"الأيام" تتجول في طرقات وأزقة عدن.. حكايات وصور رمضانية تحكي آمال والآم المواطنين

> فردوس العلمي:

> "الأيام" تتجول في طرقات وأزقة عدن لتلمس واقع المواطنين في رمضان
> في جولتنا بأزقة وشوارع عدن في شهر رمضان، نجد أمورًا تحكي عن واقع المواطنين بكل حيادية. إذ تجلس امرأة في العقد الرابع من العمر بهدوء، تعيش وجع الاحتياج، تبحث عن قوت يومها بين ثنايا العوز والخوف. تصطحب ابنتها الصغيرة في رحلة بحث عن لقمة العيش، وتجلسان باستحياء في إحدى الزوايا، تنتظران الخير من المارة القلائل في الطريق. الظروف القاسية أخرجتهما لهذا، فهما جزء من أسرة نازحة لا تجد قوت يومها، وتعتمد على المساعد المحتمل من المصلين في أيام الجمعة.

تقول أم أنس: "نحن أسرة نازحة لا نجد قوت يومنا، أخرج يوميًا، لكن كما ترين الطريق خالية من المارة وفي يوم الجمعة ومع قرب وقت الصلاة نأمل أن نجد الخير".


سألتها عن سبب اصطحابها لابنتها، فأجابت بخوف، "أخشى أن أخرج وحدي، لذا أخذت ابنتي معي، لأتجنب وحشة الطريق".

وفي نهار رمضان، يملأ الخوف الطرقات، حيث تكون خالية تمامًا من المارة، ولا تسمع إلا صفير الريح وصوت الغربان. تمضي الساعات وأنت تتجول في هذا الهدوء المخيف، ولكنك تشعر بالأمان حين تجد البضائع والبسطات متراصة بأمان، في انتظار عودة أصحابها ليلًا. وبالرغم من الهدوء، يتسلل الأمل ببطء لقلوب الناس، حيث تبدأ الأبواب تفتح في المساجد، مع إشراقة جديدة تظهر في الطرقات المهجورة.


ومع بداية الليل، يصطحبنا حديث النوم والاسترخاء في أوقات الصيام. تجلس الناس ليلًا بعد أن قلبت أوقات النهار لأوقات الليل، وتعود الحياة للطرقات والأسواق بعد أن كانت نائمة طوال النهار. تغيير أوقات الدوام والمدارس، والسهر للفجر، كل ذلك يدفع الناس للنوم في نهار رمضان، بحثًا عن قرب الله ورضاه وتحقيق قيمة ومعنى للصيام في قلوبهم.

فزع وخوف


في صباح رمضان، التجول في شوارع وأزقة مدينة كريتر يكون مثل التجول في مدينة مهجورة، حيث لا تسمع سوى صفير الريح وشخير النائمين على الطرقات، وصوت الغربان يعزف سيمفونية الوحدة. تسير بخوف، وكأنك تخطو في عالم مليء بالأشباح، حيث لا يوجد إلا السكون المخيف.

لكن على الرغم من هذا الهدوء المخيف، شعرت بالأمان حين رأيت بضاعة البائعين تتكئ بجانب بعضها البعض بأمان، في انتظار عودة أصحابها ليلًا. رأيت أيضًا بعض الرجال الذين يعملون في مجال الحراسة للبسطات، عيونهم ساهرة على بضاعة الآخرين، ما جعلني أقول في نفسي: "ما زالت عدن بخير".

فراغ موحش

في نهار رمضان، ينتابك الخوف من فراغ الطرقات، وفي ليلها يفزعك ضجيج البشرية في جولة الصباحية. في شوارع وأزقة كريتر في صباح الجمعة، بحثت عن أي شخص يمكنني التحدث إليه، لكن لم أجد سوى النائمين بعد ساعات طوال.


بدأت ملامح الحياة تعود تدريجيًا عندما بدأت أبواب المساجد تفتح، ووجدت بصيص أمل في أن الحياة تعود إلى طرقات المدينة بشكل تدريجي.

النوم سلطان

سألت الوالد حيدر سعد، رجلًا في السبعين من العمر، والذي كان يسرع الخطى في اتجاه المسجد، عن مكان الناس. فأجابني بكلمة "نيام". أوضح أن سبب ذلك هو تغيير نظام الدوام، حيث تحولت ليالي رمضان إلى نهار ونهارها إلى ليل. وأضاف أنه لا يدري أي نوع من الصيام هذا.


وأكمل حديثه بالقول: "طول عمرنا في عدن، كان يتغير دوام العمل في المرافق الحكومية، لكن الناس كانوا يستيقظون، وتفتح المحلات والدكاكين بعد الساعة الحادية عشر صباحًا، وتُغلق لتعود بعد صلاة العصر. وكانت المدارس مفتوحة، وكانت هناك صيدليات مناوبة مفتوحة. اليوم، نحن في آخر الزمان، لا شغل ولا مدارس، ولا نجد في نهار رمضان إلا النوم".

وفي حديث آخر، توقفت أم أكرم، وهي تسير بعجلة، للحديث معها. سألتها لماذا مستعجلة، فأجابت بأنها ذاهبة لفتح المسجد، قسم النساء لصلاة الجمعة. وعن الوضع في نهار رمضان، قالت: "الناس تنام لأنهم يسهرون للفجر. ولكي لا تفوتهم صلاة الفجر، ويقرؤون القرآن والذكر، حتى يرضى الله ورسوله عنهم، ويكون للصيام قيمة ومعنى".

