يُعد الفساد أحد أكبر التحديات التي تعترض الدول النامية، وبخاصة تلك التي تعاني من النزاعات المستمرة، كما هو الحال في اليمن، ومنذ اندلاع النزاع في عام 2014 لم يقتصر تأثير الفساد على تقويض الخدمات الأساسية فحسب، بل امتد ليهدد استقرار الدولة، مما جعل هياكلها الاقتصادية والاجتماعية أكثر عرضة للهشاشة.
الفساد في اليمن لم يكن مجرد ظاهرة ناتجة عن خلل في النظام السياسي والإداري فحسب، بل هو امتداد مباشر لهشاشة الدولة، مما سمح بانتشاره على نطاق واسع. علاوة على أن النزاعات غالبًا ما تُغذي جذور الفساد، حيث يستغل الفاسدون الفوضى الناجمة عن النزاع في تعزيز مكاسبهم الشخصية وتقويض سيادة القانون.
في هذا السياق، أدى الضعف المؤسسي إلى تفشي الفساد على نطاق واسع، مما زاد من معاناة المواطنين وعطل جهود استعادة الدولة. لذلك، تبقى خطوة رئيس مجلس القيادة الرئاسي في مكافحة الفساد بمثابة محاولة جادة للتصدي لأحد أخطر التحديات التي تواجهها البلاد، ولكن لا بد من أن ترتكز هذه الجهود على استراتيجيات شاملة تتعامل مع الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الظاهرة، وتأخذ في الاعتبار الظروف الاستثنائية التي تعصف باليمن مجتمعًا ودولة، بهدف استعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين وإيقاف هدر الموارد العامة لصالح إرساء أسس الحوكمة الرشيدة وتعزيز جهود التنمية.
وفي هذا الإطار، يجب أن تقوم استراتيجية مكافحة الفساد في اليمن على ثلاث ركائز أساسية تتمثل في الردع، الوقاية، والتوعية والتثقيف. وتستلزم هذه الاستراتيجية اتخاذ خطوات تعزز من قدرات المؤسسات الوطنية، إلى جانب إعطاء الأولوية للإصلاح المؤسسي باعتباره ضرورة ملحة في ظل تفشي الفساد الذي يشمل مجالات متعددة، مثل العقود الحكومية، غسل الأموال، تمويل الإرهاب، التهريب الجمركي، إضافة إلى الاختلالات في قطاعي الطاقة والعقارات، ورغم الجهود التي يبذلها رئيس مجلس القيادة الرئاسي في مواجهة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة والعائدات المترتبة عن جرائم الفساد، إلا أن هذه الجهود وحدها لن تحقق نتائج مستدامة ما لم تُدعم بآليات رقابة فعالة وتغييرات هيكلية في المؤسسات الحكومية المعنية. هذه التحولات ينبغي أن تركز على ضمان الاستقلالية والشفافية، وتوفير الأدوات التي تمكن المؤسسات من التعامل مع التحديات المتزايدة للفساد.
تتطلب عملية مكافحة الفساد في اليمن استراتيجيات طويلة المدى لا تقتصر على القرارات السريعة فقط، بل تشمل إعادة هيكلة شاملة للمؤسسات والأجهزة المعنية ضمن إطار المنظومة الوطنية للنزاهة، لأن العديد منها قد تجاوزت الفترات القانونية المقررة لها، مما أثر على قدرتها في أداء مهامها بكفاءة وفاعلية. ولذلك، يصبح من الضروري إعادة تشكيل هذه الهيئات وضمان قدرتها على التصدي الفوري والمهني للفساد الذي يعم مختلف أجهزة الدولة، إضافة إلى تعزيز قيم الشفافية والنزاهة في ظل التحديات المستمرة للنزاع. كما يجب إعادة بناء المؤسسات الرقابية بشكل يضمن استقلاليتها، مما يعزز من قدرتها على مكافحة الفساد في بيئة نزاع معقدة، ويجب توفير صلاحيات واسعة لها لمكافحة كافة أشكال الفساد بعيدًا عن أي ضغوط قد تُقيد فعاليتها، ومع ذلك تظل قضية التمويل أحد أكبر التحديات، حيث إن الموارد المتاحة لمكافحة الفساد محدودة، مما يصعب تنفيذ سياسات فعالة، ومن هنا يصبح من الضروري أن يحصل اليمن على دعم المجتمع الدولي في استعادة الأموال المهربة وضمان الشفافية في تخصيص الموارد المخصصة للمشاريع التنموية.
في الوقت نفسه، يجب أن تشمل استراتيجية مكافحة الفساد في اليمن آليات محاسبة وفقًا للمعايير الدولية، مع ضرورة محاكمة المسؤولين عن الفساد بشكل عادل وشفاف، بعيدًا عن القيود التي يضعها قانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن إجراءات إتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة. بالإضافة إلى تعزيز دور المجتمع المدني والإعلام في الرقابة على الحكومة، مع زيادة الوعي العام حول آثار الفساد على حياة المواطنين. وإذا تم تنفيذ هذه الإجراءات بصرامة، ستتمكن الحكومة من استعادة جزء من الأموال المنهوبة، مما يسهم في تحسين الوضع المالي للبلاد.
من هنا، تُعد خطوة مكافحة الفساد التي بدأها رئيس مجلس القيادة الرئاسي نقطة انطلاق مهمة نحو الإصلاح، ولكن النجاح في هذا المجال يتطلب تكاتف الجهود من جميع الأطراف المعنية، وتوفير آليات محاسبة فعالة لضمان عدم تكرار الفساد في المستقبل، بما يضمن تأسيس دولة قادرة على محاربة الفساد بطرق غير تقليدية تتماشى مع البيئة المتأزمة التي يمر بها اليمن.
