الفتوحات الإسلامية

>
الحصار الثالث للقسطنطينية بقيادة مسلمة بن عبد الملك "97-98هـ":

تابع الوليد بن عبد الملك سياسة تقوية الأسطول الإسلامي، وعمل على تنسيق التعاون بين القوات البرية والبحرية، وخلق مناخا طيبا للعمليات الحربية، حتى إذا جاءت "سنة 94هـ" بدأ في الاستعداد لغزو العاصمة البيزنطية، وجهز حملة بحرية برية بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك. وما إن ترامت أخبار هذه الاستعدادات إلى السلطات البيزنطية حتى بدأ تهتم بتدعيم وسائل الدفاع عن أسوار "القسطنطينية"، كما عنيت بقتوية الدفاع البحري تمهيدا لحصار قد يطول أمده كما حدث في الحصار الثاني. ولكن وفاة الوليد بن عبد الملك أدت إلى إرجاء إنفاذ الحملة إلى مقصدها، فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة أخذ يجهز الجيوش للسير إلى "القسطنطينية" وخرجت الحملة بالفعل بقيادة مسلمة بن عبد الملك في أسطول كبير يقدر عدده ثمانية عشر ألف سفينة - وقيل: ألف وثمانمائة سفينة- ومعه مائة وعشرون ألف مقاتل، وتوجه نحو المدينة العتيقة "سنة 98هـ/ 716م" ليبدأ الحصار الثالث.

ولقد انتهى هذا الحصار -الذي استمر عامين- بالفشل في اقتحام "القسطنطينية" كما حدث في الحصار السابق له. ويرجع فشل هذا الحصار الثالث إلى العديد من الأسباب، بعضها كان عاملا هاما في فشل حصار السبع سنوات السابق، وبعضها ظهر جديدا في الحصار الأخير. فمن الأسباب المتكرره: قسوة الظروف الطبيعية "المناخ"، ومهارة المقاتلين البيزنطيين في استخدام "النار الإغريقية"، وعزم أهل المدينة واستماتهم في الدفاع عنها، يساعدهم في ذلك منعة أسوارها وموقعها.

أما أهم الأسباب المستجدة والتي أدت إلى فشل الحصار فهو محالفة المسلمين لأحد الروم البيزنطيين، وهو القائد العسكري "ليو الأيسوري" "الأرمني"، وكان طامعا في عرش بيزنطة، ففاوض "مسلمة بن عبد الملك" قائد الحملة على أن يعاونه فيما يريد، ويتركه يدخل "القسطنطينية"، حتى إذا نجح "ليو" في عزل الإمبراطور "ثيودوسيوس" الثالث، ونصب نفسه إمبراطورا، مهد للمسلمين دخول المدينة. وقد عاونه مسلمة وأجابه إلى طلبه، فلما تمكن "ليو" من الحكم نقض عهده المدينة، وانقلب عليهم، وانضم إلى إخوانه البيزنطيين، واجتهد في تحصين البلد، ونجح في صد الحملة الإسلامية عن أسوارها المنيعة. وهذا يؤكد أن معاهدة المسلمين لأطراف غير إسلامية بغرض التناصر ضد طرف غير إسلامي إنما هو سلاح ذو حدين، وأن عواقب استخدامه بغير حرص وخيمة وحاسمة.

وبالرغم من أن المسلمين قد لاقوا في هذا الحصار صعوبات كثيرة، وقدموا تضحيات هائلة، وقتل منهم عدد كبير، وحطمت الريح العاتية عددا من السفن، وسببت خللا في الأسطول، وانتهز البيزنطيون هذه الفرصة وسلطوا نيرانهم اليونانية على السفن الإسلامية وأحرقوا عددا كبيرا منها -بالرغم من ذلك كله فإن المسلمين استمروا في إحكام الحصار إلى أن توفى سليمان بن عبد الملك "في 10 من صفر سلنة 99هـ"، وحل الشتاء ببرده وثلجه، فهلك عدد كبير من العسكر من شدة البرد، ونفقت معظم الخيول والدواب، وعدم الأقوات، وحل الضيق بمعسكر المسلمين حتى أكل الجند الدواب والجلود وأصول الشجر والورق، وكل شيء غير التراب، وظل الأمر كذلك إلى أن كتب الخليفة الجديد عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- إلى مسلمة -وهو بأرض الروم- يأمره بالعودة بمن معه من المسلمين، ووجه إليه خيلا وطعاما كثيرا، وحث الناس على معونتهم.

لقد كانت هذه الحملة الثالثة على "القسطنطينية" أعظم وأضخم الحملات التي استطاعت قوى الإسلام أن تجردها لهزيمة القوى البيزنطية، وكانت أعظم مجهود استطاع أن يبذله المسلمون لحمل لواء الإسلام إلى أمم الغرب غير الإسلامي، ثم إن الظروف لم تكن -ولن تكن أبدا مواتية- لتحقيق هذه الهدف إلا بعد سبعة قرون عندما سينجح الأتراك "المسلمون" العثمانيون في فتح "القسطنطينية" "857هـ/ 1453م".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى