فتح المغرب والأندلس وبلاد غالة "جنوب فرنسا"

>
طبيعة الفتح الإسلامي لبلاد المغرب:

وقبل المضي قدما في الحديث عن المراحل التي مر بها الفتح الإسلامي لبلاد المغرب نود أن نسجل ملاحظة على قدر كبير من الأهمية تتعلق بطبيعة الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، وهي أن الجبهة المغربية كانت من أعنف جبهات القتال وأصعبها في مسلسل حركة الفتوحات العربية الإسلامية. فقد استغرقت عمليات الفتح في بلاد المغرب حوالي سبين سنة متوالية "21-90هـ/ 642-708م".

لقي فيها المسلمون من الجهد والخسائر ما لم يلقوا مثله في فتح إقليم آخر. وهذه الفترة الزمنية تعد فترة طويلة إذا ما قورنت بالمدة القصيرة التي تم فيها فتح بلاد الشام والعراق ومصر وبلاد فارس، والتي لم تزد عن عشر سنوات فقط على الرغم من اتساع هذه البلاد وكثرة مدنها وسكانها، ووقوع معارك قاسية وكبيرة واجهها المسلمون هنا، مثل "نهاوند" و"القادسية" و"اليرموك" وغيرها1. فما هي الأسباب؟

يمكن تلخيص الأسباب في النقاط التالية:

1- طبيعة بلاد المغرب الجبلية، ووعورة مسالكها، وشدة مراس أهلها "من البربر" في القتال، وصمودهم في المقاومة في بداية الأمر قبل معرفتهم بأهداف الفتح الإسلامي. وقد كان لغلبة الطبيعة الجبلية الوعرة، وبعد المسافات بين المراكز العمرانية المختلفة، وصعوبة الاتصال فيما بينهما أثر عميق في حياة السكان، حيث طبعتهم بطابع الخشونة والشجاعة، وأكسبتهم حدة المقاومة، والصبر على القتال والمواجهة، فتميزوا عن العرب، وأوقعوا الهزيمة بهم في أكثر من معركة، بل وصرعوا بعض قادتهم، مثل عقبة بن نافع، وأبي المهاجر دينار "سنة 64هـ".

وقد كان سكان المغرب من الكثرة والتنوع بحيث لم يكن من الميسور إخضاعهم في مدة يسيرة؛ لأنهم -وكما يقول "حسان بن النعمان" أحد قادة الفتح "وكان واليا على المغرب من سنة 78هـ": "أمم ليس لها غاية، ولا يقف أحد منها على نهاية، كلما بادت أمة خلفتها أمم، وهم من الحفل والكثرة كسائمة النعم".

ولم يتمكن المسلمون من السيطرة على المغرب تماما إلا بعد أن ابتعدوا عن سياسة المواجهة العسكرية العنيفة، وعملوا على اكتساب البربر عن طريق نشر الإسلام بينهم، وإدخالهم في الجيوش العربية كجنود محاربين، وإشراكهم في تسيير الإدارة الجديدة، وإدماجهم مع إخوانهم العرب المسلمين في ديوان الجند دون تمييز.

2- ما طرأ على المسلمين من مشكلات وفتن شغلتهم عن مواصلة الفتح، أو حالت بينهم وبين أن يتعهدوه بما ينبغي من العناية والاهتمام. وأهم هذه المشكلات الفتنة الكبرى التي صدعت الجبهة الداخلية، وانتهت بمقتل الخليفة الشهيد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- "سنة 35هـ". ثم هناك الخلاف بين علي بن أبي طالب، وبين طلحة بن عبيد الله، والزبير وعائشة -رضي الله عنهم جميعا- والذي انتهى بموقعة الجمل "35هـ". ثم هناك الصدام الذي نشأ بين علي بن أبي طالب وبين معاوية -رضي الله عنهما، وطبع بصماته على كل شبر من الدولة الإسلامية. ثم ما صادف معاوية بعد ذلك من عقبات كان لا بد من مواجهتها قبل تأمين الخلافة، وما قابله خلفاؤه -من بعده حتى عهد عبد الملك بن مروان "65-86هـ" من مشاكل المطالبين بالخلافة، مثل الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، والخوارج. كل ذلك له أثره الواضح في انصراف الحكومة المركزية عن متابعة وتنظيم الفتح الإسلامي للمغرب، مما كان سببا في إطالة مدة الفتح على هذه الصورة...يتبع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى