> سالم حيدرة صالح:
تدهور 50 % من الإنتاج الزراعي..
"التغيرات المناخية" عامل جديد يُعقد الأزمة الزراعية في دلتا أبين
منظمات دعم القطاع الزراعي: فشل أم تواطؤ؟
غياب الدولة يزيد الأعباء: المزارعون في دلتا أبين يستغيثون لإنقاذ الزراعة
وفي النهاية، دعا السميطي الجميع، بما في ذلك الدولة والجهات المعنية، إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه القطاع الزراعي، من أجل العمل على تعزيز الأمن الغذائي وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.
"التغيرات المناخية" عامل جديد يُعقد الأزمة الزراعية في دلتا أبين
منظمات دعم القطاع الزراعي: فشل أم تواطؤ؟
غياب الدولة يزيد الأعباء: المزارعون في دلتا أبين يستغيثون لإنقاذ الزراعة
> يواجه القطاع الزراعي في دلتا أبين، المعروف بخصوبته ودوره الحيوي كـ"سلة الجنوب الزراعية"، تحديات متعددة تهدد استمراريته. تشمل هذه التحديات تعطل قنوات الري والسدود، انهيار الجسور، وظهور أشجار المسكيت بشكل واسع، إضافةً إلى زحف المخططات السكنية إلى الأراضي الزراعية، ما أدى إلى تدهور إنتاجية هذه المناطق.
وأوضح المهندس الزراعي عبدالقادر خضر السميطي، عضو الجمعية الوطنية للبحث العلمي والتنمية المستدامة، أن انهيار منظومة الزراعة والري وانتشار الآفات والأمراض الزراعية قد أضر بالمحاصيل بشكل كبير، حيث فقدت نحو 50 % من الإنتاج الزراعي. وأضاف السميطي أن البنية التحتية المتهالكة، خاصة الطرق التي تربط المحافظات اليمنية، تعد شاهدًا على حجم التدهور الذي أصاب القطاع الزراعي ويعكس الحاجة إلى تدخلات عاجلة لدعمه واستعادة دوره الحيوي.
وأضاف السميطي أن الخطر الأكبر يكمن في انتشار مبيدات محظورة ومحرمة تُباع على مرأى ومسمع من الجهات المختصة، وتُستخدم في مكافحة الآفات بشكل عشوائي. وأشار إلى أن هذه المبيدات لا تقتصر أضرارها على قتل الحشرات النافعة، بل تساهم في تعزيز مقاومة الحشرات الضارة، ما يخلق بيئة ملوثة قد تهدد التوازن البيئي وتُعرض الأراضي الزراعية لمخاطر جمة.
وأشار السميطي أيضًا إلى تأثيرات التغيرات المناخية المتسارعة، التي تتجلى في ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة الفيضانات، وهبوب الرياح الشديدة، والجفاف، والتصحر، ما أدى إلى انجراف التربة وزيادة ملوحة المياه الجوفية والتربة الزراعية.
وأضاف أن هذه التحديات أدت إلى تدمير الغطاء النباتي، بما في ذلك قطع أشجار عريقة تجاوز عمرها 200 عام، مما تسبب في تدهور التنوع البيولوجي الذي يعد ركيزة أساسية في الحفاظ على التوازن البيئي.
وتطرق السميطي إلى الآثار السلبية التي انعكست على الثروة الحيوانية والنحلية، إذ شهدت هذه الثروات تدهورًا ملحوظًا وانخفاضًا في أعدادها نتيجة الأوضاع المتردية في القطاع الزراعي. ورغم تدخل العديد من المنظمات الدولية لدعم هذا القطاع، وفي مقدمتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، والتي تروج لمبادرات تتعلق بالأمن الغذائي، إلا أن غياب استراتيجية حقيقية وفعالة أدى إلى بقاء الأمن الغذائي في المنطقة بعيد المنال.
وأشار السميطي إلى أن ضعف الدور الحكومي وغياب الرقابة أتاح الفرصة لظهور منظمات مجتمع مدني متعددة بأسماء مختلفة، تسعى للاستفادة من التمويلات الدولية تحت شعار دعم القطاع الزراعي. ومع ذلك، لم تحقق هذه المنظمات الأهداف المرجوة، ولم يظهر أي تطور فعلي في المجالات الزراعية أو تحسين قنوات الري والبنية التحتية ذات الصلة. كما بيّن السميطي أن هذه المنظمات، على الرغم من تلقيها دعمًا ماليًا ولوجستيًا كبيرًا، لم تقدم حلولًا ملموسة لمعالجة الأزمات المتفاقمة التي يواجهها القطاع الزراعي.
وشدد السميطي على أن القطاع الزراعي في دلتا أبين، الذي يُعد ركيزة أساسية في توفير الغذاء لأبناء الجنوب، يحتاج إلى تدخلات جذرية وفعالة تتجاوز التدخلات المؤقتة والدعم المحدود. ولفت إلى أهمية دور الدولة في إرساء سياسات متكاملة ومستدامة، تركز على إعادة تأهيل قنوات الري، والسيطرة على انتشار أشجار المسكيت، وتشجيع الاستخدام السليم للمبيدات الزراعية، بما يضمن حماية الموارد الطبيعية من التدهور ويعزز من قدرة الأراضي على الإنتاج.
