> هشام الشبيلي:
تمثل مدن وقصور حضرموت شاهدًا على عظمة العمارة الطينية الحضرمية في اليمن، وقد بدأنا الرحلة نحوها، كما لو أننا نسافر عبر الزمان، استعدينا لها بمشاعر مفعمة، ورغبة جامحة في سبر أغوار التاريخ، وارتشاف معاني الحضارة، من أفياء مدنها العتيقة، وقصورها الطينية الأخاذة التي تسلب ألباب الزائرين.
نسرع الخطى إليها على أنغام الدان، وخيوط الشمس تداعب أيادينا التي مددناها من نوافذ سيارتنا، وبيننا يدور حديث ذو شجون عن قصائد المحضار، وأسمار السلاطين الذين حكموا هذه البلاد، وعمروا قصورها، وحكايات العابدين الذين ملأوا مساجدها بالذكر وأحاديث العلم، عن الإنسان والتاريخ المهاجر.
انطلقنا من مدينة مأرب إلى حضرموت شرق اليمن، لنكتشف الجمال والتاريخ في فن المعمار الطيني ونسلط الضوء على براعة الحضرمي وإبداعه في فن العمارة عبر الزمن، وكانت الطريق طويلة بفعل الحفر الكثيرة والمميتة على الخط الواصل بين مأرب وحضرموت، مما يجعلك تبطئ المسير فيه وكأنك على رأس قافلة تجارية في عهد مملكة كندة.
وفي الصباح الباكر ومع شروق الشمس رأينا مدنها التاريخية العتيقة ومبانيها الطينية السامقة التي تنحصر فيها مظاهر الحداثة الأسمنتية وتنحاز بمجملها إلى التاريخ.
وأشار بلدرم في حديثه إلى "إندبندنت عربية " إلى أن قصر الرناد صُمم بطريقة عسكرية هجومية ودفاعية في آنٍ واحد، فعندما يشتد الضغط على الحصن وعلى الموجودين فيه، يوجد منافذ ونفق سري يمكنهم الخروج منه إلى خارج سور المدينة، ولا يعرف موقع هذا النفق إلا القائد وكبار المسؤولين في القصر".
ولفت إلى أن الطوابق العليا من القصر بها أنفاق خاصة تسمح بمرور الأشخاص وتقديم الإسعاف عند الحاجة، كما توجد مخابئ سرية لا يُعرف موقعها إلا إذا كان الشخص على دراية كاملة بتفاصيل القصر، مشيرًا إلى أن هذه المخابئ قد تكون مخبأ سريًّا مثل خزانة يختبئ فيها مقاتل، إما ليهاجم الأعداء ويقتلهم، أو يموت دفاعًا عن المكان من دون أن يعلم أحد بموقعه.
وتعد القصور الطينية أحد نتاجات الهجرة الحضرمية، فقد استطاع المعمار الحضرمي ببراعته أن يخلق عمارة هجينة اقتبس شكلها من النمط الإسلامي الموجود في جنوب شرقي آسيا، وأخذ المادة (الطوب الطيني) من بيئته وتفنن في زخرفة واجهات القصور وإتقان الأشكال اللافتة للنظر ويتجلى ذلك في قصور المدينة.
ويمتاز هذا الأسلوب المعماري بكثرة التأثيرات الجمالية والزينة من جهة الألوان وأشكال واجهات الأبنية وفتحات الشبابيك الدائرية والأقواس والزجاج الملون فوق النوافذ، يضاف إلى ذلك النقوش داخل القصر وخارجه.
ويضيف باحمالة "إن هذا التأثير ظهر في مساحات القصور الواسعة وزيادة زخارفها المتنوعة وألوانها المختلفة"، مشيرًا إلى أن الزخارف شملت أشكالًا نباتية مستوحاة من الطبيعة مثل بتلات الزهور، وأخرى هندسية كالأشكال المثلثة والنجوم داخل الأنماط المعمارية للقصور.