وأضافت: "تغيير دوام العمل وإجازة المدارس والسهر، كل هذا يدفع الناس للنوم في نهار رمضان".

الدار أمان في النهار


أبو بكر السقاف، البالغ من العمر ثلاثين عامًا، يعمل كحارس في نهار رمضان، قال: "الناس نيام بسبب أن الوضع انقلب وتغير دوام العمل، وحسب قوله إذا ما تغير الدوام ويكون مثل ما هو في الفطر، سوف تلتزم فنحن في رمضان ينقصنا الالتزام".
عبدالله احمد حارس بسطات
عبدالله احمد حارس بسطات


وأضاف: "الحركة ميتة في الصباح في كريتر، عكس الشيخ عثمان، حيث تمشي كونها منطقة أكثر شعبية".

من جهته، قال السيد عبدالله أحمد، وهو حارس أيضًا للبسطات: "انقلب الحال وأصبح الناس ليلها نهار ونهارها ليل". وأضاف: "رغم وجود البضاعة فوق البسطات، إلا أننا لا نجد أي سرقات، ولكن ليلًا يعاني أصحاب البسطات من السرقات".  


وعن السبب، قال:"السبب الازدحام، وصاحب البسطة ينشغل بالزبائن الكثير حول البسطة، وضيق الطريق كلها تدفع ضعاف النفوس للسرقة".

وختم حديثه قائلًا وهو يضحك: "الصباح الدار أمان، ما في سرقات".

لقمة مغموسة بالذل والإهانة

في أحد ممرات كريتر، كانت تجلس أم أحمد، امرأة في العقد السادس من العمر، وفي يدها مسبحة تسبح لله، قائلة: "ما أخرجني إلا الشديد، أنا حرمة مطلقة وعندي ستة أبناء أصرف عليهم بدون عمل، واحد فقط يعمل عسكريًا".   
أم أنس وطفلتها
أم أنس وطفلتها


وتابعت قائلة:"أنا من كريتر، لكني أجلس في منطقة غير التي أسكن فيها لأن أولادي لا يعلمون أن أمهم تعاني الحاجة، قالتها بوجع: 'الوضع أجبرني، أنا العزيزة، أن أمد يدي، يا بنتي'".

وأكملت حديثها بألم قائلة: "ما عندنا راشن نشتري باليومية التي أخرج بها من مدى اليد، تقولها، وفي صوتها كل وجع الدنيا: 'نأكل لقمة مغموسة بالذل والإهانة".

توبوا إلى الله

أم احمد
أم احمد

في كريتر، يتحدث الوالد محضار فدعق، في العقد السادس من العمر، قائلًا: "على أيامنا قبل عام تسعين لم يكن الوضع هكذا، كانت هناك حركة، مدارس مفتوحة، والناس تذهب لأعمالها، والباعة متواجدين. أما اليوم، الناس نيام بسبب الأوضاع التي نعيشها، انقلب النهار ليل، والليل نهار، نحن الآن الساعة 12 ظهرًا والطريق فاضي والناس نيام".  
محضار فدعق
محضار فدعق


ويضيف الشاب أحمد، وهو يسرع الخطوة إلى المسجد: "لا أجد ما أقول من حديث"، وينصح الناس قائلاً: "توبوا إلى الله".

من جهته، يقول الشاب رفيد بشير، بائع في بسطة خضار: "أنا أبدأ العمل الساعة الحادية عشر ظهرًا، وأبدأ الفرش والترتيب، فنحن في رمضان نتأخر عكس الفطر، نصحى خمس الصبح ونفتح الساعة ست الصبح. نهار رمضان ما في بشر، لهذا نسهر ونتأخر في الفتح".  
رفيد بشير
رفيد بشير


من جهة أخرى، يقول عادل، من محل حلويات الأفراح: "الوضع الآن أفضل، الناس نيام، زمان قبل عشرين عامًا كانت المطاعم بجانب سوق الخضرة مفتوحة والناس تفطر دون خجل، والآن المحلات مغلقة، ما أحد يفتح، حتى أصحاب البهارات لا يفتحون المغرب".

ويختم قائلًا: "دوامي يبدأ الساعة اثنا عشر ظهرًا، نأتي لتنظيف الشارع من باقي البسطات".

من جهة أخرى، يقول جدي ناصر: "ربنا يقيد الشياطين في شهر رمضان حتى تجد الناس فرصة للصلاة والعبادة وأعطوا الشهر الفضيل حقه، لكن للأسف تنطلق شياطين الإنس وهي النفس الأمارة بالسوء، الواحد ينام إلى قرب صلاة المغرب ويخرج الشارع يضارب رجوله".
عادل صاحب حلويات الافراح
عادل صاحب حلويات الافراح


ويضيف مساعد في خجل: "في كل يوم نجد أربع خمس اشتباكات بين المواطنين لأسباب تافهة، كل هذا لأن بعض الناس لا يخاف الله ولا يعطي الشهر الكريم حقه".  
محمد علي احمد
محمد علي احمد


في الختام، يجدد الدعوة لإعطاء شهر الله حقه في العبادة والتقرب منه، ويحث الجميع على استغلال هذه الفترة العظيمة للتوبة والتسامح وتقديم الزكاة، وأن يكون الشهر فرصة للارتقاء الروحي والتقوى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى