من سخريات القدر أن الطرفين الموقعين على الوحدة بين دولتي الشطرين الشمالي والجنوبي، والتي وقعها كل من الرئيس علي صالح رئيس المؤتمر الشعبي (تأسس في 1982) وأمين عام الحزب الاشتراكي الرئيس علي سالم البيض (تأسس في 1978) وكلاهما حزبان شموليان استفردا بالحكم في كل من (ج. ع. ي) في الشمال و (ج. ي. د. ش) في الجنوب، قد اتفقا على أن الديمقراطية والتعددية الحزبية هما صنوان للوحدة اليمنية.

• كانت التعددية الحزبية إذن، مدخلًا محسوبًا لتكوين وتفريخ أحزاب وصل عددها في عام  2011 إلى 39 حزبًا مرخصًا رسميًا. فهل يعقل أن تحتمل اليمن كل هذا الكم الهائل من الأحزاب؟  

• إنه لأمر مدهش أن لا تكتفي القوى الوسيطة (عربًا و أمميين) في حل الأزمة اليمنية باستيعاب هذا العدد الهائل من الأحزاب التي لا تمتلك وزنًا فكريًا أوشعبيًا، بل إنها مضت قدمًا في زيادة تفريخ مكونات (تحت مسمى قوى جنوبية) في كل المحافظات الجنوبية لزيادة تشتيت الصوت الجنوبي وجعل مسألة جمع الجنوبيين على هدف واحد أمرًا في غاية الصعوبة أو مستحيلًا.

• تأتي بعد ذلك المبادرة الخليجية، المعدة خصيصًا لتفريغ الثورة الشبابية من مضامينها ولتمرير بقايا ومخلفات نظام صالح (تحت مسمى الحكومة الشرعية)، من خلال عملية سياسية مرتبة يعاد فيها النظام السياسي السابق إلى السلطة، لتأدية نفس الدور المناط به سابقًا.

• إنه لمن الأمور الأكثر دهشة أن تقوم قائدة التحالف العربي بتنظيم حوارات ولقاءات بين أشخاص وشخصيات جنوبية مختلفة وأن تقوم بجمع قوى الحراك الجنوبي مع من كان بالأمس عدوًا وقاتلًا لها، ونعني بقايا نظام صالح، بل وتجعل من قيادات الحراك الجنوبي المطالبة بالاستقلال، شريك سلطة مع من تسميهم السلطة الشرعية المعترف بها دوليًا، مستفزة بذلك قوى الشعب الجنوبي من خلال حدوث هبوط لقيمة العملة اليمنية وارتفاع الأسعار للغذاء والدواء وانهيار شامل للخدمات، كي تقلب المزاج الشعبي ضد تلك القيادات الجنوبية الشريكة للشرعية، مما يؤدي إلى وأد القضية الجنوبية وتصفيتها.

• لنا الحق كمواطنين في الشمال أو في الجنوب نعيش كل أنواع المعاناة، أن نوجه سؤالًا للدول الراعية للعملية السياسية الطويلة والمحبطة، والتي تستضيف أعدادًا كبيرة من قيادات و كوادر هذا الجيش من الأحزاب، مقابل ماذا توفرون لهؤلاء السكن المُرفّه في الخارج وتدفعون لهم الرواتب التي تعادل عشرات الأضعاف من الرواتب التي كانوا يتلقونها في الداخل؟ ولنسأل الرعاة مرة أخرى.. من وجهة نظركم ماذا يقدم هؤلاء للشعب في الجنوب أو في الشمال؟ وأي برامج قدموها للخروج بالبلاد من أزمتها أو حتى أعلنوها، مجرد إعلان؟ إنهم بأغلبهم عبئًا على شعبهم وعلى من يستضيفهم، وهم فاقدو التأثير على الشارع الشعبي.

• من المؤكد أن السادة الوسطاء في الرباعية وفي التحالف العربي، يدركون مثلما يدرك الشعب في الشمال والشعب في الجنوب، أهمية أن تبذل الجهود الكبيرة لإحداث التقارب بين المكونات والوجاهات السياسية الشمالية والجنوبية الفاعلة سياسيًا وعسكريًا، وإحداث التقارب فيما بين تلك القوى الفاعلة على الأرض في الشمال والجنوب، وإحداث تقدم في أهم مسألة خلافية بينهم وهي إيجاد حل مرضي للقضية الجنوبية التي من المستحيل أن يحدث تقدمًا في حل الأزمة اليمنية دون حلها.

• أخيرًا.. لعل الجميع يلاحظ أهمية أن تتعاطى الرباعية والتحالف مع الجميع بميزان العدل، حتى لا تضطر تلك القوى للبحث عن داعمين ومناصرين آخرين لها.. وتزداد الأمور تعقيدًا أكثر مما هي عليه في وقتنا الراهن.
والله وهذا الوطن المنحوس من وراء القصد..