"الأيام" صحيفة ووطن
> كان محقًا من قال (اعطني صحيفةً أعطيك وطنًا)، ولذلك كان البعد الاستشرافي في فكر الأستاذ العملاق محمد علي باشراحيل بإصدار صحيفة عام 1958 م يصيب قلب الحقيقة، تحمل في ثناياها شفرة دافنشية للبقاء وحتى للانبعاث كالعنقاء بعد سنين عجاف من الانقطاع.
كانت العبقرية تقرأ في المخبأ وفي الجلي السائد في بلاط صاحبة الجلالة في الشارع العدني، ولذلك جاءت "الأيام" لمحمد علي باشراحيل في أغسطس 1958 م تحمل سمات الصحيفة الخبرية التي تنقل أولًا بأول الهم الجمعي للمواطنين مبرزة عدن بما هي أم مدن ليس الجنوب فحسب بل واليمن عامة، دون نسيان الآخرين في المحميات وحتى اليمن.
كانت صحافة عدن منخرطة في الحراك الوطني المتصاعد، ولما كانت جل الصحف حزبية أو تابعة لفصيل سياسي بعينه فإن الاستغراق سيذهب إلى السياسي البحث والذي سيعتمد على المباشرة والتثوير بما يشبه في بعض الأحيان المنشورات السياسية، أما "الأيام" فقد كانت من الحصافة بحيث رصدت (الخبر) بكل تقنيات الاستقبال وإعادة البث بمهنية عالية، وأفردت مجالًا تاليًّا للرأي بمقاييس كتابة المقالة التي نفتقدها في يومنا هذا بكثرة الداخلين على الكتابة من باب السياسة ليس إلا.
ولا يعني ذلك بحال من الأحوال أن "أيام" الأستاذ محمد علي باشراحيل كانت في المنطقة الرمادية في تلك الفترة الملتهبة، بل كانت في عين العاصفة منحازة للتغيير في عدن والجنوب ومباركة ثورة سبتمبر 1962م في صنعاء وناقلة لكل التأثيرات القومية لمصر عبدالناصر فاردة الصفحات لكلمات الزعيم بكل العبء الذي يحمله الاستماع والإفراغ ورصِّ الحروف اليدوية لتحرير هذا العدد أو ذاك.
أقول ذلك حتى لا يتبادر إلى الذهن أن الأستاذ محمد علي باشراحيل قد نأى بنفسه عن تأثيرات ما يجري وهو الذي خاض غمار السياسة والعمل الوطني مذ الأربعينات إلى الخمسينات سواء في أعلى مراتب رابطة أبناء الجنوب أو في المجلس البلدي صوتًا مجلجلًا في سبيل انتزاع حقوق المواطنين وتثبيت اللغة العربية.. إلخ.
لكن الأمر برمته عند الباشراحيل الكبير يتمحور في إيجاد صحيفة حقيقية عصرية بها كل مقومات الصحافة التي قال عنها أمير الشعراء أحمد شوقي:
لكل زمان مضى آية
وآية هذا الزمان الصحف
وقد نجح الأستاذ محمد في ذلك وأصبحت "الأيام" أيقونة عدن في الستينات الثورية مكتسحة شارع الصحافة العدنية بجدارة كما خبرنا بذلك الفنان الكبير محمد مرشد ناجي.
وفي الواقع لم يكن ذلك محل ترحاب وارتياح عند أرباب الليبرالية الغربية ذات العراقة في الحريات الصحفية وأقصد الإدارة البريطانية في عدن، فقد حوكمت "الأيام" وتعرضت للمضايقات وحتى نكون منصفين فإن الإدارة البريطانية لا تقيس الأمر أحادي الجانب وإنما بعموم نشاط وتحركات السيد محمد علي باشراحيل الذي أصبح بيته ومكتبه ملتقى للفعاليات العدنية والجنوبية المؤثرة في المشهد الستيني وكأن "الأيام" ليست الحروف والمداد والورق وإنما هي نشاط رجل كبير تجتمع فيه خصال القائد النابه الذي يوحد الناس حول قواسم الوطن ويواصل ليله بنهاره من أجل تحقيق الأهداف الوطنية.
وحتى في هذا السياق لم تكن كل الفصائل الثورية على درجة من الوعي والإدراك للاتجاهات المستقبلية في فكر الباشراحيل الكبير فتعرض بيته لاعتداء آثم، ثم جاء الاستقلال 1967م بمن هم لا يحملون ثاقبة نظر إلى ما يجمع الوطن وأهله بدلًا من التبديد والتفريط والتشريد، فأوقفت الصحافة العدنية ودرتها
"الأيام" بقرار لا يتجاوز مفعوله سبعة أيام كما قالوا ليستمر ثلاثا وعشرين سنة، وشرد أهل هذه الدار مع كبيرهم وكبير عدن الأستاذ محمد علي باشراحيل. ولكن إلى حين لأن جينات العمل الصحافي كانت قد انتقلت إلى وجدانات الجيل الثاني الأستاذ الكبير هشام وأخيه الأستاذ القدير تمام محمد علي باشراحيل مع بداية الوحدة اليمنية عام 1990 م لترتفع مجددًا شعلة "الأيام" بمواصفات عصر آخر ولكنه أشد وطأة من عهد الإدارة البريطانية في عدن، وغدا البيت نفسه قبلة للرافضين لاحتلال صنعاء لعدن في العام 1994م وما أشبه الليلة بالبارحة.
