثة بتداعيات ما يجري هناك، لكن نقطة الخلاف الجوهرية أنها تبتعد عن التدخل في مواجهات تصب في صالح قوى أخرى، ويمكن أن تضر بأمن مصر القومي بدلا من الدفاع عنه، فجماعة الحوثي المتمترسة في اليمن يمكن أن تصمد وقتا طويلا في ظل الضربات الانتقائية – الاستعراضية التي توجهها الولايات المتحدة وبريطانيا، والالتفافات التي يقومان بها لتجنب الصدام مباشرة مع إيران.
دفعت هذه التعقيدات مصر وغيرها من دول المنطقة إلى الاحتفاظ بمسافة بعيدة عن ممارسات الولايات المتحدة في جنوب البحر الأحمر، وعدم التدخل في معركة تعلم القاهرة أن لها جوانب سرية تتعارض مع مصالحها، وهو ما جعل التحالف الذي تقوده واشنطن يولد ميتا “إكلينيكيا” ولا تزال كل أدوات التنفس الاصطناعي التي تمت الاستعانة بها عاجزة عن إعادته إلى الحياة بشكل طبيعي، ما يشير إلى عدم قابليته للاستمرار بالصورة التي ظهر عليها، وأن إعلان وفاته قد لا يطول كثيرا.
النتيجة المهمة التي أفرزتها التوترات في جنوب البحر الأحمر أنه بحاجة إلى ترتيبات أمنية حقيقية، تتولى أمرها الدول المطلة عليه، والقوى الكبرى التي لها مصالح فيه كممر رئيسي للتجارة الدولية، وهذه الترتيبات لا تقتصر على الولايات المتحدة وبريطانيا، فهناك قوى إقليمية ودولية يصعب تغافلها، ووضع تصورات في غيابها يفضي إلى عدم جدواها وربما يخلق بيئة أكثر قابلية لظهور تهديدات غير متوقعة.
ولذلك التزمت مصر ودول أخرى بما يوصف بـ”الصبر الإستراتيجي” الذي يحمل قراءة تؤدي إلى فشل السيناريوهات المعدة سلفا أو المرتبطة بأهداف قصيرة المدى.
عندما تصمت المدافع في غزة، وتهدأ العاصفة في جنوب البحر الأحمر، قد تطفو على السطح أحاديث تضع الأمن فيه ضمن مرتبة متقدمة، يبدأ بتوافر أدوات الاستقرار الكافية في الدول المتشاطئة والقريبة منه، وأولها وضع نهاية للمأساة الحالية في اليمن، فالتهديدات التي تمثلها جماعة الحوثي دقت جرس إنذار قوي لما يمكن أن تكون عليه الملاحة في البحر الأحمر، إذا تُركت الحرب في اليمن تواصل استنزافها.
العرب اللندنية