وأشار باحمالة إلى أن "تأثير الهجرات في العمارة الطينية طاول حتى القصور العسكرية مثل قصر الرناد الذي تأثر بصورة كاملة، على رغم أنه قصر حكم ولكن التأثير طاول ألوانه فتغير إلى اللون الأحمر، وهو اللون الذي يدل على الدم والقوة ويرمز دائمًا للدولة وللحكومة، ولكن هذه المادة التي استخدمت لم تستخدم مادة الطلاء المعروفة اليوم بل استخدمت مادة الطين (اليبل) وهي مادة حمراء (الحمورة)، وهي مادة طبيعية تستخرج من الجبال وتُمزج مما زاد من فخامة القصر".
ولفت باحمالة إلى أن "المواد المستخدمة في العمارة مثل الأخشاب والزجاج، التي كان بعضها يجلب من جنوب شرقي آسيا، أضافت لمسة من التنوع وأنتجت مزيجًا ثقافيًا ومعماريًا فريدًا في العمارة الحضرمية".
وأعرب الرباكي عن أمله في أن تلتفت المؤسسات والمنظمات المعنية بالتاريخ والثقافة المحلية والدولية إلى هذه الثروة المعمارية وتقديم الدعم اللازم للحفاظ عليها.
"إندبندنت عربية"
نسرع الخطى إليها على أنغام الدان، وخيوط الشمس تداعب أيادينا التي مددناها من نوافذ سيارتنا، وبيننا يدور حديث ذو شجون عن قصائد المحضار، وأسمار السلاطين الذين حكموا هذه البلاد، وعمروا قصورها، وحكايات العابدين الذين ملأوا مساجدها بالذكر وأحاديث العلم، عن الإنسان والتاريخ المهاجر.
انطلقنا من مدينة مأرب إلى حضرموت شرق اليمن، لنكتشف الجمال والتاريخ في فن المعمار الطيني ونسلط الضوء على براعة الحضرمي وإبداعه في فن العمارة عبر الزمن، وكانت الطريق طويلة بفعل الحفر الكثيرة والمميتة على الخط الواصل بين مأرب وحضرموت، مما يجعلك تبطئ المسير فيه وكأنك على رأس قافلة تجارية في عهد مملكة كندة.
خط أسفلتي وأرض جرداء وجبلان بعيدان يفصل بينهما وادٍ طويل، وكلما أوغلنا في الطريق واقتربنا أكثر رأينا البيوت المتناثرة في أسفل الجبال وبمحاذاة الوادي الكبير على امتداد الطريق، مضيئات كأنهن نجمات ساطعات، ومع أشجار النخيل المنتشرة في الوادي يتبدد التعب وطول المسافة باقترابنا رويدًا من حضرموت.
وفي الصباح الباكر ومع شروق الشمس رأينا مدنها التاريخية العتيقة ومبانيها الطينية السامقة التي تنحصر فيها مظاهر الحداثة الأسمنتية وتنحاز بمجملها إلى التاريخ.
- مدينة القصور
- قصر الرناد
يمثل هذا القصر رمزية سياسية كبيرة، وتاريخية لمدينة تريم، ويعود تاريخ بنائه إلى ما قبل الإسلام، ويبدو للناظر من موقعه وهيئته أنه أدى وظائف عدة، فقد أقيم كحصن دفاعي وقصر للحكم، واتخذه الحكام المتعاقبون على المدينة مقرًا لهم، والولاة في عصر الإسلام مثل الصحابي الجليل زياد بن لبيد البياضي الأنصاري موفد الرسول والخليفة من بعده على حضرموت، وكذا الدويلات المتعاقبة التي حكمت تريم، وفقًا للباحث في التاريخ حسن بلدرم.