رحم الله محمد علي باشراحيل وابنه البار هشام وأعطي طول العمر للأستاذ تمام باشراحيل.
كانت العبقرية تقرأ في المخبأ وفي الجلي السائد في بلاط صاحبة الجلالة في الشارع العدني، ولذلك جاءت "الأيام" لمحمد علي باشراحيل في أغسطس 1958 م تحمل سمات الصحيفة الخبرية التي تنقل أولًا بأول الهم الجمعي للمواطنين مبرزة عدن بما هي أم مدن ليس الجنوب فحسب بل واليمن عامة، دون نسيان الآخرين في المحميات وحتى اليمن.
كانت صحافة عدن منخرطة في الحراك الوطني المتصاعد، ولما كانت جل الصحف حزبية أو تابعة لفصيل سياسي بعينه فإن الاستغراق سيذهب إلى السياسي البحث والذي سيعتمد على المباشرة والتثوير بما يشبه في بعض الأحيان المنشورات السياسية، أما "الأيام" فقد كانت من الحصافة بحيث رصدت (الخبر) بكل تقنيات الاستقبال وإعادة البث بمهنية عالية، وأفردت مجالًا تاليًّا للرأي بمقاييس كتابة المقالة التي نفتقدها في يومنا هذا بكثرة الداخلين على الكتابة من باب السياسة ليس إلا.
ولا يعني ذلك بحال من الأحوال أن "أيام" الأستاذ محمد علي باشراحيل كانت في المنطقة الرمادية في تلك الفترة الملتهبة، بل كانت في عين العاصفة منحازة للتغيير في عدن والجنوب ومباركة ثورة سبتمبر 1962م في صنعاء وناقلة لكل التأثيرات القومية لمصر عبدالناصر فاردة الصفحات لكلمات الزعيم بكل العبء الذي يحمله الاستماع والإفراغ ورصِّ الحروف اليدوية لتحرير هذا العدد أو ذاك.
أقول ذلك حتى لا يتبادر إلى الذهن أن الأستاذ محمد علي باشراحيل قد نأى بنفسه عن تأثيرات ما يجري وهو الذي خاض غمار السياسة والعمل الوطني مذ الأربعينات إلى الخمسينات سواء في أعلى مراتب رابطة أبناء الجنوب أو في المجلس البلدي صوتًا مجلجلًا في سبيل انتزاع حقوق المواطنين وتثبيت اللغة العربية.. إلخ.
لكن الأمر برمته عند الباشراحيل الكبير يتمحور في إيجاد صحيفة حقيقية عصرية بها كل مقومات الصحافة التي قال عنها أمير الشعراء أحمد شوقي:
لكل زمان مضى آية
وآية هذا الزمان الصحف
وقد نجح الأستاذ محمد في ذلك وأصبحت "الأيام" أيقونة عدن في الستينات الثورية مكتسحة شارع الصحافة العدنية بجدارة كما خبرنا بذلك الفنان الكبير محمد مرشد ناجي.
وفي الواقع لم يكن ذلك محل ترحاب وارتياح عند أرباب الليبرالية الغربية ذات العراقة في الحريات الصحفية وأقصد الإدارة البريطانية في عدن، فقد حوكمت "الأيام" وتعرضت للمضايقات وحتى نكون منصفين فإن الإدارة البريطانية لا تقيس الأمر أحادي الجانب وإنما بعموم نشاط وتحركات السيد محمد علي باشراحيل الذي أصبح بيته ومكتبه ملتقى للفعاليات العدنية والجنوبية المؤثرة في المشهد الستيني وكأن "الأيام" ليست الحروف والمداد والورق وإنما هي نشاط رجل كبير تجتمع فيه خصال القائد النابه الذي يوحد الناس حول قواسم الوطن ويواصل ليله بنهاره من أجل تحقيق الأهداف الوطنية.
وحتى في هذا السياق لم تكن كل الفصائل الثورية على درجة من الوعي والإدراك للاتجاهات المستقبلية في فكر الباشراحيل الكبير فتعرض بيته لاعتداء آثم، ثم جاء الاستقلال 1967م بمن هم لا يحملون ثاقبة نظر إلى ما يجمع الوطن وأهله بدلًا من التبديد والتفريط والتشريد، فأوقفت الصحافة العدنية ودرتها
"الأيام" بقرار لا يتجاوز مفعوله سبعة أيام كما قالوا ليستمر ثلاثا وعشرين سنة، وشرد أهل هذه الدار مع كبيرهم وكبير عدن الأستاذ محمد علي باشراحيل. ولكن إلى حين لأن جينات العمل الصحافي كانت قد انتقلت إلى وجدانات الجيل الثاني الأستاذ الكبير هشام وأخيه الأستاذ القدير تمام محمد علي باشراحيل مع بداية الوحدة اليمنية عام 1990 م لترتفع مجددًا شعلة "الأيام" بمواصفات عصر آخر ولكنه أشد وطأة من عهد الإدارة البريطانية في عدن، وغدا البيت نفسه قبلة للرافضين لاحتلال صنعاء لعدن في العام 1994م وما أشبه الليلة بالبارحة.
رحم الله محمد علي باشراحيل وابنه البار هشام وأعطي طول العمر للأستاذ تمام باشراحيل.