وأكد السميطي على ضرورة تقييم عمل المنظمات الدولية والمحلية التي تدعي دعم القطاع الزراعي، مشيرًا إلى أهمية مراجعة أدائها خلال السنوات العشر الماضية. وأوضح أنه كان من الضروري تحديد الإخفاقات والعمل على تصحيحها والاستفادة من التجارب السلبية التي رافقت عمل هذه المنظمات، لكن للأسف، لم تُنجح الجهود في توجيه تلك المنظمات نحو مشاريع زراعية مستدامة تخدم المجتمع المحلي. وتابع قائلًا إن هذا الفشل في التنسيق الفعّال مع المنظمات قد عمّق الأزمات، وجعل القطاع الزراعي عُرضة للمزيد من التدهور والتراجع في الإنتاج.
وأضاف السميطي أن الوضع لا يقتصر على إخفاقات المنظمات، بل إن هناك "مصائب بالجملة" زادت من تأزم الواقع الزراعي، تشمل عدم التحرك الفعّال من قبل سلطة الأمر الواقع، والتي تتحمل مسؤولية كبيرة في حماية القطاع الزراعي وإنقاذه من الانهيار. وأوضح أن هذه السلطة لم تقم باتخاذ الإجراءات اللازمة، بل تركت القطاع يواجه المصاعب المتفاقمة دون حلول جذرية أو خطط مستقبلية واضحة، ما جعل المزارعين في دلتا أبين يفقدون الأمل في تحسين أوضاعهم وتطوير وسائل الإنتاج.
كما أشار السميطي إلى غياب الرقابة على استخدام الموارد، حيث تُهدر أموال كبيرة على مشروعات غير مجدية، بينما تبقى الأولويات الحقيقية، مثل إعادة تأهيل قنوات الري ومكافحة آفات الزراعة بشكل علمي ومستدام، دون تمويل أو اهتمام كافٍ. وأضاف أن هناك العديد من الأزمات التي كان من الممكن تفاديها عبر استثمار تلك الموارد في مشروعات استراتيجية طويلة المدى، إلا أن سوء الإدارة وقلة التخطيط جعلا القطاع الزراعي مهددًا بمزيد من التراجع.
وشدد السميطي على أن الوضع الراهن في دلتا أبين يعكس واقعًا مؤلمًا يعاني فيه المزارعون من انعدام الدعم الحقيقي، حيث لم يعد هناك اهتمام كافٍ بتطوير الإنتاج الزراعي أو تحسين سبل المعيشة، بل تزايدت التحديات البيئية والمناخية التي تضاعف من الضغط على القطاع الزراعي. وأشار إلى أهمية قيام الجهات المسؤولة بتفعيل دورها في دعم هذا القطاع من خلال وضع خطط واضحة لإعادة تأهيل الأراضي، والتحكم في الموارد المائية، وتوجيه جهود المنظمات نحو مشاريع مستدامة تسهم في تحقيق الأمن الغذائي.
وأشار السميطي إلى حالة الإهمال واللامبالاة التي يعيشها القطاع الزراعي في اليمن، حيث وصف الوضع بأنه "الكل نائم بالعسل"، في إشارة إلى انشغال البعض بالمظاهر والاحتفالات بينما يتعرض معظم المواطنين، خاصة في المناطق الريفية، لمعاناة يومية بسبب الجوع والفقر. وأكد أن الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية والخضار والفواكه، بالإضافة إلى تدهور العملة المحلية، يشكلان مؤشرات واضحة على تفاقم الأزمة. في ظل غياب الدولة وضعف القدرة الشرائية، لم يعد الطعام مجرد حاجة أساسية، بل أصبح ترفًا يُحسب على أنه من الكماليات.
واختتم السميطي حديثه بتحذير المواطنين، قائلًا: "استعدوا أيها اليمنيون شمالًا وجنوبًا، فقوتكم اليومية سيصبح من الكماليات"، وأضاف أن مستقبل الأمن الغذائي لا يزال مجهولًا، ولا يعلم أحد كيف ستكون الأمور في المستقبل القريب.
وأكد السميطي أن الله سبحانه وتعالى قد خلق أرض اليمن وجعلها مكانًا متميزًا بتنوع المناخات، مما يوفر فرصة كبيرة لتطوير الزراعة. ومع ذلك، لا تزال البلاد تواجه تهديدات متزايدة بسبب عدم القدرة على وضع خطط زراعية مفصلة تتناسب مع احتياجات كل منطقة وظروفها المناخية. وأشار إلى أهمية استخدام نظام تبادل زراعة المحاصيل وفقًا لدورة زراعية مناسبة، مما يعزز من الإنتاجية ويقلل من المخاطر.
وأشار أيضًا إلى عدم وجود تجديد في الأصناف الزراعية المستخدمة، حيث تفتقر البلاد إلى الأصناف المحسنة والمقاومة للآفات، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية. كما أعرب عن قلقه من عدم توفر سلالات جديدة من الماشية لتحسين السلالة المحلية، مما يُهدد بتراجع الثروة الحيوانية. وفيما يتعلق بالنحل، أشار السميطي إلى أن هذا القطاع أيضًا قد يواجه مشاكل خطيرة قد تضعه في موقف حرج، مشددًا على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان مستقبل آمن للزراعة والثروة الحيوانية في اليمن.