* مدرس بقسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء
متخصص في الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد
الفساد في اليمن لم يكن مجرد ظاهرة ناتجة عن خلل في النظام السياسي والإداري فحسب، بل هو امتداد مباشر لهشاشة الدولة، مما سمح بانتشاره على نطاق واسع. علاوة على أن النزاعات غالبًا ما تُغذي جذور الفساد، حيث يستغل الفاسدون الفوضى الناجمة عن النزاع في تعزيز مكاسبهم الشخصية وتقويض سيادة القانون.
في هذا السياق، أدى الضعف المؤسسي إلى تفشي الفساد على نطاق واسع، مما زاد من معاناة المواطنين وعطل جهود استعادة الدولة. لذلك، تبقى خطوة رئيس مجلس القيادة الرئاسي في مكافحة الفساد بمثابة محاولة جادة للتصدي لأحد أخطر التحديات التي تواجهها البلاد، ولكن لا بد من أن ترتكز هذه الجهود على استراتيجيات شاملة تتعامل مع الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الظاهرة، وتأخذ في الاعتبار الظروف الاستثنائية التي تعصف باليمن مجتمعًا ودولة، بهدف استعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين وإيقاف هدر الموارد العامة لصالح إرساء أسس الحوكمة الرشيدة وتعزيز جهود التنمية.
وفي هذا الإطار، يجب أن تقوم استراتيجية مكافحة الفساد في اليمن على ثلاث ركائز أساسية تتمثل في الردع، الوقاية، والتوعية والتثقيف. وتستلزم هذه الاستراتيجية اتخاذ خطوات تعزز من قدرات المؤسسات الوطنية، إلى جانب إعطاء الأولوية للإصلاح المؤسسي باعتباره ضرورة ملحة في ظل تفشي الفساد الذي يشمل مجالات متعددة، مثل العقود الحكومية، غسل الأموال، تمويل الإرهاب، التهريب الجمركي، إضافة إلى الاختلالات في قطاعي الطاقة والعقارات، ورغم الجهود التي يبذلها رئيس مجلس القيادة الرئاسي في مواجهة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة والعائدات المترتبة عن جرائم الفساد، إلا أن هذه الجهود وحدها لن تحقق نتائج مستدامة ما لم تُدعم بآليات رقابة فعالة وتغييرات هيكلية في المؤسسات الحكومية المعنية. هذه التحولات ينبغي أن تركز على ضمان الاستقلالية والشفافية، وتوفير الأدوات التي تمكن المؤسسات من التعامل مع التحديات المتزايدة للفساد.
تتطلب عملية مكافحة الفساد في اليمن استراتيجيات طويلة المدى لا تقتصر على القرارات السريعة فقط، بل تشمل إعادة هيكلة شاملة للمؤسسات والأجهزة المعنية ضمن إطار المنظومة الوطنية للنزاهة، لأن العديد منها قد تجاوزت الفترات القانونية المقررة لها، مما أثر على قدرتها في أداء مهامها بكفاءة وفاعلية. ولذلك، يصبح من الضروري إعادة تشكيل هذه الهيئات وضمان قدرتها على التصدي الفوري والمهني للفساد الذي يعم مختلف أجهزة الدولة، إضافة إلى تعزيز قيم الشفافية والنزاهة في ظل التحديات المستمرة للنزاع. كما يجب إعادة بناء المؤسسات الرقابية بشكل يضمن استقلاليتها، مما يعزز من قدرتها على مكافحة الفساد في بيئة نزاع معقدة، ويجب توفير صلاحيات واسعة لها لمكافحة كافة أشكال الفساد بعيدًا عن أي ضغوط قد تُقيد فعاليتها، ومع ذلك تظل قضية التمويل أحد أكبر التحديات، حيث إن الموارد المتاحة لمكافحة الفساد محدودة، مما يصعب تنفيذ سياسات فعالة، ومن هنا يصبح من الضروري أن يحصل اليمن على دعم المجتمع الدولي في استعادة الأموال المهربة وضمان الشفافية في تخصيص الموارد المخصصة للمشاريع التنموية.
في الوقت نفسه، يجب أن تشمل استراتيجية مكافحة الفساد في اليمن آليات محاسبة وفقًا للمعايير الدولية، مع ضرورة محاكمة المسؤولين عن الفساد بشكل عادل وشفاف، بعيدًا عن القيود التي يضعها قانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن إجراءات إتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة. بالإضافة إلى تعزيز دور المجتمع المدني والإعلام في الرقابة على الحكومة، مع زيادة الوعي العام حول آثار الفساد على حياة المواطنين. وإذا تم تنفيذ هذه الإجراءات بصرامة، ستتمكن الحكومة من استعادة جزء من الأموال المنهوبة، مما يسهم في تحسين الوضع المالي للبلاد.
من هنا، تُعد خطوة مكافحة الفساد التي بدأها رئيس مجلس القيادة الرئاسي نقطة انطلاق مهمة نحو الإصلاح، ولكن النجاح في هذا المجال يتطلب تكاتف الجهود من جميع الأطراف المعنية، وتوفير آليات محاسبة فعالة لضمان عدم تكرار الفساد في المستقبل، بما يضمن تأسيس دولة قادرة على محاربة الفساد بطرق غير تقليدية تتماشى مع البيئة المتأزمة التي يمر بها اليمن.
* مدرس بقسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء
متخصص في الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد