> أنسام عبدالله:
- خطوة على خطى رجال المال.. الدلالة من بيع الملابس إلى سوق العقارات
- اللحجيات.. سيدات تجارة يحرّكن السوق ويكسبن الثقة في زمن الشك
> تلقفت المرأة في محافظة لحج عامة وفي مديريتي الحوطة وتبن بصورة خاصة، الاقتصاد شبه المنهار والمتصدع بفعل تداعيات حرب 2015 بشجاعة منقطعة النظير متماشية مع الدور الأبوي الذي تفرضه سلطة الرجال على كل مناحي الحياة في المجتمع اللحجي على حدٍّ سواء.
فكمجتمع لحجي مدني، كان للمرأة أدوار ثابتة في العمل السياسي والاجتماعي بصورة متواصلة منذ ما قبل حرب 2015 وأثناء الدولة المستقرة، ولا أحد ينكر الأسماء النسوية اللامعة والتي كانت تؤدي أدوارًا رجولية في القيادة والتنظيم على كافة المستويات وخارج عباءة الرجل في أحيان ليست بقليلة.
أما على المستوى الاقتصادي نستطيع أن نقولها وبفخر، لقد صنعت المرأة في لحج اقتصادًا بديلًا إطارهُ العام هو الانهيار الاقتصادي لمؤسسات الدولة المتبقية، حيث لملمت المرأة شعث المجتمع اقتصاديا منطلقة نحو الوقوف مرة أخرى وعدم السقوط في المجهول، ومستندة على كونها أم وحريصة على الاستمرار لأجل أسرتها ومن تعيلهم.
إن المرأة في لحج بصمودها قد أنشأت بعد الحرب مفاهيم اقتصادية جديدة من حيث تدري أو لا تدري، وخارج إطار الدراسات الأكاديمية المنمقة، بل مستفيدة من قاعدة اجتماعية راسخة وهي مدنية المجتمع اللحجي واستيعابه للجميع بل واحترامه للمرأة كقائد ميداني مجتمعي واقتصادي، يمسك بزمام المبادرة قادر على التكتل والتنظيم لإنشاء كيانات اقتصادية اجتماعية عديدة.
فقبل انتشار منظمات المجتمع المدني الداعمة، وتوسع مفهوم التمكين الاقتصادي للنساء، كانت هناك أساسات متينة استفادت منها المرأة في لحج للانطلاق وبناء هذه الشبكة المتداخلة من الاقتصاديات البديلة.
فالمتتبع لخطوط الطول ودوائر والعرض في خريطة الاقتصاد المجتمعي اللحجي سيجد عند كل نقطة التقاء امرأة، قد حظيت بثقة الناس، فالمرأة أمينة، وحريصة على الإنجاز، وربما عدم استيعابها بشكل كبير في العمل على رأس هرم السلطات الحكومية المتعاقبة قد أهلها كي تكون بهذا القدر الواعي من الحرص والثقة.
فلو ألقينا نظرة شاملة على سوق العمل اليوم في لحج سنجد مصطلحين من أهم المصطلحات في الاقتصاديات الاجتماعية وهما:
مصطلحي (الهكّابة)، و(الدلّالة)، اللذين قد ظهرا في لحج منذ زمن بعيد، لكنهما اليوم قد تبروزا وأصبحا أكثر اتساعا ليشملا مجالات واسعة يقوم عليها عصب الاقتصاد اللحجي، حيث كانت "الهكابة" تمثل بيت مال مدخرات أهل الحارة البسطاء، أما اليوم فقد أصبحت تدير رؤوس أموال لمدخرات تقدر بملايين الريالات وليس في إطار الحارة البسيطة بل تتعداها لقرى ومدن مجاورة، للثقة التي تحظى بها من المجتمع بكل شرائحه، فمن بيتها تحل مشكلات المجتمع وتحدياته الاقتصادية المؤرقة، إنها (بنك غير ربحي آمن) ومنقذ في أحيان كثيرة لمن تعسّرت ظروفه.