قصر الرناد
وأشار بلدرم في حديثه إلى "إندبندنت عربية " إلى أن قصر الرناد صُمم بطريقة عسكرية هجومية ودفاعية في آنٍ واحد، فعندما يشتد الضغط على الحصن وعلى الموجودين فيه، يوجد منافذ ونفق سري يمكنهم الخروج منه إلى خارج سور المدينة، ولا يعرف موقع هذا النفق إلا القائد وكبار المسؤولين في القصر".
ولفت إلى أن الطوابق العليا من القصر بها أنفاق خاصة تسمح بمرور الأشخاص وتقديم الإسعاف عند الحاجة، كما توجد مخابئ سرية لا يُعرف موقعها إلا إذا كان الشخص على دراية كاملة بتفاصيل القصر، مشيرًا إلى أن هذه المخابئ قد تكون مخبأ سريًّا مثل خزانة يختبئ فيها مقاتل، إما ليهاجم الأعداء ويقتلهم، أو يموت دفاعًا عن المكان من دون أن يعلم أحد بموقعه.
- التصميم الداخلي للقصور
- الهجرة الحضرمية
ويعود تاريخ القصور الطينية في تريم لعقود من الزمن، بعضها مملوكة لأسر حضرمية، كانت يومًا أعمدة الاقتصاد الآسيوي في سنغافورة وإندونيسيا حتى بداية النصف الثاني من القرن الـ20.
وتعد القصور الطينية أحد نتاجات الهجرة الحضرمية، فقد استطاع المعمار الحضرمي ببراعته أن يخلق عمارة هجينة اقتبس شكلها من النمط الإسلامي الموجود في جنوب شرقي آسيا، وأخذ المادة (الطوب الطيني) من بيئته وتفنن في زخرفة واجهات القصور وإتقان الأشكال اللافتة للنظر ويتجلى ذلك في قصور المدينة.
ويمتاز هذا الأسلوب المعماري بكثرة التأثيرات الجمالية والزينة من جهة الألوان وأشكال واجهات الأبنية وفتحات الشبابيك الدائرية والأقواس والزجاج الملون فوق النوافذ، يضاف إلى ذلك النقوش داخل القصر وخارجه.
- العمارة "الكيونيالية"
ويضيف باحمالة "إن هذا التأثير ظهر في مساحات القصور الواسعة وزيادة زخارفها المتنوعة وألوانها المختلفة"، مشيرًا إلى أن الزخارف شملت أشكالًا نباتية مستوحاة من الطبيعة مثل بتلات الزهور، وأخرى هندسية كالأشكال المثلثة والنجوم داخل الأنماط المعمارية للقصور.
وأشار باحمالة إلى أن "تأثير الهجرات في العمارة الطينية طاول حتى القصور العسكرية مثل قصر الرناد الذي تأثر بصورة كاملة، على رغم أنه قصر حكم ولكن التأثير طاول ألوانه فتغير إلى اللون الأحمر، وهو اللون الذي يدل على الدم والقوة ويرمز دائمًا للدولة وللحكومة، ولكن هذه المادة التي استخدمت لم تستخدم مادة الطلاء المعروفة اليوم بل استخدمت مادة الطين (اليبل) وهي مادة حمراء (الحمورة)، وهي مادة طبيعية تستخرج من الجبال وتُمزج مما زاد من فخامة القصر".
ولفت باحمالة إلى أن "المواد المستخدمة في العمارة مثل الأخشاب والزجاج، التي كان بعضها يجلب من جنوب شرقي آسيا، أضافت لمسة من التنوع وأنتجت مزيجًا ثقافيًا ومعماريًا فريدًا في العمارة الحضرمية".
- خطر الاندثار
وأعرب الرباكي عن أمله في أن تلتفت المؤسسات والمنظمات المعنية بالتاريخ والثقافة المحلية والدولية إلى هذه الثروة المعمارية وتقديم الدعم اللازم للحفاظ عليها.
"إندبندنت عربية"