مصطلح اقتصادي اجتماعي آخر وهو "الدلّالة "، إذ أنه وبمجرد سماع الكلمة، يتبادر إلى الأذهان معنى الوسيط التجاري البسيط لبيع وشراء بعض احتياجات المرأة الخاصة وبمبالغ رمزية مثلما كان حادث ما قبل خمسين عاما من الآن مثلا، إلا أن هذا المصطلح في لحج قد تغير في نقلة نوعية ملفتة إذ أصبحت هذه "الدلالة " وسيط تجاري بين المواطن وكبرى رؤوس الأموال في السوق التجاري، بداية من مستلزمات المرأة والطفل وبعض احتياجات البيت، إلى كل ما يتعلق ببناء البيت بذاته.
فالكل يثق في الدلّالة، تجار مواد البناء، تجار بيع الأجهزة الكهربائية، ومؤخرا وصلت الدلالة إلى العقارات والسيارات، عدا عن اقتصاديات المأكولات والمواد الغذائية، والملابس وليس بأرقام محدودة، بل بالجملة وبأنشطة تجارية تتصل بالدول الاقتصادية الكبرى كالصين ومصر وقبلها سوريا، وغيرها من الدول التي تتشارك اقتصادياتها مع اليمن، يتجلى ذلك من خلال مجموعات التسويق العصرية في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي في إشارة واضحة لثقة أصحاب رؤوس الأموال الكبار في مصداقية المرأة اللحجية بالتعامل التجاري الجاد.
لم يأتِ ذلك صدفة أو بين ليلة وضحاها، لقد أتى بعد العمل الدؤوب المتواصل المبني على الثقة والأمانة والالتزام بالعمل وديمومة تحقيق الربح المطّرد.
ثم وبعد استتباب الأمن، عقب الاستقرار الأمني الذي شهدته لحج كمعظم المحافظات المحررة، أتت المنظمات العاملة لتنفيذ مشاريعها الإنسانية، لتبني على هذا الأساس المتين من تواجد المرأة الاقتصادي، وبرزت معها على السطح اقتصاديات تضامنية للأسر الأشد فقرا، ومكنت النساء المعوزات من أن يلحقوا بركب الإنتاج، ويساهموا بفعالية في اقتصاد بديل متنامي أصبح من المتحكمين بمرونة في عصب الاقتصاد اللحجي، فكان للمشاريع الصغيرة أثرها البالغ على هذه الشريحة من النساء المُعيلات في لحج، مستفيدات من الدعم الواصل إليهن من هذه المنظمات المدنية العاملة في لحج.
على الجانب الآخر من الاقتصاد الموازي هذا، وتثمينا لجدية المرأة في لحج بالعمل الملتزم والمنضبط، نجدها على رأس العمل في المؤسسات التعليمية الخاصة منذ عقود، كإدارة رشيدة وطاقم نسائي فذ يشار إليه بالبنان يدير هذا الاقتصاد التعليمي الخاص والذي لا يقل شأنا عن اقتصاد السوق الحر المذكور آنفًا.
لم تقف المرأة اللحجية عند حواجز اللامساواة في شَغل الوظائف الحكومية كحصص أو أجور تميل غالبا إلى الوفرة لصالح الرجال، أو عند حدود " اللاعدالة "التي تفرضها قيود المجتمعات الشرقية، كما أنها لم تستسلم وهي ترى سقوط الدولة وانهيار الاقتصاد الرسمي، بل تنبهت لكل هذا وأسست لاقتصاديات بديلة قوامها عضدها وتفانيها، وثقة المجتمع برمته فيها.
إنّ المرأة في لحج تحتاج اليوم إلى الاعتراف بخبراتها الاقتصادية وكفاءتها الإدارية، كما أنها تتوق إلى إصلاح الخلل الذي أحدثه التمييز في سوق العمل والقائم على النوع وليس على الكفاءة، وبحاجة كذلك إلى ضمان الوصول الى مراكز القرار في المؤسسات الاقتصادية العاملة في البلاد في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا وفي ضل هذه الأوضاع الاستثنائية التي نعيشها جميعا.